مقالات سياسية

تصدير الأغنام … لا تلوموا إلا أنفسكم!

محمد التجاني عمر قش

كتبت أكثر من مرة عن صادرات السودان من الفاكهة والخضروات؛ خاصة المانجو والبصل إلى الأسواق السعودية، الأكبر على الإطلاق في المنطقة العربية. ولكن للأسف الشديد لم نستطع الاستفادة من تلك السوق المفتوحة وذات القدرات الشرائية الكبيرة! والسبب في ذلك يعود لعدم مقدرتنا، نحن السودانيين، على تجهيز وتعبئة منتجاتنا بطريقة لائقة تؤهلنا للمنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية.

نحن ما زلنا نعمل، في هذا المجال، بطريقة القرون الماضية، عندما كان الإنسان يهمه المنتج فقط، أياً كان شكله أو حالته أو طريقة تعبئته وشحنه. أما وقد تبدلت المعايير وتطورت وسائل النقل وأساليب العرض، فقد بات الإنسان يتطلع إلى سلع تلتزم بمظهر ومواصفات معينة، تشرف عليها جهات ذات مهارات عالية، وتطبق أنظمة ومعايير دقيقة لا تخضع للمجاملة أو المساومة، مهما كانت الظروف. وقد شاهدنا كيف أن صادر السودان من البصل يرمى في قارعة الطريق وفي حاويات القمامة في جدة، وهذا لعمري فشل ذريع، وإضرار بسمعة صادراتنا وبالتالي بالمصلحة الوطنية العليا، ناهيك عن مصالح المصدرين السودانيين، بيد أننا نفاخر بأن السودان هو سلة غذاء العالم! فكيف بربكم يتحقق هذا الحلم إذا كنا لا نجيد تعبئة وتصدير منتج لا يحتاج تقنية عالية ولا مهارة فنية كالبصل؟ المُصدّر السوداني لا يزال يحبو في أول السلم، فكأنه يعيش في جزيرة معزولة عن العالم المعاصر، الذي تطورت فيه متطلبات التجارة وأنظمتها وأساليبها، ومواعينها وعلاقاتها سواء بين الدول أو الشركات أو حتى بين الأفراد.

وفي واقع الأمر، ما جعلني أتناول تصدير الأغنام فيديو بثه بعض الإخوة عن الحظائر أو بالأحرى المحاجر التي من المفترض أن تكون بمواصفات بيطرية راقية لأغنام الصادر في بورتسودان. وإذا صح الخبر، فقد أظهر الفيديو عدد من الخراف التي نفقت جراء ارتفاع درجات الحرارة في تلك الحظائر المكشوفة التي لا تتوفر فيها أدنى مقومات الرعاية التي من شأنها المحافظة على لياقة الأغنام حتى تصل إلى ميناء جدة أو أي وجهة أخرى. والمكان عبارة عن قطعة أرض جرداء لا ظل فيها ولا أشجار، ولا شيء يوفر أدني رعاية بيطرية لهذا المخلوق الضعيف، الذي نحسبه أحد أهم مصادر دخلنا القومي. ومع هذا نجأر بمر الشكوى عندما تعيد السلطات السعودية باخرة محملة بالأغنام السودانية من ميناء جدة؛ بسبب تدني المناعة.

وقد حق للسعودية أن تحمي أسواقها من دخول منتج لا يتطابق مع مواصفاتها ومعاييرها. ولا ينبغي أن نلوم ملاك البواخر وطواقمهما ونتهمهم بالإهمال وربما التآمر، بل يجب علينا أن ننظر إلى “عوجة رقبتنا” أولاً ونحسن من طريقة تعاملنا مع هذا الصادر، الذي يمكن أن يكون منافساً في كافة أسواق العالم، إذا تعاملنا معه بطريقة علمية سليمة ووفرنا له الرعاية اللازمة بيطرياً، وقدمنا له الغذاء واستخدمنا مواعين نقل تلتزم بما يعمل به دولياً لتصدير الماشية وخاصة الأغنام. ولماذا لا تعيد السلطات السعودية البواخر القادمة من الصومال أو حتى من أستراليا التي هي على الطرف الآخر من الكرة الأرضية بحجة تدني المناعة! هنالك خلل واضح في طريقة إعداد الأغنام السودانية للصادر، وإذا لم نلتزم بالمعايير الواجبة التطبيق في هذا الصدد، يجب علينا ألا نلوم إلا أنفسنا.

من المفترض معالجة هذه المظاهر السالبة من عدة جوانب؛ أولها أن اختيار الصادر يجب أن يخضع لمعايير تشرف عليها جهات رسمية وشعبية بحيث لا تدخل فيها التأثيرات الشخصية، ولا تترك فقط للتاجر أو المصدر، بل ينبغي أن يتولى الإشراف على ذلك نخبة من البياطرة المطلعين على أنظمة ومعايير الوارد، في الجهة المعنية أو المستوردة، بحيث يكون هنالك حرص تام على مطابقة منتجنا لتلك المواصفات؛ تفادياً للخسائر المتكررة التي مني بها المصدر السوداني، في الآونة الأخيرة، والسمعة السيئة التي لحقت بصادر الأغنام السودانية؛ خاصة للملكة العربية السعودية، أكبر مستورد لهذه الأغنام سواء للاستهلاك العام أو موسم الحج كهدي وأضاحي.

لماذا لا تكون هنالك غرفة أو هيئة مشتركة بين وزارة الثروة الحيوانية ووزارة التجارة وهيئة الموانئ البحرية وشعبة مصدري الماشية تتولى التنسيق في هذا الصدد بحيث تضمن سلامة المنتج من أي عيب، وتضع الأنظمة المناسبة لهذا النشاط، وتوفر مواعين نقل مهيأة بشكل لائق، بحيث لا يتضرر أي طرف، سواء أكان المنتج أو التاجر أو الخزينة العامة، مثلما تفعل كل الدول التي تتعامل في هذا النشاط الحيوي والضروري، باعتبار أن السودان من أكبر الدول التي تملك قطعان من الماشية بكل أنواعها؛ إذ يتجاوز القطيع القومي ما يزيد عن مائة وعشرين مليون رأس.

هنالك قصور من جانب الجهات المسؤولة عن صادر الأغنام في السودان، فالتاجر لم يستوعب مستجدات السوق العالمية، ولم يواكب التطورات المتسارعة في هذا الشأن، ولا يزال يتعامل بعفوية تامة. والدولة لا يهمها إلا جباية الرسوم المتحصلة من الصادر دون تقديم أي خدمات هي من صميم مسؤوليتها تجاه المنتج والمصدر من حيث الإعداد والتسويق.

محمد التجاني عمر قش
[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ياقش 30 سنة وجماعتك بصدروا في اناث الغنم والضان والابل حتى التراب ما خليتوه ليه ما سمعنا مواعظك دي؟ أم خلال لجماعتك وحرام على غيرهم؟

  2. هذه الحظائر والتصدير للمواشى كل ذلك لم يبدأ فقط في الأيام الفائتة لماذا لم يتم اكتشاف هذه الأخطاء من زمان ، ايضا المتخصصين في انتاج وتربية الثروة الحيوانية واساتذة الجامعات اللذين يعرفون او يجب عليهم معرفة هذه المعلومات لماذ لم يشيروا الى هذه الأوضاع المزرية ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..