أخبار مختارة

تقدير موقف .. “الإنقلاب على الحكومة مغامرة انتحارية بإمتياز”

 الحاج ورّاق

مسارب الضي

يطلق العسكريون على التحليل مصطلح (تقدير موقف).. ولأن هذا التحليل السياسي يستهدفهم بالأساس فقد استعرت مصطلحهم.

. ربما ينظر كثير من العسكريين إلى الأوضاع القائمة حالياً باعتبارها فاتحة شهية للانقلاب . فالاقتصاد يولول. ومع الكورونا، وما أعقبها ورافقها من سيول وفيضانات، اتسع الفتق على الرتق، وبدأ الكيل يفيض لدى كثير من السودانيين، كما بدأ يتآكل الرصيد السياسي للحكومة المدنية ولقوى الحرية والتغيير، خصوصاً وأنّ أداءهما كلاهما تشوبه الكثير من السلبيات التي لا يمكن الدفاع عنها.

ثم إن القوى المدنية والحزبية الديمقراطية ليست في أفضل حالاتها، حيث تعصف بها الخلافات الموضوعية وغير الموضوعية، إضافةً للخلافات المصنوعة خصيصاً بغرض التشهير بالأحزاب السياسية والمدنيين ولأجل التعبئة للانقلاب.
. ولكن رغم كل ما سبق أفضل للذين يفكرون في مغامرة انقلابية أنْ يرجعوا البصر كرتين، لأن أي تحليل موضوعي ودقيق يفضى للاستنتاج بفشل أي مغامرة انقلابية.

. أولاً هناك شارع ثوري رغم كل خلافاته يرفض الحكم العسكري بقوة… ولن تنطلي على هذا الشارع أيّة دعاية عن فشل الحكم المدني، فهناك وعيٌ سياسي كافٍ لدى هذا الشارع للتفريق بين فشل أي مدني من المدنيين الحالييّن في السلطة وبين فشل الحكم المدني .. ويفهم الواعون سياسياً أيضاً أن ما نعانيه حالياً لا يمكن رده ببساطة إلى فشل حكومة حمدوك أو (ق ح ت)، حيث إنّه بالأساس الحصاد المر لسيطرة النظم العسكرية على البلاد حوالي ثلثي سنين ما بعد استقلالها.
ورفض الحكم العسكري ليس قدحاً في العسكريين ولا تهويناً من أهمية وجود مؤسسات عسكرية مقتدرة، ولكن النظم العسكرية تضر أول ما تضر بالمؤسسات العسكرية نفسها، فهي تخشاها كما تخشى الشعب، ولذا فإن الانقلابيين، كما تؤكد تجربة السودان نفسها، يضرون بالمؤسسة العسكرية، إضافةً إلى إضرارهم بالبلاد، وليس مصادفة أن أقوى جيوش العالم حالياً ليس جيش نظام عسكري وإنما جيش دولة ديمقراطية، ولذا فالعسكريون الحريصون على مهنتهم العسكرية يجدر بهم أن يكونوا الأكثر رفضاً للنظم العسكرية. إضافة إلى أنّ النظم العسكرية وبطبيعتها تحافظ على سلطتها بتركيز الموارد في الصرف على الأمن والرشاوي السياسية خصماً على التنمية والخدمات.

إذن فهناك وعي سياسي، ومهما اختلطت السبل على بعض عناصر من النخبة، إلّا أنّ الشارع الثوري سيظل قائماً، مشكلاً ما يسمى بالكتلة النوعية الحرجة، وسيخرج قطعاً لمقاومة أي مغامرة انقلابية، ولايمكن إخماد هذه المقاومة إلا بانتهاكات واسعة وجسيمة، مما سيؤدي إلى إحكام عزلة الانقلابيين الدولية، هذا في حال نجاح مغامرتهم بالأساس.

. ثانياً، ما من حيلة من الحيل يتوقع أن تغير موقف المجتمع الدولي – الغرب تحديداً – من انقلاب في البلاد.
قطعاً تفضل الولايات المتحدة – قاطرة الغرب – تطبيعاً سودانياً مع إسرائيل، ولكنها لعدة أسباب، من بينها، ضغط الرأي العام الأمريكي نفسه، لا يمكن أن تقايض التطبيع بالانقلاب، وسبق دعت أهم حلفائها وحلفاء إسرائيل في الشرق الأوسط – حسني مبارك – للرحيل حين انكشف الغطاء الشعبي عنه.

ولم يوفر الغرب أي فرصة للاستنتاج حول موقفه، فقد ظل يكرر في بياناته المتتالية دعمه الذي لا لبس فيه للحكومة المدنية والتحول الديمقراطي. وحتى بعد لقاء برهان نتنياهو كررت الولايات المتحدة بجلاء موقفها الداعم لانتقال ديمقراطي يقوده المدنيون.

