
قد يستعصى على البعض معرفة حقيقة أن النظام الذي يحكم الآن هو النظام السابق نفسه، فقط تحوًلت الطرًة في الواجهة بدلاً عن الكتابة (النظام الخالف)، وبذات طريقتهم في التعامل مع الإنقاذ يعلقون آمالهم على السراب أن يصبح ماء، وهذا المستحيل بعينه…، خدعوا الناس أن الثورة قد نجحت وما حدث تغيير فعلي…
تظل الحقيقة حقيقة والسراب سراباً، الحقيقة أنً الثورة توقفت ولا بد من ثورة أخرى كاملة…، أطل الجوع وانفلات الأمن برأسيهما ما ينذر بثورة الجياع والفوضى التي لا تبقي ولا تذر، وما هي إلاً مسألة وقت..
أن تخدعني مرًة فالعيب فيك، أمًا أن تخدعني مرتين فالعيب فيً أنا..، وأن تستمرئ خداعي وأنخدع لك في كل مرًة هنا المشكلة الكبرى… (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) أمًا الحديث عن التسامح فهذا ينم عن مثاليًة انتقلت لخانة الضد، أي سبهلليًة لأنً من يخدع مرًة يخدع إلى مالا نهاية طالما كان الخداع طبيعةً متجذرةً فيه…، و من يُخدع مراراً ليس بإمكانه تغيير طريقة تفكيره دعك من واقعه….، ليس الخداع وحده، أضف لتلك الخصلة ما شئت ابتداء بمتلازماتها الخيانة والنفاق وكل طباع من آلت إليهم السلطة..، أعني بهم تحالف الجنجويد والعسكر وقوى الحرية والتغيير (قحت)…، أي حديث عن الصبر على (حكومة الثورة) هو الآخر ضرب من ضروب الخيانة والتضليل، أنظروا للذين يروجون لمثل هذا الهراء، ستجدونهم خونة ومرتزقة يصدقهم فقط الجهلاء..
خذوا على سبيل المثال تهافتهم لإقامة علاقات طبيعية مع دولة إسرائيل مقابل أن يُزال السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ وثلاث مليارات دولار تدفع مقطوعة…، هل كان البشير يتجرأ على فعل هذا في العلن؟ أين مصلحة السودان هنا، أين الكرامة والعزًة؟
مثال آخر، اتفاقيًة السلام التي وقعها زعيم مليشيا الجنجويد مع مليشيات الجبهة الثوريًة والتي نسفت كل ما جاء في الوثيقة الدستوريًة (المستباحة أصلاً) لم تجد إلاً كل قبول ودعم ومباركة كل مكونات قحًت، رغم أنًها باطلة بكل المقاييس لأنً غايتها المحاصصة وليس السلام في ذاته، بل هي أسوأ من التي وقعها نظام البشير مع الحركات بما يتجاوز 40 اتفاقيًة لأنها تتم باسم (حكومة الثورة) ، طالما أنً قحت موافقون عليها إذاً هم موافقون على كامل بنودها… ، موافقون على تعديل الوثيقة الدستوريًة، مع أنًهم خطوها بأياديهم المرتجفة وخدعوا النًاس بأنً الجهة الوحيدة وصاحبة الحق الحصري في تعديلها هي المجلس التشريعي، بنص الوثيقة ذاتها، أمًا محاولات التبرير المخادع لتعديل الوثيقة دون وجود مجلس تشريعي فقد جرى التحضير لها بخدعة جاهزة هي غياب المجلس التشريعي ، وغياب التشريعي نفسه حتى الآن ما هو إلاً امعاناً في التمييع وعدم التزام بوثيقتهم الدستورية التي توافقوا عليها …، وما رأيهم في تمديد الفترة الانتقاليًة لتكون أربعة سنوات وثلاثة أشهر يمتد فيها حكم العسكر لأكثر من ثلاث سنوات، أي أكثر من ثلاثة أرباع الفترة الانتقالية حكم عسكر قد يمتد لأجل غير مسمى طالما ظلً الباب مفتوحاً على تعديل الوثيقة ….