المؤتمر الاقتصادي: ماذا تتوقعون منه غير رفع الدعم، وتقليل الانفاق، وتوحيد سعر الصرف، والخصخصة

حسين أحمد حسين
فاتحة
الثيمة الرئيسة التي سوف تسيطر على المؤتمر الاقتصادي المنعقد اليوم 26/09/2020 بقاعة الصداقة هِيَ الروشتة التقليدية لمؤسسات التمويل الدولية، ومقررات إجماع واشنطون، وأجندة الليبراليين الجدد بما فيها الانفتاح على إسرائيل.
حيثيات
1/ سيخرج عليكم اليوم جوقة من الأمميين ليحدثوكم عن نجاعة فلسفة البؤس المبثوثة في أيديولوجيات مؤسسات التمويل الدولية وروشتَّاتهم في حل مشاكل الاقتصاد السوداني، وسيخرج عليكم الاقتصاديون الإسلاطفيليون والليبراليون الجدد ليكرسوا فيكم حالة “أنَّ الموت حق والحياة باطلة” لتتحققوا بالزهد والموت في اليمن وفي ليبيا وفي غزة استغفالاً، وليتحققوا هم بـ “كُلوا من طيبات ما رزقناكم”؛ ويا لبؤس الفلسفة ويا لبؤس المتفلسفين.
2/ للأسف قد وقعت حكومتكم يا ثوار، بتعويلها على الخارج، في فِخاخ مؤسسات التمويل الدولية عبر البرنامج الإسعافي لوزير المالية الأسبق د. إبراهيم البدوي وخلفه د. هِبة محمد علي وبمساندة د. حمدوك ود. حريكة والبلد بعد مليئة بالخيرات، وكثير من السودانيين المهتمين بالشئون الاقتصادية من مختلف المشارب يقرُّون بتوفُّر الكثير من الموارد الاقتصادية بما يؤهِّل السودان لتنفيذ العديد من المشروعات في المدى القصير والمتوسط والداعمة للفترة الانتقالية (د. محمد سليمان 2000)، (بروفسير محمد حسين أبو صالح 2019).
والبعض الآخر أوصى صراحةً بعدم الوقوع في هذه الفخاخ كأمثال وزير المالية د. بشير عمر في حكومة السيد الصادق المهدي الأخيرة؛ إذْ يقول: “يتوجب على السودان ألاَّ يعتمد على المعونات العاجلة والسخية التي قد تتدفق على البلاد من المانحين الغربيين بعد عودة الديمقراطية وإحلال السلام؛ ذلك لأنَّ المانحين عادةً ما يفرضون شروطاً محددة مقابل عمليات إعفاء الديون وعروض العون التنموي الكبرى التي يقدمونها. كما ينبغي على الفرقاء الرئيسيين السعي من أجل التوصل لاتفاق حول الملامح العامة للسياسات الاقتصادية في المرحلة الانتقالية” (د. بشير عمر 2001).
3/ إذا كان معظم الدول المتقدمة قد نمت “بنظام الحماية الاقتصادية” كما يشير جوزيف استِقلِتز في العديد من كتابته، فلماذا تصر هذه الدول على منعنا من النمو بذات الطريقة عبر مؤسسات التمويل الدولية التي تريدنا أن “نرفع الدعم وننفتح على العالم الخارجي” كما فعلت الإنقاذ التي حررت الاقتصاد السوداني فوق ما تطمع هذه المؤسسات ولم تحقق ايَّ نمو اقتصادي يُذكر في مجال الاقتصاد القومي. بل يذهب استقلتز في تفنيد ودحض مزاعم الليبراليين الجدد بأنَّ “التجارة العالمية مهما كانت مجحفة في حق الدول النامية من الممكن أن تعزز النمو الاقتصادي، مستدلين على ذلك بازدياد معدلات النمو في دول جنوب شرق أسيا”، بقوله “أنَّ أمثلة معدلات النمو المتزايدة في دول جنوب شرق آسيا التي يسوقها هؤلاء الليبراليون كنتيجة لإزاحة هذه الدول لعوائق التجارة مع العالم قد حدثت نتيجة لزيادة الصادرات وليس لإزالة عوائق التجارة” (Stiglitz, 2007).
ويؤكد جوزيف استقلتز في موضع أخر وفي كتاب آخر إلى إلقاء اللائمة على الاقتصاديين المهنيين خاصة الأمميين منهم في تزيين اقتصاد السوق “بالكفاءة والقدرة الذاتية على تنظيم نفسه” من غير تدخل الدولة؛ وهو أمرٌ، كما يقول استقلتز، قد “أثبت بطلانه في العقدين المنصرمين” (Stiglitz, xx-xxi, p 238, 2010).
