(1-2)
* الطبيعي أن النفس المشبعة بالإجرام تجنح للفوضى في الدولة؛ تستكين لها؛ طالما تعمل هذه الفوضى مفعولها بعدم استقرار الحياة (رسمياً وشعبياً) مما يصرف الأبصار والبصائر لمواضع أبعد من مسألة البحث عن (عدالة)! الإستقرار يعني تهيئة مناخ (للشفافية ــ الحساب).. والذين تربّوا في الحضيض الإجرامي يخيفهم هدوء الآفاق؛ عندما تتحول حياة المجتمع من العسر والرعب إلى بعض اليسر والأمان..! الحديث هنا عن الأنفس المتشابهة ذات الصلة بكرسي الحكم في السودان.. وكيف تميل إلى صناعة الأحداث كبيرها وصغيرها؛ بحيث تزحف الأيام بإضطراد يطغى فيه كل حدث خطير على الآخر؛ صرفاً للضمائر عن (أهل السوابق) الجالسين فوق كراسي الحكم.. ففي خيال المأزومين بالفشل وكثرة الموبقات أن الإلهاء مفيد؛ يطمئنهم ويرضي غرورهم..! كأن سيطرة الأحداث المصنوعة منجاة للمتسلط المجرم مما يخشى..! أعني خوفه من عدة إتجاهات؛ في مبتداها الخشية من غضب الجماهير؛ فهي إذا أرادت (الثورة) فعلتها..! زد على ذلك كما تشاء.
* هكذا كان ملمح السيناريو المعلوم في عهد العسكري عمر البشير؛ ولأن النظام الحالي إمتداد لذاك العهد أو في طريقه ليكتمل طوره بذات النهج؛ نتوقع تكرار ما حدث أو الأسوأ منه طالما (التركيبة العسكرية المليشاوية متشابهة) بحسب شواهد الأيام (بدءاً من قتل المتظاهرين وحراس التروس السلميين في مواضع شتى؛ مروراً بالإبادة الجماعية التاريخية أمام القيادة العامة؛ وليس انتهاء بالمجزرة التي قام بها الجنجويد في مدينة الأبيض وقد رأينا فيها متعة القاتل بالسلاح! أو القتل من أجل القتل كهواية جنجويدية).. ثم ليس هنالك شاهد للمقارنة بين العهدين أفضل من التلاعب على العدالة والتباطؤ نحوها وتسفيهها (هذا ما سنفصله لاحقاً رغم أنه لا يفوت على فطنة القاريء)! إن السلطوي المتمرس في الإجرام ينظر إلى العدالة كما لو أنها أوجدت لتكون بعيدة عن كل ما يمس موضعه العفن..!
* السؤال ذو الصلة بما تقدم من سطور وبما سيأتي: هل من يحكموننا الآن (وكلاء للكيزان) أم نسخة أصلية؛ أم هُم ــ فقط ــ على دربهم سائرين؟!
* الإجابة الممكنة: أنهم كل ذلك..!
(2 ــ 2)
* كنا نشتهي ــ بعد سنين القمع والإبادة ــ أن ينعم أهل السودان بنظام غير الذي اعتقلنا بكابوس (30 عاماً)؛ نظام يستطيع أمثالنا الدفاع عنه والاستماتة في سبيله.. نظام يحسسك بأن لديك شيئاً كبيراً تمسي وتصبح على التغني به؛ بل والفخر بأنه مشروعك الوطني المحفز للصدام والتضحية لأجله.. بمعنى أن تكون منتمياً لسلطة حقيقية تمثلك حتى في هفواتها..! لكن ذهبت الأمنيات والآمال سراباً وكُتِب علينا القتال مرة أخرى تجاه الأوباش الجدد وهم يحملون (الجين الكيزاني)..! كل حصيلتنا بعد ثورة ديسمبر الميمونة أننا استبدلنا القتلة بإخوانهم في الرضاعة..! وهذه جناية الرخاص في قوى الحرية والتغيير؛ فهم لا ثوار ولا سياسيين؛ إنما أقرب لأن نسميهم (سماسرة الثورة).. كانوا طلاب سلطة (بجد) لدرجة اللهث ورائها (كما الكلاب الضالة)!