، ما هو رأيهم في تعديلها من أساسه، ما رأيهم في استبدال الكفاءة بالمحاصصة حتى وإن أتت بمجرمين؟ ما هو رأيهم في أن يكونوا أقليًة في المجلس التشريعي حتًى إن تم تكوينه؟ هم موافقون على كل ما ذكرته ولا ما نع لديهم أن يتمزق السودان ارباً طالما أنًهم يحتفظون بمناصبهم الصوريًة…والدليل أنًهم يدعمون ما اسموه اتفاق السلام الذي سيوقع عليه نهائياً في الثالث من أكتوبر القادم…، كل ما ذكرته مجرًد أمثلة وردت في أربعة بنود من الاتفاق المكون من ثلاثين بنداً كل واحد منها بمثابة طعنة نجلاء في خاصرة الوطن وخيانة عظمى..، أمًا قحت ، لازالوا يتمسكون بمقاعدهم ولم نرى أحدهم استقال رفضاً لما يحدث؛ بل على العكس تماماً لم تحدث جريمة بحق المواطن والوطن إلاً بموافقتهم وصمتهم ، ما يؤكد خيانتهم وبيعهم لكامل الوطن وشعبه مقابل منصب أول مال…، والحال كذلك أقولها بكل وضوح أنً عهد المخلوع كان أفضل بكثير من الغيهب الذي نعيشه الآن..، هذه الحقيقة المجرًدة والأدلًة عليها ذكرتها. وسأزيد..
عندما صاغ تحالف قحت الوثيقة الدستوريًة المعيبة ابتدعوا سابقة لم تحدث في أي دولة من قبل وهى مجلس السيادة فوجوده في حد ذاته أكبر هزيمة للثورة ناهيك عن صلاحيًاته المنصوص عليها والتي ضمنت أن يكون المجلس التشريعي حتًى وإن تكوًن مجرًد مجلس صوري كبرلمان الكيزان تماماً، وضعت السلطة في يد الجنجويد والعسكر وأمنت لهم الهروب من العقاب من أوسع أبوابه عندما ربطت رفع الحصانة بموافقة ثلثي المجلس التشريعي الذي هو في الأصل أقحموه في الوثيقة مع الاتفاق مسبقاً بينهم والعسكر على عدم تكوينه من أساسه، وعوضاً عن ذلك استبدلوه ببدعة المجلسين والتي اجازت من التشريعات المشوهة ما يكفي لزوال السودان من الخارطة، وامعنت في عرقلة كل ما يحقق الحرية والسلام والعدالة وهى أركان الثورة ..
ماذا كان خطابهم قبل الثورة وكيف أصبح خطابهم بعد المنصب….، ماذا كان رأيهم في الجنجويد وما هو رأيهم اليوم؟ كم لجنة تحقيق تكونت وكم منها أصدرت تقاريرها؟ حسناً كانوا يشاركوننا تماماً رأينا في الجنجويد قبل وبعد مجزرة القيادة الآن يعتبرونهم شركاء وضمان لوحدة السودان، كونوا أكثر من مائة لجنة تحقيق لم تنشر ولا واحدة منها تقريرها…، إذاً أمرهم لا يحتاج لكبير عناء، هم يعملون مع شركائهم العسكر للحيلولة دون التغيير..
هل هنالك شخص سوي، بكامل قواه العقليًة لا يعلم نفاق من يمارسون الخداع والتضليل والالتفاف حول قضايانا؟ لا أعتقد، لأنهم الآن يوردون الوطن موارد الهلاك متبعين أقصر الطرق إلى ذلك سبيلاً… دون حياء ولا مواربة..
