مقالات سياسية

المدنية .. الحرب بين دولتين (2)

مديحة عبدالله

خارج السياق
حرب الدولار المستعرة الآن، جزء من صراع عميق يدور بين دولة الكيزان والسوق الخفي وبين دولة المواطنة التي نتطلع لتأسيسها حيث سيادة حكم القانون، والمؤسسية، والشفافية، والانحياز لمصالح الأغلبية، الأمر أكبر من مجرد تصاعد في أسعار الدولار الذي يخضع للعبة المضاربات المتحكمة في الاقتصاد، لا بد من وضع الأزمة في سياقها السياسي الصحيح فلقد تأسست الشراكة في الفترة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري، وبمقتضيات الواقع، فإن العسكري يشغل مواقع نفوذ اقتصادي وأمني واستخباراتي وعلاقات إقليمية وطيدة، ويتضح كل يوم أن هذا المكون يريد أن يحافظ على ما أستولى عليه دون أن يقدم تنازل لصالح استقرار الشراكة، بينما ظل يبيع الكلام حول حرصه على تأسيس الديمقراطية في البلاد.
ومرد ذلك يرجع لخطأ يصاحب العملية السياسية في السودان، وهو ترديد الشعارات البراقة وتفادي طرح القضايا كما هي دون تردد، بدليل أن الوثيقة الدستورية التي تمثل مرجعية للفترة الانتقالية يتم خرقها يومياً، ليس لأن من يقومون بذلك لا أخلاق لهم، وإنما لأنها تضيق عن طموحهم في احكام القبضة على السلطة، بالذات في ملف السلام وتأثيره العميق على الوثيقة الدستورية وهيكلة الفترة الانتقالية، وكان من الأفضل في وقتها التوقف للمراجعة والتقييم من قبل القوى المدنية (بتياراتها ومصالحها المتباينة) وإدارة نقاش صريح مع المكون العسكري وطرح الأسئلة في مواجهته، عوضاً عن الاتهامات التي لم تزد سوى تعميق الجفوة بين الطرفين، ولأن رئيس الوزراء يعلم أن تبعات ذلك تقع على إدارته التنفيذية (التي تكاد لا تملك من أدوات السلطة النظامية شيء) فلقد سعى دائماً لتفادي الشقاق بين مكونات السلطة..
ولأن الوضع يقتضي الصراحة الكاملة، فإن القوى المدنية لا تمثل اللون الأبيض مقابل الأسود في تشكيلة الفترة الانتقالية فالمصالح والعلاقات متشابكة، بين القوى المدنية والعسكرية، ومن الأفضل أن يتم حوار صريح وشفاف، لمخاطبة المصالح والأهداف السياسية والمقاصد الاجتماعية، لا سيما وأن هناك لاعبين جدد سيدخلون حلبة الصراع عقب التوقيع النهائي لاتفاقيات السلام، التي ستقلب (كيان وهياكل) الفترة الانتقالية رأسا على عقب.
وعلى ذلك فالسودان ليس رقعة جغرافية خاوية ليعيد تشكيلها العسكر أو القوى المدنية لوحدهما، حتى وهما يمسكان بقيادة المرحلة الانتقالية، فشعب السودان يملك القدرة على تقييم الأوضاع وإعادة تشكيلها بما يصب في مصلحته..
مديحة عبدالله
الميدان 3697،، الثلاثاء 15 سبتمبر 2020م.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..