
كانت روح اليأس هي السائدة قبل سقوط الإنقاذ مما جعل أولئك الواهمين الذين يجهلون عبر التاريخ يصابون بالغرور وينشرون فرقعات ثقافة لحس الكوع ومقولات من يأنس في نفسه القوة فليتقدم لانتزاع السلطة التي أخذوها بالقوة وما شابه ذلك .. وبدا أن الأمر والأمن مستتب .. أما أولئك الشباب الذين ولدوا وتربوا في زمن الإنقاذ فلم يحسب لهم حسابا فكانت النهاية – ويا للسخرية على ايديهم – كأنها أسطورة كعب أخيل عادت للحياة من جديد ..
وما زال الأمل كل الأمل معقود في هؤلاء الشباب إلى الآن في حراسة ثورتهم و التأكد من استمراريتها واعتدال مساراتها .. أما كل هذه القوى المتربصة ما هي إلا نباتات طفيلية سيتم اجتثاثها فتشمر السواعد الفتية تسقي الحرث وينبت الزرع المعافى من الأمراض .. ولعل من أكبر إنجازات الثورة الشبابية انها فتحت نوافذ الحرية وآلاف الأبواب نحو مستقبل واعد ومشرق .. إذن ما على الذين يقودون المسيرة نحو البناء إلا أن يلجوا بخطوات واثقة إلى الأمام عبر تلك النوافذ والأبواب .. وبما أنها ثورة في الوعي فلن تسمح بتسرب اليأس مرة أخرى إلى النفوس .. لا شك أن حجم الدمار الذي أصاب مرافق البلاد كبير ولكن سرعان ما يتداعى أمام ضربات معاول البناء ..
ويحضرني هنا حوار دار بيني وبين احد الامريكان في مدينة ميونخ عاصمة بـڨاريا الألمانية .. كان ذلك حوالي نهاية سبعينيات القرن الماضي .. كنت مبتعثا لدراسة اللغة الألمانية في معهد اللغة في ميونخ وذلك ضمن برنامج دراسة الإخراج والإنتاج التلفزيوني قبل التوجه إلى برلين للدراسة العملية .. ولعل الكثير منا يعرف أن تلفزيون برلين كان الداعم الأكبر في مراحل التأسيس لتلفزيون أمدرمان بالمعدات وتدريب الكوادر وتلك قصة أخرى .. أما الرجل الأمريكي فقد إقترب مني متأملا أنني ممن يتحدثون الإنجليزية .. لقد كان الألمان في ذلك الوقت يحبون لغتهم ولا يميلون كثيرا إلى الحديث بغيرها وقد ساعدني هذا كثيرا في تعلم اللغة بسرعة .. وبادرني الرجل بالسؤال إن كنت أتحدث الانجليزية ورددت بالإيجاب وكنت أجلس وحدى على طاولة في الخارج كما يتم إعداد جلسات المقاهي الصيفية .. فاستأذن في الجلوس معي ورحبت به .. بدأ فورا بالحديث في موضوع يبدو أنه كان مشغولا به كثيرا .. قال جئت إلى ألمانيا مع جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وكانت حربا مدمرة وهذه المدينة بالذات تركتها وليس فيها شبرا ناجيا من التدمير .. ورجعت بعد الحرب ولم أعد مرة أخرى إلا الآن في عطلتي السنوية هذه ..
ثم صمت برهة لعله يستعيد تلك الأيام العصيبة التي عاشها وهو لم يتجاوز العشرين من العمر .. لكن ليس هذا – كما عرفت منه – ما يشغل باله ويود الحديث عنه .. قال لي وتعابير الدهشة تعلو وجهه إن ما أدهشه وسيطر على تفكيره منذ أن وطئت قدماه هذه المدينة كيف استطاع هؤلاء الناس وفي فترة وجيزة بناء هذه المدينة وربما كل ألمانيا أفضل وأجمل مما كانت عليه قبل الحرب .. أما أنا فلم أندهش فقد علمت في شهور قليلة وأنا أعالج مصطلحات اللغة وتعابيرها أن أكثر تعابير اللغة شيوعا عند الألمان:
“ich habe keine Zeit, ich muss arbeiten”
ما يمكن ترجمته بـ : ليس لدي وقت يجب علي أن أعمل ..