واحد من أسباب خلافنا الجوهري مع نظام الكيزان أنًهم عملاء مرتزقة، لا تهمهم مصلحة الوطن يعملون لمصلحتهم الشخصيًة ومصلحة سادتهم من دول أجنبية لا تتحقق مصلحتها إلاً بما يتعارض مع مصلحة وطننا، أليس هذا ما يمارسه من هم على سدًة السلطة اليوم؟
لا يمكن أن ينصلح حالنا إلا بسقوط نظام الكيزان كاملاً…، أي الانهيار الكامل لركائز دعمه المتمثلة في (القوات النظاميًة والمليشيات، المنشآت الحكومية والوزارات المدنيًة، المؤسسات الاقتصاديًة، التنظيمات السياسية والاجتماعيًة الداعمة، السند الشعبي، الاعلام والاتصالات، الدعم الخارجي….) وفي حالتنا السودانيًة توجد ركيزة أخرى أكثر خطورة وهي الأحزاب السياسيًة، يكفي أن أقول بأنً أكبر حزب سياسي في السودان يتلقًى الدعم المالي من الجنجويد وكان بالأمس يتلقًاه من المخلوع وحزبه…نفس الحال ينطبق على وصيفه…
حتى نتحدث عن ثورة استطاعت اسقاط النظام علينا أن نتأكد أن أي فرد كان جزء من النظام في السابق لم يعد له وجود مؤثر في ركائز الدعم المذكورة، مثلاً ميليشيات الجنجويد التي صنعها النظام السابق وجهاز أمنه خاصًة السياسي ومليشيات الأمن الطلابي والشعبي والدفاع الشعبي جميعها يجب أن تكون قد تلاشت ولم تعد تنظيمات إنما أفراد مشتتون لا رابط بينهم، يختلف الحال بالنسبة للجيش والشرطة لأنًها مؤسسات كانت موجودة قبل النظام وعبث بها لذا يجب إعادة هيكلتها وبناءها على أسس بالضرورة تعيدها لدورها الذي تأسست من أجله وهذا يتطلب تطهيرها من كل داعم للنظام .
نعم، جميعنا وجدنا في يوم ما أنً اعلان الحرية والتغيير يعبر عنًا لأنًه كان عهداً بين قحت والشارع لتنظيم الحراك ووضع اطار للعمل يتشارك فيه الجميع ،ليس بالضرورة ثقةً فيهم إنًما أملاً في أنًهم تغيروا و أحياناً يكون الأمل خياراً وحيداً في غياب الخطط، لكن ثبت بالتجربة أن الأمل وحده لا يكفي ولا بد من خطط أساسية وخطط بديلة، اعتمادنا على الأمل وحده جعلهم يستمرؤون فخانوا أول بند (اسقاط النظام دون أي قيد أو شرط) في أول منعطف خان التجمع العهد الذي بينه والشارع وتنكًر له وتحالف مع أحزاب الهبوط الناعم فكانت النتيجة وثيقتهم الدستوريًة ، عمل التجمع وأقصد به تجمع المهنيين بشقيه ، حتًى تحقق نقيضه (البند الأول) تماماً وهو السير في ذات النهج الذي كان يتبعه النظام والإبقاء على كل مؤسساته كما هي وهذا سبب كاف لاستمرار النضال بعيداً عن الخونة وعدم قبول ريادتهم مرةً أخرى والأهم وجود خطة عمل واضحة للتغيير وتحديد أهدافه بعناية والعمل عليها بأساليب قابلة للقياس والمراجعة والتقييم ، ثبت بالتجربة أن الأمل وحسن النوايا في غياب وحدة الهدف واحترام المواثيق يأتيان بنتائج كارثيًة، ودونكم ما وصلنا إليه اليوم…