* لأكثر من عشرين عاماً في مجال الصحافة؛ كنت أشعر بالحرج حينما يأتي إلينا قوم من أعزاء البلاد ويطلبون منك مناشدة (عمر البشير) أو نائبه الأول لحل مشكلة معينة؛ فتستعصى المناشدة على القلم.. يفعلون ذلك رجاء وطمعاً في قضاء حوائج مناطقهم المنسية..! كنت أعتبر المناشدة لـ(مجرم محترف) تعني الإعلاء من شأنه؛ فيراود الدواخل شعور بالإذلال.. ثم أمتنع عن المناشدة رغم ضرورتها للناس الطيبين؛ مع جبر خواطرهم بطرق شتى..! كان ذلك في عهد مضى ظللت أدعو فيه باستمرار إلى عدم التأدب مع القتلة حتى بكتابة كلمة (السيد) التي تسبق إسم المسؤول.. فأن تجعل لمجرم هيبة وسيادة كأنك تشاركه غيَّه أو تسانده (بالإذعان والإحترام)! ولأن عسكر الراهن هم أمتداد لسنوات الإبادة الجماعية والحرق والإغتصاب والنهب والإرهاب؛ هاهي الدعوة نجددها لعدم التأدُّب في مخاطبتهم (كأضعف الإيمان)! إلّا إذا كنت ــ بضعفك ــ ترى كبيراً غير الله..! فالوعي الحاد مطلوب للتعامل مع أي كائن بما يلزم..!
* قد يتساءل صاحب خيال: ماذا تريدون وقد سقط صنم تجار الدين؛ وبعثرت الثورة رماده؟!
* الإجابة أقل من البساطة:
1 ــ نريد سلطة لا تمُت بأيّة صلة إلى النظام الذي أسقطته الثورة.
2 ــ نطمح في أن يتطهر السودان من (متعهدي الإجرام) الذين سبقت أياديهم بالتقتيل لأهل دارفور حرقاً وتقطيعاً وتعذيباً؛ وكذا الحال في مناطق جبال النوبة.. وغيرها.
3 ــ نشتاق أن نرى عساكر يطلقون النار في إتجاه الحدود المحتلة؛ وليسوا (رِمَم) مبرمجين برؤية (الأعداء) في أبناء الوطن.
4 ــ نحتاج أن نمحو أسماء القبائل.. إذا أمكن!!!
5 ــ نريد نظاماً يتخذ أول قرار أو قانون يستحيل معه الإفلات من العقاب؛ خصوصاً في جرائم القتل.
* لكن أنظر الآن.. كيف يستدير القتلة بكراسي الحكم..!!
أعوذ بالله
ــــ
المواكب
اقسم بالله يغلي الدم في عروقي وانا اري المجرمين حميدتي وبرهان وغيرهم يجلسون علي كراسي السلطة والكل يهرول نحوهم حتي حملة السلاح الذين كانوا بالأمس يصدعونا بان الجنجويد قد اغتصبوا اخواتهم وحرقوا زرعهم وقتلوا شيخهم وهاهم يتلذذون تحت اقدام المجرم حميدتي
شكرا عثمان شبونة على الضمير الحي، ولكن …
على قدر ما يلهمنا التغني بالغايات النبيلة في ليالي الصيف، على قدر ما تثبطنا المقارنات في صباحات العمل. لماذا لا نضع المدينة الفاضلة جانباً ونحاول رسم الخطوات القليلة القادمة؟ هل كانت الثورة جلسات لطرد الجن من نفوس الخونة، معبدها الشارع وقرآنها الهتاف؟ بالطبع لا! كانت الثورة تدشيناً للرحلة لا احتفالاً بالوصول. إذاً دعنا نترك الطوباويّة وما تستتبعه من إحباط، ولنفكر في خطوة: عديل الثورة على مؤسسات الشعب؛ أوّل درجة على السلم، لم نُحسن رؤيتها أول خروجنا من ظلام القبو، أو رأيناها ولكن لم نحسن إدارتها، هناك حاجة ماسّة للإصلاح الشامل: شرطة، أمن، نيابة، قضاء، خدمة مدنيّة. نحن بحاجة إلى منهجيّة شاملة للتعامل مع هذه المسائل بشكل منهجي، بدلاً من القرارات الترقيعيّة، وليس هذا كل الحل، ولكن كان يجب أن تكون خطواته الأولى، يجب على جسد الدولة –الذي تنخره الأسقام- أن يتداوى ويستقيم قبل أن يباشر العمل.
عن جلد الحكومة: هل رأيت يوماً حمار “كارو” شنقه سوء ترتيب الحمولة وتضاريس الطريق؟ هل نعالجه بالـ”كرباج” أم نهرع لمساعدته؟ نحن –الشارع- سند الحكومة الوحيد، علينا إجادة قراءة الواقع، والعمل على إكسابها المزيد من المساحات.