ويتعزز هذا القول بما أورده جون سلومان وآخران بقولهم: “منذ الأزمة المالية 2007 – 8 فإنَّ كفاءة وقدرة الاقتصاد الحر على تنظيم نفسه دون تدخل من الدولة قد وُضِعت على المحك وتعرضت لكثير من الانتقادات {ناهيك عنها في زمن الكورونا الشاخص الآن، الذي لو لا تدخل الدولة لانهار كل شئ } (Sloman and Others, p 277, 2015).
ويقف شاهداً على ذلك أنَّ الحكومة البريطانية قد أعلنت على لسان رئيس وزرائها وعلى لسان وزير ماليتها أنَّها جاهزة لدعم اقتصادها بـ 330 بليون جنيه استرليني ونفذت ذلك {وزادت عليه حتى وصل الدعم إلى أكثر من 2 ترليون جنيه استرليني}، وأمريكا صادقت على دعم اقتصادها بما يُقارب الـ 6 تريليون دولار ونفذت ذلك (راجع ما أورده الـIMF ذات نفسه على هذا الرابط: https://www.imf.org/en/Topics/imf-and-covid19/Policy-Responses-to-COVID-19
ولم يكن جورج سوروز الليبرالي القح – الذي اختطف من الاقتصاد البريطاني فيما يُسمى بيوم الإثنين الأسود الشهير مليار جنيه استرليني- بِدعاً من كلِّ ما جاء بعاليه وهو ينتقد الرأسمالية الأُصولية والعولمة، إذْ راح يعدد مساوئهما على دول العالم الثالث قائلاً أنَّهما:
- قد أضرتا سلباً بالكثير من الناس في دول العالم الثالث دون ما يكون هناك نظام لحمايتهم (safety net)،
- قد ساهمتا في سوء توزيع الموارد بين البضائع الخاصة والبضائع العامة،
- إنَّهما دائماً ما يكونا مصحوبيْن بعدم الاستقرار،
- إنَّه من الخطورة بمكان الاعتماد كليةً على آلية السوق والعولمة لأنَّهما غير قادرتين من تلقاء نفسيهما على الاهتمام بالاحتياجات الجمعية للمواطنين كالقانون والنظام أو حتى صيانة آلية السوق نفسها. ونعم أنَّ العمليات السياسية للدولة هي في العموم أقل كفاءة من آلية السوق، ولكن لا يمكن الاستغناء عنها” (Soros, 2002).
4/ لقد تركتم الحل وراءكم في بسطام (في السودان) يا حمدوك وحريكة والبدوي وهِبة. وذلك لأنَّكم تتجاهلون معالجة حالة انكشاف الاقتصاد السوداني الداخلية (عدم القدرة على تغطية الطلب الكلي والذي يعني عدم قدرة بعض أفراد الشعب على الحياة – موت الشعب) بدرجة عالية من اللا – أخلاق واللا – إنسانية واللا – مبالاة، وتركزون على معالجة حالة الانكشاف المتعلقة بالعالم الخارجي (عدم القدرة على دفع أقساط الدين، وتحويلات المستثمرين الأجانب، وكل طالبي العملات الصعبة للأغراض المشروعة) بكلِّ اهتمام كما تُملي عليكم مؤسساتكم الأممية؛ أمَّا شعب السودان فموته حق وحياته باطلة.
5/ ما الدافع من الإصرار على رفع الدعم وتوحيد سعر الصرف بهذه الطريقة العبثية – وشعبكم يموت ليل نهار – دون ربطهما بمعالجة اختلالات القطاع المالي والنقدي وانفلات التضخم الذي وصل 166.83% ووجود 96% من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي وتزوير العملة قد أصبح خبراً دائماً على صفحات الصحف اليومية؟ لماذا تصرون على رفع الدعم وتوحيد سعر الصرف دون ربطهما بدينمائية الاقتصاد السوداني – أى بزيادة الانتاج القومي وبالتالي زيادة الصادرات وتنوعها والتي من الممكن أن تحل الانكشافين معاً بضربة لازب؟
ويحدث كل هذا وإرث وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في التوحيد الممرحل المرتبط بمعالجة اختلالات القطاع المالي والنقدي وانفلات التصخم والمرتبط بزيادة الصادرات وتنوعها موجودة ومجربة (أنا هنا غير معني بالتمرحل المرتبط بتواريخ فوقية – ستة أشهر، تسعة أشهر، إلخ – كما يرى الأمميَّان البدوي وهِبة).
