مقالات سياسية

المدنية .. الحرب بين دولتين (5)

مديحة عبدالله

خارج السياق

الدولة المدنية يؤسس لها ويبنيها من يؤمنون بمبادئها ومن يناضلون من أجل مصلحة الوطن ومن يحققون مصالحهم بوجودها، إلا أن ذلك يتطلب هدم القديم برمته لقيام بنيان جديد، وهنا لا بد من الوضوح، لا يمكن الوقوف في منطقة رمادية، من المهم أن تحدث مكاشفة صريحة، لا يمكن الاحتفاظ بالكيكة وأكلها في ذات الوقت، لا بد من فض الشراكات القديمة تلك المتماهية مع دولة الكيزان، وهنا المقصود التماهي مع الاقتصاد الخفي، الذي يمسك بتلابيب البلد، وهو أمر يحدث يومياً وبأشكال مختلفة، ابتداءً من تغذية السوق بالمال للحصول على الدولار بيعاً وشراءً، بعيداً عن الجهاز المصرفي طمعاً في سعر أعلى، ومروراً بالتهرب الضريبي والرشوة والسمسرة التي باتت جزءاً من (أسلوب وممارسة) مهن كثيرة، بل صارت ذهنية متحكمة في أغلب المعاملات اليومية..

صحيح أن (الّدرج) لا تتم نظافته إلا من أعلى، كما قال أحد الحكماء، فالاقتصاد يحتاج لهيكلة جذرية، أحد ركائز ذلك تفكيك واستعادة كل الموارد بحوزة المنظومة البائدة خاصة العسكرية والأمنية وتلك التي تستحوذ عليها المليشيات، وتوجيه الموارد لصالح المواطنين وإنشاء المفوضيات المعنية بمكافحة الفساد، وانفاذ القانون وتحقيق العدالة، إلا أن ذلك لا بد أن يتزامن مع تنازلات مجتمعية حقيقية وعلى إجراء جراحة تستهدف تجفيف بيئة السوق الموازي بفعل مجتمعي دؤوب.

أن ذلك لا يقوم على طرح (مثالي/حالم) بمجتمع تسوده الأخلاق المجردة، بل بتأسيس دولة القانون والمواطنة، حيث الصراع الاجتماعي وتحقيق المصالح مقنن ومكشوف وعبر طرق سلمية، بحيث لا يظل الفقراء وهم في الغالب من ينتجون الخيرات في قاع المجتمع في وضع أشبه بالسخرة، أن ذلك يتطلب هيكلة الدولة والمجتمع بشكل متزامن، مما يقتضى مواجهة شجاعة مع كل ما هو رخو في حياتنا الاجتماعية والثقافية، فنحن بشكل عام نملك القدرة على إطلاق المبادرات المجتمعية، خاصة التى تستهدف تقديم الإعانات للأفراد في الأوقات الصعبة، لكن تعوزنا القدرة على المتابعة والصبر على البناء المؤسسي وتحمل تبعات العمل الجماعي وإدارة الاختلاف بشكل ديمقراطي..

مديحة عبدالله
______
*الميدان 3700،، الثلاثاء 22 سبتمبر 2020م.*

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..