أستاذنا الصالح محجوب محمد صالح

بسم الله الرحمن الرحيم
يستحق صاحب القلم الذهبي أستاذنا الجليل محجوب محمد صالح لقب عميد الكتاب العرب بامتياز، وهو يمثل إمتداد لجيل الكتاب العرب العمالقة أمثال ألاستاذ المرحوم أحمد بهاء الدين وغيرهم، الذين لم يؤسسوا الصحافة في بلادنا، ولكنهم وضعوا لها خطوط وضوابط منهجية تلتزم الموضوعية وتهتم بالهم الوطني وتنغمس بكلياتها في الشأن العام وتضع نصب عينيها مصالح الجماهير، وهي تخوض غمار العمل الصحفي مدججة بالموهبة والعلم والقدرة الفذة علي التضحية والعطاء ووضوح الرؤية وصلابة المواقف، وهم يمثلون رجال إطفاء لكل الحرائق السياسية والضغائن الحزبية والسلطوية والتصدعات المجتمعية، ويمثلون بحق ضمير المهنة الصاحي علي الدوام والباحث عن الحقيقة وسط ركام من الزيف والضلال والمظاهر الإعلامية والسياسية والإجتماعية الخداعة! وأستاذنا النبيل يمثل مدرسة صحفية قائمة بذاتها وتستعصي علي التقليد او المجارة باسلوبها البسيط والواضح والمكثف الذي يبسط أصعب القضايا ويجعلها في متناول إستيعاب الجميع وهو يطرحها بصورة شيقة ومترابطة ومحكمة خالية من الإخلال والتعقيد وهو ينفذ للب القضية مباشرة، ويطرح وجهة نظره في القضية المحددة بصورة محيطة بتفاصيلها وشاملة في عرضها وفي الغالب الأعم تلامس الحقائق او يضع القارئ في مواجهة مباشرة مع طرحه، ليجد القارئ نفسه محاصر وسط سياج من العقلانية والإحاطة والشمول والإقناع تجبره علي تبني وجهة نظر الأستاذ او علي الأقل إحترامها ووضعها في المكان الذي تستحقه. وهنالك الكثير من القضايا التي مثلت فيها كتابات الأستاذ المحترم محجوب محمد صالح جرس الإنذار الأول والتنبيه القوي لتدارك الأخطاء في بداياتها وعلاج المشاكل في اولها لسهولة ذلك وفاعليته ولتجنب دفع أثمان مجانية! ولكن عناد وغرور وجهالة متخذ القرار كانت دائماً تسفه تلك الآراء وتلقي بها في سلة الإهمال والنسيان والتجاهل! او تعتبرها نوع من المعارضة الساعية لتهويل الأخطاء البسيطة او إختراعها لتبخيس الأداء الحكومي المتفرد! أو حسداً من عند أنفسهم نتيجة لحرمانهم من التهام جزء من كيكة السلطة! ليجد متخذ القرار في النهاية نفسه وسط حريق هائل يعجز عن الخروج منه، ويلقي باللائمة علي الظروف والقدر والأعداء وما دري انه أكبر عدو لنفسه ولبلاده! والمؤسف أن الضحية الأول لهذه الحرائق هو المواطن المسكين الدافع الأول لكل فواتير الاخطاء والخطايا واللوم اللئيم! وهو لا يجني غير المصائب والشقاء والدموع والدماء علي الدوام، وكل ذلك بسبب إبعاد أصحاب الدراية والإستقامة أمثال أستانا الجميل محجوب محمد صالح عن المشاركة بآرائهم النيرة وخبراتهم المتراكمة في توجيه دفة القيادة أو مجرد الإستفادة من درر وكنوز الأستاذ التي يطرحها عبر عموده اليومي في تناوله للقضايا العامة وهو يقدمها علي طبق من المعرفة والتواضع للجميع دون مَنْ او أذي او وصاية، وإنما رغبة صادقة في حلحلة تعقيدات الإشكالات الوطنيه، وكل ذلك من أجل رفعة وطنه وتحسين أحوال مواطنيه، كدور نذر له عمره وقلمه وفكره وصحيفته وصحته وطموحه، غير عابئ بضخامة المسؤولية وقلة الأعوان او تساقطهم في طريق صعب ملئ بالمطابات و الشكوك و الأشواك وظلم الأباعد و سوء ظن وخوف ذوي القربة.