فوزير مالية السودان الأسبق الإخوانوي د. عبد الوهاب عثمان (لا الديسمبري كالبدوي وهِبة كما يزعمان) يعزي نجاح برنامجه للإصلاح الاقتصادي في الفترة 1996 – 2000 لاعتماده على “موارد ذاتية حقيقية عن طريق الإصلاح الضريبي وترشيد الإنفاق العام واستحداث سلع {مصرفية} … لتحريك المدخرات وفوائض المؤسسات والمصارف للتعويض عن تخفيض الاستدانة من النظام المصرفي {وإعادة تخصيص تلك الموارد للتنمية}”. ولا غرو أنَّ تلك السياسات الحكيمة في مجال سياسات الاقتصاد الكلي قد “أنزلت التضخم من 166% إلى 8%” في غضون أربع سنوات (د. عبد الوهاب عثمان 2001).
6/ إذا كان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي المكلف ومحافظ بنك السودان عاجزيْن عن معالجة اختلالات القطاع المالي والنقدي وانفلات التضخم وانفلات الكتلة النقدية بالسياسات المالية والنقدية المُكبَّلة بالوثيقة الدستورية الشائهة، فلا بد إذاً من استصدار تشريع لتغيير العملة الوطنية، وتحريم وتجريم تداول العملات المحلية والأجنبية خارج النظام المصرفي إلاَّ بتصديق مسبق من وزير المالية ومحافظ بنك السودان معاً، ولِأغراض معلومة مرتبطة ببرمامج الدولة التنموي؛ تحريماً وتجريماً عقوبته الإعدام والمصادرة إذا تمَّ تداول العملات بقصد تخريب الاقتصاد السوداني.
خاتمة
حَزِنَّا حُزناً عظيماً لعدم قبول بروفسير عبد المحسن صالح لمنصب وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، فجاء الرفض برداً وسلاماً على أعداء الوطن والمواطن. ومن الجانب الآخر فقد حُقَّ للعالِم الجليل أن يرفض المنصب في إطار تغييب المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية المُتَعَمَّديْن، وفي ظل مولاة القضائية والنيابة العامة والشرطة وجهاز الأمن للنظام الفائت، وفي ظل منظومة عسكرية تسيطر “عسكوطفيلياتها” على جل الاقتصاد المدني في السودان، وتجلب له العمالة من الخارج، وعدد العاطلين عن العمل في السودان يفوق كل التصورات المعقولة خاصةً بين الشباب صُناع الثورة.
فيا لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين، يا ثوار: قوموا لثورتكم يرحمكم الله؛ فلا أحد يستلقي أثناء المعركة.
مقال محترم جدا ويا ليتهم يسمعون
نحن في حاجة لفهم الواقع والسعي الي إيجاد حلول عاجلة …لكن كلما أجد ان موازنة دولة هي عبارة عن منح أجد أننا نسير نحو المجهول
المعوقات الحقيقية للمعالجة
1/ وضع الدولة في قايمة الدول الراعية للارهاب مما يعوق التحويلات والاعتمادات والمراسلات من والي السودان.
2/ عدم استقرار سعر الصرف لتآكل الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة.
3/ خصخصة الدولة سابقا كل المشاريع الكبري وعدم وجود موارد حقيقية للدولة لمقابلة بنود الصرف في الميزانية .
4/عدم وجود اجهزة رقابة واحصاء شفافة تفيد متخذ القرار .
5/ حدود السودان الفتوحة مع عدم الضبط للتهريب .
مقال اكثر من جيد . يوضح العلل والقصور ويبصر للعلاج الناجع.
كلام معقول وهو مفتاح الحل لكن ماذا لو اضفنا له مبدأ ترشيد الدعم بدلا عن رفعه (النيوليبرالى) بحيث يرفع الدعم عن الاستهلاك ويوجه للانتاج أي دعم المنتج وليس المستهلك ويشمل ذلك أيضا دعم الصحه والتعليم ..فمثلا اذا نظرنا لدعم الخبر نجد أنه يذهب لفئة محدودة من المواطنين وهم سكان المدن بمن فيهم الاجانب وما يستفيده المواطن فى الخرطوم من خبذ مدعوم يذهب اضعافه منه لفاتورة التعليم والصحة..اما سكان الهامش فلا تصيبهم نعمة دعم الخبز ولا البنزين…اذا أطلقنا مبدأ ترشيد دعم الاستهلاك ودعمنا الانتاج تتحقق العدالة الاجتماعية التى نادى بها الثوار واستشهد من أجلها بابكر ومحجوب و قصى ورفاقهم الميامين
لِـ (د) هِبة وحريكة وحمدوك:
حذاري من التلاعب بالكلمات؛ وتضمين كلمة “ترشيد” الدعم في التوصيات الختامية؛ فهِيَ لم ترد في حيثيات الجلسة القطاعية.