
هل اقتربت ثورة الخبر؟
تواجه حكومة السيد عبد الله حمدوك نفس المشاكل التي تسببت في اشتعال الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر الميلادي بسبب الهبوط الحاد للقيمة الشرائية للجنيه السوداني والارتفاع الصاروخي لسعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السوداني بعد أن كان لا يساوي سوى ربع جنيه في عهد الديموقراطية الأولى والثانية الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار السلع الاسترتيجية إلى درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان المعاصر حيث كان الجنيه السوداني يعادل أكثر من ثلاثة دولار وقد يتخطي هذا السقف أحياناً ليرتفع سعره إلى أربعة دولارات. ولكن بسبب هذه الأزمة الاقتصادية الحادة أصبحت الحكومة عاجزة عن توفير العملات الصعبة لاستيراد السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن في حياته اليومية خاصةً خبز الحياة..فإذا فشلت الحكومة في توفير رغيف الخبز للمواطنين.. فإنها غير شك ستفشل في توفير السلع الاستراتيجية الأخرى..فخبز الحياة هو ما يهم المواطن في هذه المرحلة الحساسة وليس “الجاتو” أو الباسطا..فعلى الحكومة أن تدرك تماماً مدى أهمية توفير هذه السلع لجميع المواطنين قبل أن يفلت زمام الأمور من يدها وتفقد السيطرة على الجماهير الثائرة ولات ساعة مندم.. وقد صدق الإمام على كرم الله وجه عندما قال: “عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه”؟..فإذا كانت السيدة وزيرة المالية المكلفة نفسها تعاني من صعوبات مالية لأن مرتبها لا يغطي منصرفاتها الشخصية – دون الروج – فمن الأجدر بحكومتنا الرشيدة إعادة النظر في زيادة مرتبات طبقة البروتاريا والعاملين في القطاع العام والخاص قبل أن يخرجوا شاهرين سيوفهم..فنصيحتي لوزير التجارة أن يبذل كلما في وسعه لتوفير القمح لمطاحن الدقيق قبل فوات الأوان..وقبل أن تدوي صافرة الإنذار معلنةً ثورة الجياع ولكن هذه المرة ليست ضد الكيزان الذين أصبحوا في خبر كان بل ضد حكومة الثورة التي منحها الشعب ثقته الكاملة وفوضها لتحكم باسمه في عهد الديموقراطية الرابعة.
ولكن مع الأسف الشديد كل ما ورد في تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة مبررات غير منطقية لانهيار الوضع الاقتصادي والارتفاع الصاروخي للأسعار..فالحكومة المكلفة تمتلك كافة الصلاحيات القانونية لتحسين الوضع الاقتصادي إذا أحسنت التصرف واستغلت الصلاحيات الممنوحة لها بالطرق المثالية.. فالشعب أوعى من أن يخدع بمبررات غير مقنعة إطلاقاً. من منا لا يعلم حجم الدمار الشامل الذي تعرض له الاقتصاد السوداني اثناء حكم الإنقاذ الدموي..حتى رجل الشارع يعلم تماماً أن الكيزان تركوا خزينة الدولة فارغة تماماً من العملات الصعبة والعملات المحلية وأيضاً الحكومة تعلم قبل استلام السلطة أن الخزينة فارغة بسبب غسيل أموال البترول في عهد نظام الملالي .. باختصار أقول أن الشعب السوداني لا يطالب الحكومة بعمل المعجزات أو بمحاربة طواحين الهواء.. والثوار الذين فجروا الثورة يدركون تماماً الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه الحكومة التي فوضوها لحكم البلاد والعباد في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة لذلك لا يطالبونها بتحقيق المستحيل في هذه المرحلة سوى توفير خبزالحياة للمواطن، والبندول والديتول، والبنزين والجزولين من أجل تحقيق الأمن الغذائي ونجاح الموسم الزراعي في المشاريع المروية ولاستمرار حركة الحياة اليومية من وإلى مراكز العمل. وهذه المطالب بطبيعة الحال مطالب مشروعة ومقدور عليها في هذه المرحلة حتى إذا كانت الحكومة مشكلة من دراويش شرق النيل..أما المطالب ذات الطباع البزخي مثل منهاتن وناطحات السحاب والمدن الترفيهية التي تشهدها دول البترودولار يمكن تأجيلها حتى إنحسار فيضان النيل وحلول فصل الربيع في آذار القادم. لكن المطالب السالفة الذكر يجب أن تنفذ فوراً على جناح السرعة لأنها في إعتقادي لا تحتاج إلى ذكاء اصطناعي..ولا يساورني أدنى شك في إمكانية تنفيذها بعدة طرق لكن من الواضح أن الفشل في توفير هذه الخدمات يعود إلى اختيار شخص غير مناسب وغير مؤهل لتوفير هذه الخدمات بالطرق الصحيحة!..ولقد أثبتت إحدى النظريات الفلسفية إذا كانت المقدمات صحيحة ستكون النتائج صحيحهً أما إذا كانت المقدمات خاطئة ستكون النتائج خاطئةً أيضاً.. وفي هذا المنعطف أود أن أطمئن جميع أعضاء حكومتنا الرشيدة وعلى رأسهم الدكتور عبد الله حمدوك أن الجماهير المستنيرة ليست لديه مشكلة شخصية مع أي أحد من السادة الوزراء أوالمستشارين الاقتصاديين لكن هذا لا يعني أن نترك لهم الحبل على الغارب دون محاسبة إذا فشلوا في أداء واجباتهم وفي توفير الخدمات الضرورية في هذه المرحلة الحرجة خاصةً الخدمات التي تتعلق بالمعيشة اليومية للمواطن.
وأخيراً ولست آخراً أستطيع أن أقول – بكل صراحة – أن النجاح أو الفشل في هذه المرحلة الانتقالية يعتمد كلياً على الاختيار الصحيح للوزراء منذ البداية..دون تحيزأو مجاملة لطرف دون آخر. ولكن مع ذلك ليس عيباً أن يخطئ الإنسان أو يفشل في تنفيذ المهمة التي أسندت إليه لأننا جميعاً نخطئ في كل يوم وليلية ونفشل آلاف المرات لكن العيب أن نصر على الخطأ وأن نستمر في الفشل دون أن نتخلص من تضخم الأنا وفسح المجال للآخرين..فربما يستطيع شخص آخر أن يحقق النجاح في المهمة التي فشل فيها الآخرون. إذن لماذا لا نعترف بفشلنا وأخطائنا ونفسح المجال للقادرين على تحمل المسئولية وتحقيق النجاح؟
صديق جوليا