والأستاذ محجوب محمد صالح لم يصل لهذه المكانة بسهولة او مجانا فهو منذ بواكير عمره وتكوين وعيه وجد نفسه (او أوجد نفسه) منخرطا في الشأن العام في معاكسة لطبيعة مرحلة تستطيب اللهو والمرح والتخفف من المسؤوليات والسعي بجد لجذب الجنس اللطيف وإثارة إهتمامه! ولكن أستاذنا الجليل إستجاب لشروط وعيه المبكر و للنداء الداخلي النازع للبحث عن الحقائق في كل مظانها والإنعتاق من كل قيود الأنانية والجهل والتجهيل والحصار وإهتداءً بروحه النشطة الشفافة، وكانت ترجمة ذلك في رفضه للإحتلال الإنجليز مع نفر من زملائه الطلبة الذين يشاركونه الروح والهموم في جامعة الخرطوم قلعة النضال والثورات، إستنكارا لدوره في تحجيم الوعي والحقوق وإمتلاكه لكل الفضاء الوطني بصورة سافرة وإستعلائية وتكميمه للأفواه و الحريات وفرض قوانينه التي تحابي مصالحه و دوامه في السلطة وإستغلال خيرات البلاد وكبح عجلات التحرر والتقدم والإنطلاق! وكان الثمن الذي دفعه أستاذنا الجليل هو فصله من الجامعة وحرمانه من مواصلة تعليمه الجامعي في فترة تنعدم فيها اي فرص للمواصلة في الداخل! وهذا الموقف كان كافي بدوره للزهد في الإنخراط في الشأن العام او الإهتمام بقضايا المجتمع والأمه, ولكنه بالعكس من ذلك وعلي العهد به حوَّل هذه الخسارة العظيمة( خاصة في ذلك الزمان الذي يمثل إكمال المرحلة الإبتدئية (طيب الله ثراها) فيه إنجاز ناهيك عن دخول الجامعة، الحلم الذي يراود بعض الشباب الذي سمع بها؟ بشئ من الإستحالة في ذاك الزمان) ولكنه كما سبق ذكره حوَّل هذه الخسارة الي نوع من التحدي لينخرط بكلياته في مجال الإعلام (لحسن حظنا وحظ الإعلام) كونه يكسب الي طرفه موهبة وعبقرية في قامة أستاذنا القامة محجوب محمد صالح، والأهم من ذلك هو توظيف هذه الموهبة الإعلامية لإيصال رسالته السابقة التي حرم بسببها من إكمال تعليمه الجامعي في ظل إحتلال يحارب المواهب ويتقصدها بالعراقيل والتضييق والفصل خوفا من تاثيرها علي وجوده لخطورة هذه النماذج علي بقائه، وهي رسالة تستهدف تبصير الجماهير وإكسابها الوعي بحقوقها وحقوق بلادها المغتصبة، ولكنه ايضا لم يستجب لنزعات الشهرة وأمراض المعرفة بالسعي لإرضاء الجماهير بالحق او بالباطل، ولكنه إلتزم جانب ما يراه حق بغض النظر عن موقف الآخر المتفق او المختلف معه وهذا هو سر عظمة استاذنا محجوب كما أعتقد، أي لم يغلب عاطفته او ميوله لأي إتجاه علي حساب موضوعيته وحساسيته تجاه الحقائق والمصلحة العامة وما أصعب ذلك لغير اولو العزم من أصحاب الراي!
