مقالات سياسية

مع الامتحانات صعودا وهبوطا

جعفر عباس

كنت أكره الامتحانات حتى كمدرس يراقب الطلاب الممتحنين، ومن ثم فقلبي على عيالنا الذين يخوضون معمعة امتحان الشهادة الثانوية هذه الأيام، والتي أهاجت شجوني وذكرتني بتجاربي مع الامتحانات: في المدرسة الابتدائية كان ترتيبي في العشرة الأواخر طوال السنوات الأربع، وفشلت في محاولتي الأولى للالتحاق بالمدرسة الوسطى بعد ان حصلت على مجموع لا يؤهلني حتى لدخول مدرسة المشاغبين.

طوال المرحلة الابتدائية كنت اذهب الى المدرسة حاملا فطوري في جيبي: تمر مقرمش، واحيانا كانوا يعطونني قرشا يكفي لشراء 4 لقيمات، فاتفق مع البائعة: أشيل واحدة واجري ثم اعود واشيل أخرى وهكذا، لأني لو حملت الأربعة معي سأتعرض ل”الشحتة” التي كانت متفشية وبائيا، واحيانا كان هناك من يحاول ان يخطف منك قطعة لقيمات فتبصق عليها “تف” لتطفشه، فتكون المصيبة ان ذلك الحاقد أيضا يتف عليها وتروح عليكم انتم الاثنين (لم يكن اهلي في بدين قد عرفوا الطعمية في ذلك الأوان، وحكى لي المطرب الراحل محمد وردي عن قريب له مر بالقرب من حديقة الحيوان ورأى الزرافة تمد عنقها فصاح: يا لتيف إني تاميي بنجنني- يا لطيف هي دي الطعمية ال بيقولو عليها)

بعد دخولي المدرسة المتوسطة لم أفارق العشرة الأوائل رغم بؤس أدائي في الرياضيات، فلأنني كنت وما زلت أتمتع بمناعة ضد الأرقام، فقد كنت اجتهد في المواد الأخرى وأحصل على تقديرات عالية فيها، ومثل معظم أقراني كنا نجتهد بالتحفيز الذاتي لأن أهلنا كانوا من بني “أميَّة” أي أميين مع سبق الإصرار والترصد

ومنذ المرحلة الثانوية كنت استعد للامتحانات النهائية قبل موعدها بنحو شهرين، واحدد يومين لكل مادة، ومع نشر جدول الامتحانات أكون قد راجعت كل مادة ثلاث مرات على الأقل، وكنت بذلك اتفادى السهر خلال فترة الامتحانات، وكانت طريقتي المفضلة لاختبار مدى استيعابي لأي مادة هي ان أقوم بشرحها لأي زميل يطلب العون أو لا يطلبه، وخلال المرحلة الجامعية كنت اذهب الى السينما في عز الامتحانات كي ابتعد عن اجوائها المتوترة في السكن الداخلي، ثم أنام مبكرا، ولكن أهم سلاح استخدمته للنجاح الاكاديمي كان عدم الخوف من الامتحان، وحتى وأنا أدرك ان ورقة مادة ما قد تكون صعبة لأنني لم استوعب أجزاء منها، فقد كنت أقول لنفسي: عملت ال عليك والمقدور كان وقع ما ينفع الجقليب واتجاوز مثل تلك الورقة بكرامة البليلة (أي بنسبة نجاح متدنية)

كان لي صديق مجتهد ونابه، ولكن ما ان يقف امام قاعة الامتحان إلا واستفرغ وجسمه كله يهتز خوفا، ومع هذا كان ينجح عن جدارة في كل سنة، وفي السنة النهائية كنا بصدد دخول قاعة الامتحان في مادة حاسمة، وأوقفني صاحبي قائلا: مؤكد اني سأرسب السنة دي لأني ما استفرغت، وأعلن انه لن يجلس لتلك المادة، فطلبت منه الجلوس تحت شجرة ودخلت قاعة الامتحانات الضخمة في جامعة الخرطوم حيث يتدافع طلاب من مختلف الكليات والمستويات للجلوس للامتحانات في نفس التوقيت في أجزاء مختلفة من القاعة، وقلبت الورقة التي كان مقررا ان يجلس اليها صاحبي وقرات محتوياتها بسرعة وخرجت من القاعة دون ان يلحظ ذلك احد وذهبت الى صاحبي وقلت له: السؤال الاجباري كذا والأسئلة الاختيارية فيها كذا وكذا، فصاح مش معقول ثم استفرغ ودخل الامتحان ونجح وتخرج (ولم يشكرني حتى اليوم)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..