البعض يرون في مذكرات التفاهم بين تجمع المهنيين أو الحزب الشيوعي أو حتى اتفاق حمدوك الحلو تطوراً قد يصب في اتجاه السلام الحقيقي، على أساس أنً الأخير في قوته وسيطرته على الأرض دليل على وجود داعمين له من أهل المصلحة، على عكس فصائل الجبهة الثورية التي لا سند شعبي لها، هذا وإن صحً في شطره لن يكون صحيحاً في عجزه ولن يأتي بسلام حقيقي يستفيد منه المواطن العادي بعيداً عن المحاصصات ويعقد من التغيير الحقيقي لأنه سيبنى على المحاصصات وتولية الشأن العام لغير أهله عن طريق وضع اليد بقوًة السلاح… بدليل أن الحلو نفسه شارك في النظام السابق أكثر من 5 سنوات عندما كان نائباً لأحمد هارون ولم يعود للتمرد مرة أخرى إلاً بعد أن انقضت المحاصصة بانفصال الجنوب…، الفكرة الأساسيًة في السلام ليس الاتفاقيات في ذاتها حتًى وإن كانت منزًهة عن كل نقص، إنًما السبب الذي بموجبه تم توقيع السلام، هل هو الرغبة في السلام أم الرغبة في السلطة والثروة….، إذا كان الدافع هو الأخير فهو يتعارض مع مبدأ السلام وكذلك مبدأ التغيير أن لا يأتي بزعماء شاركوا في النظام السابق مهما كانت الأسباب لأنَ التغيير المعني والذي يرجى منه يجب أن يشمل السياسات ومن ينفذونها وتوجهاتهم المسبقة أيديولوجية كانت أم جهويًة…، بهذا المفهوم لا توجد حركة مسلحة واحدة تؤمن بالتغيير بما في ذلك حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد وإن أظهروا خلاف ذلك..، وإن كان ما يقوله عبد الواحد صحيحا أنه معني بحل جذور المشكلة لا المناصب لماذا لم تأت حركته للعمل جنباً إلى جنب مع لجان المقاومة المدنية ونفس الحال ينطبق على حركة الحلو طالما أنهم قادة أولاد ناس هدفهم مصلحة الوطن والمواطن.. سأعود لهذا في مقال منفصل.
دون شك، خدعنا في سنة واحدة بأكثر مما خدعنا عمر البشير في ثلاثين سنة، سينعم النظام بالدعم الامبريالي والصهيوني الدولي وميليشيات اتفاق جوبا وربما حتى مليشيات جناح الحلو قريباً، هذا كله ليس في مصلحة التغيير لأنً قواتهم ستتحوًل لأداة قمع للثوار ثماماً مثل الجنجويد…، رغم هذا كله لن يستطيع جميع الخونة مجتمعين أن يحكموننا طالما توفرت إرادة وعزيمة التغيير لدى الأغلبية المتضررين من وجود النظام…، فالإرادة موجودة فقط نحتاج العزيمة وما تتطلبه من وعي وتدريب لشباب المقاومة…، لجان المقاومة وأعني بها التنسيقيات لأنً من بين لجان المقاومة ما هو شبيه بأحزاب الفكًة ، توجد لجان موازية ومصطنعة تماما كما كان النظام يصطنع أحزاباً لتنافسه في انتخاباته وتصد الشر عنه..
قريباً سيجتمع كل أعداء الثورة في خندق واحد كل منهم يدافع عن نصيبه من السلطة ويحمي الآخر وهذا لن يستمر طويلاً فمن البديهي حدوث خلافات بين اللصوص تعيدنا للمربع الأول وندخل في مسلسل التمزق من أوسع أبوابه حتى يأتي الكفلاء ليجدوا الأرض مهيئة للانقضاض فتنتصر أهدافهم ويتلاشى ما تبقى من حلم بوطن مثل باقي دول العالم.
لا يمكن الحيلولة دون هذا السيناريو القبيح إلاً بالعمل، تنسيقيات المقاومة تحتاج منا للدعم، بعض الشباب يقومون بأدوار جبًارة في نشر الوعي والتدريب ويحتاجون المساعدة فيما يقومون به، أمًا التي أوجدتها الأحزاب والتي تحمل اسم (لجان المقاومة والتغيير) فهذه تسير في نفس خط أحزاب قحًت ويجب التمييز بينها وبين لجان المقاومة الحقيقية، أيضاً توجد العديد من الأجسام تعمل عمل المقاومة عليها تنسيق مجهوداتها معاً وحتًى لا يتكرر الخطأ يجب التوافق على ميثاق عمل يشترط الالتزام بكامل بنوده حتًى تتحقق أهداف الثورة والتغيير.
مصطفى عمر
[email protected]