دخل الأستاذ محجوب محمد صالح عالم العمل الصحفي ليس ككاتب فقط يده في الماء البارد! ولكن كمؤسس لصحيفة الأيام مع رفاقه الأجلاء الأساتذة بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان عليهم رحمة الله، وهذا النوع من العمل يمثل مغامرة او مجال عالي المخاطرة في ظروف تلك الفترة (بل في كل الفترات داخل دائرة العالم الثالث واظنه قفز الي العاشر دون المرور ببقية الدرجات) سياسيا/إقتصاديا/إجتماعيا والتي كان مجرد تعلم القراءة والكتابة يمثل وثبة عالية! أي قلة القراء وبالتالي إنحسار دائرة التاثير وقلة التوزيع وإنعكاس ذلك علي وضعها المالي الذي يعينها علي الإستمرار ولا نقول الأرباح لصعوبة ذلك في تلك الظروف الطاردة للإستثمار والعمل والمنافسة الحرة! ولكنها الرغبة الشديدة في نشر المعرفة وفتح طاقة وعي وكسب أكبر قدر من القراء وإشراكهم في الشأن العام وتحويله لشأن خاص يمس حاضرهم ويشكل مستقبلهم وذلك عبر الإرتقاء بذائقتهم السياسية والثقافية بما يقدم خلال تلك الصحيفة، وهذه الأهداف شكلت لهم الدليل او الدافع القوي للإقدام وقبول ركوب المخاطر وذلك إذا لم تشكل لهم نوع من التحدي و المتعة الشخصية التي تلازم أصحاب الهمة العالية، وهم يرون نتاج غرسهم وقد آت أكله في توسع الإهتمام والمعرفة بالسياسة والفكر والإدب، وإيجاد فرص وفتح منافذ لكثير من المواهب الصحفية التي أستفادت من صحيفة الأيام وأفادتها ايضا، وتركت بصمتها الواضحة والمؤثرة علي كل حقول المعرفة والسياسة والثقافة وفتحت بدورها الطريق والباب علي مصراعيه لتلج عبره الأجيال اللاحقة وهي ترتكز علي إرث وأساس متين أغناها في إنطلاقتها وحضورها الطاغي حتي أيامنا هذه. ولو سارت الإمور كما خطط وبَشَّر ورغِب الأساتذة الأجلاء وخط الصحيفة المرسوم في التأسيس والإلتزام بالنهج الديمقراطي والمحافظة علي الحريات العامة كخط أحمر او شأن يتصف بشعور يقارب التقديس في ممارسة الفعل السياسي من قبل اللأعبين السياسين، ونجت هذه البلاد من تهورات العسكر وجنون قادتهم وإنقلاباتهم علي الشرعية وعكسهم لعقارب ساعات الزمن وقيادتهم البلاد عكس وجهتها السليمة، وإلتزامهم بواجبهم في حماية البلاد ضد الأخطار الخارجية وحفظهم للعهود وأداء القسم!!؟ لأصبحت صحيفة الأيام مؤسسة عملاقة تضاهي الاهرام المصرية علي أسوأ الفروض أي مؤسسة إعلامية متكاملة تتمتع بمراكز بحثها وكوادرها وإسهاماتها المهنية والتدريبية والعلمية ومستودع للدراسات والوثائق ومراكمة الخبرات والتجارب، لتضئ للأجيال القادمة الطريق وتجنبها الوقوع في نفس المزالق والأخطاء وتجريب المجرب وحصاد الندامة! ولتصبح منارة ليس للسودان فقط وإنما لعموم أفريقيا والمحيط العربي تقدم تجربتها وخلاصة مسيرتها، تدريبا وتأهيلاً ومنهجاً مما يضيف رصيد أضافي لسمعة بلاد أجبرها الإنقلابيون علي تذيل الترتيب في كل ما يفيد البشرية وحولوها الي بيئة طاردة لبنيها ومضرب مثل للسخرية والإرهاب والتخلف من قبل الجميع، بما فيها بلاد نالت حريتها بعدها وتصغرها حجماً وتأثيراً وإمكانات! المهم فوتت البلاد أو أجبرت علي تفويت فرصتها الذهبية في الانطلاق الي الأمام بعد حصولها علي إستقلالها مبكراً! وهي إنطلاقة ذات تاثير متبادل علي البلاد من جهة وعلي الإعلام بكل قنواته من الجهة الأخري وعلي مجمل العملية السياسية والثقافية والفكرية، والمحصلة مزيداً من التقدم للبلاد والرفاهية للعباد، بمشاركة وإسهام مؤسسة الإيام تحت بصر ورقابة وإدارة ربانها الماهر أستاذ الأجيال محجوب محمد صالح صاحب المبادرات الرائدة والخلاقة للخروج من عنق الزجاجة التي حُشر فيها الشعب منذ الإستقلال! وكان كما أسلفنا لدخول البلاد دوامة الإنقلابات العبثية والهمجية وتفشي الحروب الداخلية والغدر بالديمقراطية والمؤسسات الشرعية وإزدراء الإحزاب السياسية الضلع المكمل للبناء الديمقراطي والتضييق المتعمد علي الإعلام والشعب ومصادرة صحيفة الأيام أكثر من مرة ومحاربتها بصورة مقصودة وحجب الدعم المباشر والغير مباشر عنها، كل ذلك حد من إسهاماتها المطلوبة، وأفقدنا الطاقة الإبداعية الكلية لموهبة عظيمة فكريا وإداريا ووطنيا بحجم الأستاذ محجوب محمد صالح أو علي الأقل جعلنا لا نستمتع ونستفيد من كل قدراتها، ولولا صلابة وجدارة وإستقامة أستاذنا محجوب محمد صالح لحرمنا حتي من هذا الهامش الصغير الذي تحرك خلاله، ليترك لنا كل هذا الإرث الصحفي والمعرفي والإداري والأهم من ذلك المواقف السياسية الصلبة والمشرفة، التي تشكل قدوة او منارة يهتدي بها الجميع وتمنح الوطنين مزيدا من القدرة والصبر والتحمل لتجاوز هذا الواقع الأليم وتفتح ثغرة في جدار الظلم والظلام والإحباط الذي يلف كل من به ذرة من وطنية وبقايا وطن ضاع عن واقعه ولكنه باقٍ في الفكر و الوجدان!
وأستاذنا محجوب محمد صالح كرمز إجتماعي عصي علي التخطي وكشخصية وطنية محل إجماع في عمق إخلاصها للوطن وشموخ تجربتها وخبرتها وتمدد عفتها ونزاهتها، تمت دعوته للإنضمام كعضو مجلس أمناء لبعض صروحنا التعلمية وكوسيط متفق عليه لحل بعض المشاكل بين الطلبة وإدارة بعض الجامعات وغيرها من القضايا والإشكالات السياسية والإجتماعية وقد كان عند حسن الظن به مقدماً خبرته وحكمته وسداد رايه ومنظوره الإستراتيجي بسخاء وصدق وصبر منقطع النظير.
