وذلك إمّا بسبب سوء التخطيط أو لغياب الإدارة الواعية، أو لتعنّتْ وإصرار الناس و(ركوب الرأس)، بأنه لا سكن لهم إلا محازاة النيل والوديان والخيران، والعيش بجوارها، أو في مجاريها، أو مستنقعاتها، أو مراقدها.
وكلها بالطبع أسباب كافية، تدفع مياه النيل والوديان والخيران، إلي الفيضان والسيل، وإحداث الخراب، تعبيرًا عن حرية الحياة، وتمرّدًا منها لإستعادة الأرض، والعودة إلي حنين الماضي، ممّا دفعت الناس- وستظل- تدفعهم للمزيد من المساوئ.
شاهدنا في تلك المصائب والمساوئ كذلك، فقدًا عظيمًا للأرواح والمفالح، ثم عايشنا دمارًا وخرابًا للممتلكات، وفقد فيها كثيرون- من بني وطني- شقي العمر.
ذاع صيت تلك الأخبار، القاصي والداني، وسمعت خرير مياهها القري والفرقان والحواضر، فهزت ضمائرهم الإنسانية، فجاؤوها من كل فجّ عميق، ولم تغمض أعينهم- وهم يتكؤون مستذكرين- أنين الأطفال، ونحيب النساء، وبكاء الرجال.
وهو ما لم تشهده البلاد منذ أمدٍ بعيد- أي ربما- ظلت الكثير من المناطق، هادئة مستقرة بعض الشيئ، لما لا يقل عن السبعين عامًا، تعيش أمنًا وسلامًا، يأتيها رغد العيش من رب العالمين.
إلّا أنه ورغمًا، عمّا لحق بهم المضارّ، ما زالوا يتنفسون حُبًّا وتمنّي، وإنشراحًا من جديد، ويعملون علي إستدراك ما حل بهم، والسعي إلي إعادة الحياة إلي ما هي عليه.
غير أنه بات من المهم جدّا، أن ندرك تمامًا، أنّه من الضرورة، أن نعمل جميعًا علي الإيقاف والحدّ من الأضرار، بالشكل الذي يُحقق الأمن والأمان، وألّا نرهن مثل هكذا قضايا، علي الإيمان بالقضاء والقدر، دون تعزيزه بعدم إلقاء الأنفس إلي التهلكة، وهو ما نتلوه قرآنًا كل صباح مساء.
لذا ينبغي أن نجعل من تلك القيم سُلوكًا نترجله ونمشيه، ولابد من تجاوز مرحلة السكن والبقاء عند المحطة القديمة- أي المساكن- القريبة من النيل أو مجاريها أو روافدها، أو مراقد المياه، أو مجاري الوديان، أو الخيران، بحجة أنها تشكل إرثًا تاريخيًا، وموطنًا للآباء والأجداد، يصعب التخلي عنها، يُعدُّ ضربًا من لوازب الوهم، الذي لن يزيدنا إلا الخسارة والخراب.
لذلك نقول: من واجب الحكومة، توفير الخدمات الضرورية لمواطنيها، والعيش الكريم، والتخطيط الآمن للمساكن، والأكثر إرتفاعًا وبُعدًا عن مجاري النيل والوديان.
وعلي المواطنين، تجاوز محطاتهم، بأحد أمرين: إمّا برغبتهم وإرادتهم، أو بسُلطان الدولة، التي من هيبتها إعمال وتفعيل القوانين واللوائح، الخاصّة بالرحيل إلي المواقع الأكثر سلامًا، والأوفر خدمة لهم، لتمكينهم من إيقاف المآسي التي يشهدونها، حتي لا نجدهم مرة أخري، يتسمرون في محطة، الذكريات والتباكي علي الأطلال، وإعداد مآثر الماضي.
نور الدين بريمة