مقالات سياسية

الوجه الأجمل لكوارث الخريف!!

نور الدين بريمة

*دنيا دبنقا- الوجه الأجمل لكوارث الخريف (١)*

يعيش الإنسان ما بين حُبورٍ حينًا، وحُزنٍ حينًا أيضًا، أو ربما بين إنشراحٍ وأنينْ، وبالتأكيد فما بعد الضيق إلا الفرج، لأنهما متلازمتين متضادّتين لا تغْفُو إحداهما دون صحْوِ الأخري، علمًا بأن الإنسان قد خُلُق في كبَد، مثلما خُلق هلُوعًا إذا مسّه الشرّ جَزُوعًا، وإذا مسّه الخير مَنُوعًا، بيْد أنه دومًا ما يسعي إلي إيقاف حُزنه، وجَزعه، وأنينِه، وتسيير عجلة حياته، نحو مُبتغاها، وتنفيذ أحلامه وتطلعاته، مُتمعنًا بالنظر إلي الأمل والأمس، ذات الشمعات البيضاء، مضيئًا حُزنه، وصانعًا حُبوره وجماله.

ورغمًا عمّا يعيشه إنسان بلادي، من آلام وآهات مريرة، جرّاء السيول والفيضانات، إلا أنه يتنفس حبًّا وتمنّي، وإنشراحًا من جديد، بعد أن شهد فقدًا عظيمًا للأرواح والأنفس، ثم عاش دمارًا وخرابًا في الممتلكات، وفقد فيها شقي العمر، بسبب تلك الجوارح المائية، التي لم نشهدها من قبل، ولم نسمع عنها منذ أمدٍ ربما لا يقل عن السبعين عامًا.

حيث إجتاحت تلك الكوارث مُعظم ولايات السودان، ولم تسلم أفئدتها من البُكاء والأنين، حماها الله وحمي كل الرُبوع الإنسانية، وجعل الخير في إبتلاءاتها، ولكن ما نلفت له النظر، أنه وعلي الرغم من فقدنا للغالي والنفيس (أرضًا كان أو مأويً)، أو مثلما فقدنا الزرع والضرع، والخير الوفير، لكنّا في المقابل كسبنا إنسانية القريبين والبعيدين، والجيران والأصدقاء، الذين آزرونا في مُصابنا، بيْد أننا أعدْنا كذلك قيمًا إرتدت، إلي الوراء كرّات وكرّات، بل إنتكست لأكثر من ثلاثين عامًا ونيف، تخلينا فيها عن التحابب والتآلف والتوادد والتآزر، كما تخلينا عن دائرتنا الإنسانية، اللّامة والجامعة لنا جميعًا، وواجهنا فيها ما واجهنا من ضعفٍ وركونٍ وهوانٍ.

لذلك فإن الوجه الأجمل لهذه الطامّات، التي ألمّت بوطننا، هي قيمٌ تضامن فيها الناس، وإتحدّوا، وإتفقوا، علي الخير والصلاح، حيث بدؤوا يتحسسون قيمهم، ويلوحون بها في أفق، العمل والبناء والتعمير، ومعاونة الأقوياء للضعفاء، والأغنياء والميْسورين للفقراء، تعاونًا بالمال والروح والجسد، عززوا فيه تضامنهم مع الأنفس أولًا، ثم تكافلهم مع الضعفاء وحُراس الفضيلة والقيم الإنسانية.

فتراث المجتمعات الإنسانية، والسودانية خاصة، الدينية منها، والثقافية والأخلاقية، غنيٌة بهذه الفضائل، لأنها عمدت علي تفريج الهموم، ومحْوِ آثار الكُروب، وتحقيق الغايات للأفراد أو الجماعات، يحسون فيها جميعهم بالسلم والأمان، وتحفهم معاني التكافل والتضامن والتآزر، لأنها مفاهيم لها تجلياتها، المتمظهرة أدبًا وخُلُقًا وثقافة، حيث إن الوقوف إلي جنب الجار، أو رعاية اليتيم، أو المشاركة في المَكْرهِ والمنْشط، أو الصدّ للشرور، والكوارث، والحروب، وغيرها من نوائب الدّهور، دون عصبيّةٍ قبليّةٍ، أو عشائريّةٍ، أو جهويّةٍ أو مصلحةٍ ذاتية، تعزز من تلك الثقافة، وتسهم في البناء.

وبالطبع كلها صورٌ جمالية، تعبّر عن الفضائل، فضلًا عن مناصرة المستضعفين، وإبداء التعاطف الإنساني المُفعم بالمحبّة، عندما يشعر أصحاب الكُرب أو من حلت بهم النوازل، بالعجز، وعدم القدرة علي المواجهة، أو فعل أي شيئ حيالها، هذا بجانب المشاركة في الأنشطة الجماعية، ذات الجهد البدني والمادي والفكري، وإغاثة الملهوفين والمحتاجين، ودعم القضايا الإنسانية أيًّا كانت، حقوقًا للمرأة أو الطفل، أو غيرها، والعمل علي إرشاد الناس إلي أسباب: الخلاص، والنجاة، والسعادة، وتعزيز أواصر التكافل الإجتماعي، والتلاحم بين كافة تبايناته، أفرادًا كانوا أو جماعات أو مؤسسات، وتطويرها، وزيادة وعيها وإدراكها للقيم الوطنية، لذلك حقًا نقول: إننا كسبنا وجهًا آخر من النُضرة والجمال، سنظل نحفره في أعماق النفوس، ليتنسم عبيره، ويتفيأ ظلاله، النشئ والجيل القادم، رغمًا عمّا ألمّ به من أنين.

نور الدين بريمة

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..