هنالك شئ صغير وأخير لا بد من ذكره في هذه العجالة، وهو مسألة التكريم الأخيرة التي تمت لشخص أستاذنا محجوب محمد صالح من قبل الأستاذ علي عثمان محمد طه إبان الفعاليات الختامية لجائزة أديبنا الراحل الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، ومعلوم منذ ميلاد هذا النظام الفاشي الفاشل وطوال وجوده القسري علي سدة الحكم لهذه البلاد المنكوبة و المنهوبة! كاتما علي أنفاس شعبها وتالفا لأعصابه! وهو يحاول ان يكسب شئ من المشروعية والقبول والمصداقية! وهي أشياء لا يستحقها و لا تشبهه! وهو في سبيل ذلك حاول أن يوظف كل الوسائل وأن يتسلل خلسة من خلال بعض المناسبات او الفعاليات مثل التجمعات الثقافية او الفنية او الرياضية، والسعي من خلالها الي التقرب أو تقديم الهدايا والتكريم لبعض الرموز الوطنية المتفق عليها، والتي حفرت علي الصخر باظافرها لتصل الي هذه الدرجة من الإحترام والتقدير الجمعي، ونالها من هذا النظام بالذات كثيرا من الأذي ليس علي المستوي الشخصي فقط وإنما بتسفيه ومحاربة عطائهم وإسهاماتهم في الشأن العام الذي ينحو نحو الخير الجمعي ويباصر في الظروف المعاكسة برفق ويعالج في الجراح التي سببها أهل الجهالات والضلال الوطني ورتق كل ما يعيق الإلتئام المجتمعي والوطني، للإنطلاق نحو أفق أكثر رحابة ورحمة بالإنسان بوصفه إنسان فقط من غير إضافة او حذف! بل وصل الأمر بهذا النظام وأشباهه من الأنظمة الإستبدادية التي أبتلينا بها، أن تشوه صورة هولاء الرموز والإساءة لتاريخهم النضالي وإنتاجهم الفكري او الصحفي او الإبداعي في محاولة يائسة لتقزيم تلك القامات الشوامخ، ووظفت لهذه المهمة الطفولية القذرة كل امكانياتها وابواقها وزبانيتها من غير خلق او ضمير! باعتبار ذلك المنتج يستهدف إستقرارها ووجودها وامتيازاتها، لذلك فهذه الأنظمة ونظام الإنقاذ علي رأسها يحاول ان يستقطب هولاء وعندما يعجز وهو ما يحدث غالباً، يحاول إبتكار أساليب أخري ماكرة وهو سيد المكر، لإشراك هذه الرموز في جرمه بكل الوسائل ومن ضمنها عمليات التكريم! أي الإصرار علي ربط هذه الرموز به وبالتالي التظاهر بإحترامها و التشبه بها، بمعني آخر هو لا يختلف عن هولاء الرموز في شئ لذلك فهو يستحق أن يشاركهم هذا الإحترام. او محاولة تصوير أن الآخرين مثله والفرق بينهما فقط أنهما كانوا أكثر دهاء وسبقوا الجميع في السيطرة علي الحكم، وهذا الإحترام الذي يكلل هذه الرموز هو صورة زائفة تخفي تحتها أطماع للمغانم التي بين ايديهم وهم بفعلهم هذا(إعطاء الهدايا وقبولها من قبل الآخرين المختلفين) يؤكدون هرولة الجميع الي المكاسب الآنية والمتع الوقتية وهذا عين ما يفعلونه ويتلقون بسببه اللوم والتقريع! قد يكون كل ما ذكر اعلاه خاطئ ونوع من سوء الظن بنظام لم يترك مساحة لإحسان الظن به! من كثرة ما خان من وعود وإنتهك من عهود ما ان يفارق مجلس إبرامها إلا ومد لسانه ساخرا مِن مَنْ يأمن له او يسلمه ذقنه ومصيره! المهم قبول هدايا من مثل هكذا نظام يشكل في إعتقادي الشخصي خصم من تاريخ هذه الرموز وهو ما لا نرضاه لرمزنا وفخرنا وتاج راسنا أستاذنا محجوب محمد صالح، مع الوضع في الإعتبار عنصر المفاجأة ورقة طبع أستاذنا محجوب بعدم رده للهدية كجزء من ثقافة مجتمعية تكره الإحراج وتبغض المتكبرين(بغض النظر عن إستغلال الموقف من قبل النظام)، ولكن كان يمكن لأستاذنا محجوب محمد صالح ان يقوم بارجاع هذه الهدية الماكرة التي تتنافي مع طبع النظام الغادر بعد إنتهاء الحفل خلف الكواليس او بعد يوم، حتي قبل أن يفتحها ويعلم ما بداخلها ثم يكتب موضوع يوضح فيه ملابسات الهدية ويتبرأ من قبولها، لقطع الطريق أمام مخططات النظام والأعيبه لجر الجميع الي بركته الآسنة، ولإماطة اللثام عن وهم الدهاء والذكاء الذي يتغطي به، وإعتقاده بانه سلاحه الفعال الذي يمكنه من كسب كل المعارك! وهذا الطلب او الأمنية او سميها كما تشاء، ليس المقصود منها تقديم نصيحة لإستاذنا المحترم محجوب محمد صالح معاذ الله وإنما أولاً دفعا لأي سوء ظن لا تحمد عواقبه يطال هذه القامة المديدة وثانياً لتفويت الفرصة علي هذا النظام المأزوم من إيجاد أي مخارج او قبول يسمح له بالنجاة من مصيره المحتوم بعد كل هذا البوار والخسران الذي سببه لهذه البلاد وشعبها من غير شفقة او رحمة.