ونحن الآن وقد عادت علاقتنا بالألمان وتم تبادل الزيارات بين الجانبين تحين الفرصة لنحذو حذوها علما بأن الدمار الذي عانت منه ألمانيا أكبر بكثير ويدها ممدودة للعون كما كانت من قبل .. وقديما قال المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
وما زال الأمل كل الأمل معقود في هؤلاء الشباب إلى الآن في حراسة ثورتهم و التأكد من استمراريتها واعتدال مساراتها .. أما كل هذه القوى المتربصة ما هي إلا نباتات طفيلية سيتم اجتثاثها فتشمر السواعد الفتية تسقي الحرث وينبت الزرع المعافى من الأمراض .. ولعل من أكبر إنجازات الثورة الشبابية انها فتحت نوافذ الحرية وآلاف الأبواب نحو مستقبل واعد ومشرق .. إذن ما على الذين يقودون المسيرة نحو البناء إلا أن يلجوا بخطوات واثقة إلى الأمام عبر تلك النوافذ والأبواب .. وبما أنها ثورة في الوعي فلن تسمح بتسرب اليأس مرة أخرى إلى النفوس .. لا شك أن حجم الدمار الذي أصاب مرافق البلاد كبير ولكن سرعان ما يتداعى أمام ضربات معاول البناء ..
ويحضرني هنا حوار دار بيني وبين احد الامريكان في مدينة ميونخ عاصمة بـڨاريا الألمانية .. كان ذلك حوالي نهاية سبعينيات القرن الماضي .. كنت مبتعثا لدراسة اللغة الألمانية في معهد اللغة في ميونخ وذلك ضمن برنامج دراسة الإخراج والإنتاج التلفزيوني قبل التوجه إلى برلين للدراسة العملية .. ولعل الكثير منا يعرف أن تلفزيون برلين كان الداعم الأكبر في مراحل التأسيس لتلفزيون أمدرمان بالمعدات وتدريب الكوادر وتلك قصة أخرى .. أما الرجل الأمريكي فقد إقترب مني متأملا أنني ممن يتحدثون الإنجليزية .. لقد كان الألمان في ذلك الوقت يحبون لغتهم ولا يميلون كثيرا إلى الحديث بغيرها وقد ساعدني هذا كثيرا في تعلم اللغة بسرعة .. وبادرني الرجل بالسؤال إن كنت أتحدث الانجليزية ورددت بالإيجاب وكنت أجلس وحدى على طاولة في الخارج كما يتم إعداد جلسات المقاهي الصيفية .. فاستأذن في الجلوس معي ورحبت به .. بدأ فورا بالحديث في موضوع يبدو أنه كان مشغولا به كثيرا .. قال جئت إلى ألمانيا مع جيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وكانت حربا مدمرة وهذه المدينة بالذات تركتها وليس فيها شبرا ناجيا من التدمير .. ورجعت بعد الحرب ولم أعد مرة أخرى إلا الآن في عطلتي السنوية هذه ..
ثم صمت برهة لعله يستعيد تلك الأيام العصيبة التي عاشها وهو لم يتجاوز العشرين من العمر .. لكن ليس هذا – كما عرفت منه – ما يشغل باله ويود الحديث عنه .. قال لي وتعابير الدهشة تعلو وجهه إن ما أدهشه وسيطر على تفكيره منذ أن وطئت قدماه هذه المدينة كيف استطاع هؤلاء الناس وفي فترة وجيزة بناء هذه المدينة وربما كل ألمانيا أفضل وأجمل مما كانت عليه قبل الحرب .. أما أنا فلم أندهش فقد علمت في شهور قليلة وأنا أعالج مصطلحات اللغة وتعابيرها أن أكثر تعابير اللغة شيوعا عند الألمان:
“ich habe keine Zeit, ich muss arbeiten”
ما يمكن ترجمته بـ : ليس لدي وقت يجب علي أن أعمل ..
ونحن الآن وقد عادت علاقتنا بالألمان وتم تبادل الزيارات بين الجانبين تحين الفرصة لنحذو حذوها علما بأن الدمار الذي عانت منه ألمانيا أكبر بكثير ويدها ممدودة للعون كما كانت من قبل .. وقديما قال المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
إذن لا حدود لطموحات هذا البلد المعطاء المتنوع في إمكانياته وموارده البشرية والطبعية ..
د. الفاتح إبراهيم
واشنطن
طيب ما تجي تعمل؟