وعلى عكس ما يتصور الداعون لـ (تفويض) الجيش، فإن تأخر الغرب في تقديم الدعم المتوخى للبلاد لا يمكن رده، كما تؤكد الشواهد، لضعف الالتزام بدعم الحكومة المدنية، وإنما لاسباب أخرى، من بينها، ما يراه الغرب من تمدد الأجهزة العسكرية الأمنية في الفضاء المدني، اقتصادياً وسياسياً، مما أدى لخشية مبررة بأن الدعم حالياً ربما يعزز اتجاه العسكرة بدلاً عن الانتقال الديمقراطي.

والقضية هنا لا تتعلق بمحاججة نظرية حول مبادئ الغرب، ولا عن مدى التزامه بدعم الديمقراطية في هذا البلد أو ذاك من دول المنطقة، القضية تتعلق بتحليل الواقع العياني، فالغرب وتقديراً لمصالحه ذاتها يؤكد وبقوة دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، وهنا الدوافع ليست مهمه، إنّما على كل مغامر أنْ يحسب حسابات النتائج المترتبة. وبالتالي فإن السؤال المركزي: هل تُرى يستطيع الانقلاب (التوهط) في السلطة وهو يواجه عقوبات غربية، خصوصاً في بلد كبلادنا يعاني نقصاً في القمح والنفط، دع عنك رؤوس الأموال والتكنولوجيا؟! سبق وجربت الإنقاذ ذلك فانتهت بعد طول متاهة وبعد فوات الأوان مطأطأة الرأس وذيلها بين رجليها. ثم كان أحد أسباب انهيار قواعد بنيانها عداءها للغرب وما ترتب عنه من عزلة وعقوبات.

وقد يتهيأ للبعض أن دولاً إقليمية حليفة ربما تعدل موقف الغرب في هذا الشأن، ولكن ذلك أيضاً سبق واختبر عملياً أواخر عهد عمر البشير، وبعد فض الاعتصام إبان سيطرة المجلس العسكري، ومعروف أن من يجرب الخطأ المجرب لا يحصد سوى الريح.

. ومما يجعل من أي مغامرة انقلابية عملاً انتحارياً بامتياز، ما يجري من فترة داخل الأجهزة العسكرية الأمنية نفسها، فأقله هناك تنافس واضح بين الجيش والدعم السريع وجهاز الأمن، إضافةً إلى التناقض داخل جميع هذه الأجهزة ما بين الحزبيين الإسلامويين وبين العسكريين المستقلين، فإذا توحدت الإرادات في بداية المغامرة الانقلابية إلّا أنه وبديناميات السلطة العسكرية نفسها التي لا تقبل سوى الاستفراد والهرمية فالمؤكد أن يندلع لاحقاً نزاع ضار حول السيطرة، غالباً مما يؤدي إلى إقتتال الأجهزة العسكرية فيما بينها، وربما إلى انهيار السلطة المركزية. ومن هذه الزاوية فإن الانقلاب القادم في حال حدوثه لن يكون انقلاباً على الحكومة المدنية والتحول الديمقراطي وحسب، وإنما كذلك انقلاب على استقرار البلاد وأمنها ووحدتها.