وهنالك جانب آخر مرتبط بتقديم الهدايا بهذه الكيفية! فهذه الطريقة تمثل تفسير لنفسية تستبطن التعالي والتميز ورفعة الشأن علي الآخر (المحتفي به) المحتقر في عرفه أي هي تعيش بإحساس ملوكي او اميري او (خليفي) يمنح عطاياه وفق مزاجه ورغباته من باب التسلية او بغرض دعم مخططاته ومشاريعه الخاصة، ويكسبه جماهيرية لدي البسطاء بوصفه كريم وينسحب ذلك علي تفسير معظم سلوكه ونشاطه بإكسابه بعد أخلاقي ينسجم مع قيم وعادات هولاء المخدوعين وبالتالي يبرر غلطاته ويصعب نقده ويمنحه مزيد من السيطرة والإستمرارية! والجانب الأخطر في هذا المسلك انه يحمل طابع السلوك الرعوي العشوائي السبهللي في التعامل مع موارد الدولة وكيفية توظيفها في غياب كامل او تغييب متعمد لأي لوائح أو قوانين او قواعد محاسبية او مؤسسية تضبط موارد الدولة وكيفية إنفاقها، مما جعل مجرد معرفة أموال الدولة ضرب من المستحيل ناهيك عن معرفة جهات إنفاقها، بعد أن تعددت قنوات الإيراد القهرية وبنود الصرف الهلامية بعيدا عن متابعة ومراقبة وزارة المالية صاحبة الولاية الأصلية علي هذه الأموال وحاملة وجه القباحة عن اي تقصير! والنتيجة فتح أبواب الفساد عن آخرها ودعوة كل الجهات النافذة لتغرف منها حصتها وتجنيبها بمعرفتها الخاصة او قل مصلحتها الخاصة أي تحولت الدولة الي آلية لتراكم الأموال لدي أفراد النظام مع إفقار وإعسار وضياع لبقية قطاعات الشعب بعد تجفيف البلاد من كل إحتمالات فرص المعيشة بحرية وكرامة في ضوء النهار!
وكما نسب لغاندي مقولة( كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم) فانا أجزم أن أستاذنا القدير محجوب محمد صالح كان كما يحب أن يري العالم ديمقراطي حر حكيم صادق وأنساني،
في الختام التحية والإحترام لأستاذنا الكبير محجوب محمد صالح بإمتداد مساحة وطننا الحبيب وبعدد ذرات رماله وسعف نخيله وثمار تبلديه وروعة أبنوسه المغدور! وبطعم ذكريات عظماء هذه البلاد علي إمتداد تاريخها الطويل. نسألك يا رب أن ترعاه بحسن رعايتك وان تمتعه بالصحة والعافية والتوفيق في الدارين، وأن تعتق رقبة هذه البلاد من قبضة الخراب والهوان الذي حطم قواها وبعثر تطلعات شعبها وشتت أهلها في جميع فجاج الأرض وفرق بين المرء وزوجه وأمه وأبيه وبنيه وأخيه وفصيلته ووطنه، وان تنعم عليها بمزيد من الحرية والديمقراطية والرفاهة والنعيم يارب العالمين. ودمتم في رعاية الله.
عبدالله مكاوي
[email][email protected][/email]