وغداً أواصل بإذنه تعالى

✍🏾 الحاج ورّاق
الديمقراطي

‫4 تعليقات

  1. والله يا استاذ انتم من الخبرات المحترمة التي يحتاجها السودان فعلا لأنكم تجاوزتم بتلك لاخبرة الاطر الحزبية الضيقة الى الافاق الوطنية الرحيبة.
    في تقديري أن الموضوع اليوم ليس موضوع عسكر او انقلاب، اذا كان العسكر يستطيعون تغيير اي شئ صدقني الشعب كله سيؤيدهم بعد ما رأينا من ويلات متصاعدة ومن ضعف رؤى وتضارب مصالح واعادة انتاج للواقع القديم بحذافيره مما أدى الى ما هو أخطر، فقد امتلأت السماء بالصقور الخارجية التي تتحين وفاة الفريسة لتلتهمها، ولا تستثني اي جار من دول الجوار!! هذا منطق الطبيعة خسارة هنا تعني كسب هناك!
    وحتى العسكريون لا يغامروا في عمل انقلاب الا في اطار نزاع سياسي كالذي قائم لدينا اليوم بين الاسلاميين واليساريين ولغة الكراهية الفظيعة والشنيعة القائمة بينهم التي يغذيها السياسيون دون أن يتأملوا نتائجها، وهذا ايضا انذار خطير جدا، فالعسكري الذي يأتي في ظل هكذا ظروف غلابا يكون من العقائديين فلا يبالي بالمستقبل وانما يهمه كسر معادلة الحاضر,
    يحدث هذا بيننا الان رغم أن البلد تسع الجميع والقانون يجب أن يكون هو الحاكم ولبيس هؤلاء ولا هؤلاء
    نحن يأستاذنا نقلق أكثر ونخشى أن نكون فعلا قد انتقلنا للدولة الفاشلة وبعدئذ الحديث عن عسكريين أو مدنيين أو جنس ثالث بينهما تحصيل حاصل، فشكل الدولة الفاشلة قد اكتمل تماما ويبدو وللأسف الشديد أن قطاع الصحة قد انهار، قطار التعليم يتوقف وتحركه يمثل خطرا كبيرا على الاستقرار السياسي، ماكينة الاقتصاد تتوقف وكثير من الناس بدأوا يفضلون الجلوس بالبيت بدل الذهاب للشغل بسبب أن تكلفة المواصلات اعلى من الراتب..
    نحن لا يجب أن نفكر الان في من سيحكم بل في كيف سننجو، وأن يتم تحديد المخرج بمشاركة كاملة فيها العسكر والكيزان والمدنيين والحركات المسلحة و و و و.. اتفاق على الحد الادنى…
    أما العقلية القديمة التي اوصلت البلاد لهذا المنعطف اذا استمرت أخشى لا يكون هناك وطن، فمثلا ايام العهد البائد تجد جماعة قمر حسين واقفين على أبواب الدول والمنظمات لادراج السودان في قوائم الارهاب والعقوبات والفصل السابع ووووو، واليوم جاء قمر حسين للخارجية وبحكم المؤكد اصبح الكيزان رصيدا مهما جدا جدا جدا لصقور الجو التي تحلق في السماء في انتظار موت البلاد… كان المعارضون يشمتون غاية الشماتة حين يرتفع الدولار، واليوم كل واحد اخذ موقع الاخر واصبح الكيزان هم الشامتون من أجل رد الصاع صاعين..
    بلغة اخرى البلد مركب فيها ماكينات للفشل واذا ما لم بجلس الجميع لاستخراج تلك الماكينات فلن نتقدم للأمام..
    ويا للاسف فسياسيونا ناشطون، يفكرون بعقليات الطلبة في اركان النقاش وعقليات مساطب الهلال والمريخ!!

  2. وراق من اميز الكتاب وخاصة ما يتعلق بالتحليل الموضوعي وسداد الرؤيا. نرجو ان تواظب الراكبة علي نشر مقالاته بما يرفع الوعي العام

  3. والله يأخ عباس تحليلك منطقي جدا، مشكلة البلد هي تناطح دامي بين حكومات ومعارضات، مناطحات استئصالية بمعنى الكلمة، يعني الكوز ما يهمو يحرق البلد كلها عشان ينتقم من خصومه، وفعلا هؤلاء الخصوم ما كان هماهم احتراق البلد أيام كانوا في المعارضة، وفعلا ساهموا في احراقها وتحالفوا مع اعدائها واعطيك مثال:
    مبارك الفاضل الذي ظهر في السي ان ان وحرض الامريكان على ضرب مصنع الشفا مصنع الادوية الأكبر على مستوى أفريقيا والذي يغطي احتياجات كل المنطقة من الادوية هذا المبارك جاء الان وهو يرى الناس تموت حوله من نقص الادوية ومن فاتورة استيرادها، ولم يرجع للسي ان ان ويقول لهم معليش رجعوا لينا المصنع لاني اكتشفت أن الأنظمة زائلة ومصالح البلد هي الثابتة!
    وزي ما قلت قمر حسين الذي كان يتفاخر بأنه ادخل السودان في قائمة الإرهاب والفصل السابع جالس الان وزيرا للخارجية وكأنه ما عمل شي، ومنذ ان استلم منصبه حتى اليوم لم يذهب امام الكونغرس ولو مرة واحدة ليرفع لافتاته التقليدية عشان خلاص بعد دا يزيلوا السودان من القائمة.
    وحتى مؤتمر القضايا المصيرية للمعارضة بكل مكوناتها في أسمرا لمن بتذكرون، من أجل معاداة النظام البائد وكسب جون قرنق لصفه وافق على تقرير مصير الجنوب، وكانت هذه خطوة غاية في الأهمية لفصل الجنوب، فانفصل الجنوب وعاد رجال التجمع بعد 30 عاما من حكم الإنقاذ الكالح ولم يعقدوا مؤتمر قضايا مصيرية اخر يطلبوا فيه استعادة الجنوب لأن الغرض من فصل الجنوب قد انتهى.
    السودانيون يكرروا تجاربهم الفاشلة والمدمرة بطريقة يحسدون عليها وهم في نفس الوقت يبكون على حال الوطن؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..