أهم الأخبار والمقالات

ندفع التسوية كاش.. و نطبع بلاش؟!

لبنى احمد حسين‎

” “ناس البكا غفرو الجيران كفرو”و” الزاد لو ما كفا اهل البيت يحرم علي الجيران” هكذا تقول الحكم السودانية.. و قياسا عليها فلنخضع موضوع التطبيع مع إسرائيل للنقاش.. لدي ايضا تحفظاتي علي التطبيع غير المدروس مع تلك الدولة سأفرد له مساحة أخرى و لكن ليس من بين أسبابه مشاعر و احاسيس و اغان حماسية.

سألت من قبل في مقال نشر في الصحف الكترونية بعنوان” نتنياوووووو.. يسترالله، البيع بالكاش! ..” في فبراير الماضي الأفاضل قادة و اعضاء الاحزاب المشاركة في الحكومة و الرافضين للتطبيع بسبب ” خيانة الدمالفلسطيني” أن كيف ليس لمن ارتضى ان يكون رئيس مجلس سيادته البرهان و نائبه حميدتي ان يتحفنا بالتباكي علي الدم الفلسطيني.. اللهم الا ان كان الدم السوداني ارخص بعد أن رأينا دم احبابنا علي باب القيادة العامة. حتى بافتراض أن محض عواصف طبيعية استمرت لأكثر من خمس ساعات هي ما أودت بحياة الشهداء و اردتهم قتلى.. إغلاق أبواب القيادة العامة و امتناع المجلس العسكري عن تقديم الحماية و المساعدة يجعل قادته مجرمين تقصيراً.. فالاخلاق التي لم تردعنا عن مصافحة البرهان و حميدتي و صحبهم بينما دماء شهدائنا و جثثهم الطاهرة بعضهما لم نعثر عليه بعد.. كيف تردعنا عن مصافحة قتلة احمد يسين و الدرة وو.. فالحال من بعضه.. لكنه منطق الاضطرار الذي أرغمنا على أكل الموقوذة والمتردية وما أكل السبع بمشاركة المجلس العسكري بعد المجزرة. و هو ذاته ما “يزّين” لنا مصافحة نتنياهو.. و كما راينا بعدها الفريق حميدتي رئيسا لوفد مفاوضات السلام، ما المستبعد أن نرى نتنياهو غداً وسيطاً للصلح بين قطر وتركيا من جهة و الامارات و السعودية و حلفائهما من جهة اخرى؟.. انها السياسة يا صديقي، ان اصبت بطمام فخذ ليمونة هذا هو كل ما عليك فعله..

و اما الذين يرفضون التطبيع بحجة احتلال ارض فلسطينية، فقد كان ذلك هو الشعار الذي مشينا خلفه لعقود، فلم يزد نارنا و نار اهل فلسطين الا حطباً..و انها الحجة التي لم نتبعها لأنفسنا. ذلك ان بيننا و بين كل من مصر الشقيقة نزاع حول أرض .. و مع ذلك فنحن سمن علي عسل معها ولا ينبغي أن نكون غير ذلك .. رغم أن مساحة اسرائيل كلها ٢٢١٤٥كلم مربع و هي تزيد بقليل عن مساحة مثلث حلايب و شلاتين ٢٠٥٨٠ كلم مربع.. كما ان هناك نزاع بيننا وبين اثيوبيا الحبيبة حول أرض الفشقة التي تتراوح مساحتها ما بين ٦٠٠ ألف فدان إلى مليون فدان من أخصب الأراضي الزراعية في بلد تباع فيها الليمونة بعشر جنيهات.. هذا و قد سكتنا من قبل عن اقليم بني شنقول الذي منح ارضاً سودانية بسكانها السودانيين منذ اكثر من قرن لدولة اثيوبيا الحبيبة و مساحة الإقليم تزيد عن ضعف مساحة اسرائيل مضافاً إليها ستة أضعاف قطاع غزة.
.. ظللنا نطالب باراضينا احيانا سياسيا و دبلوماسيا و في أحسن الحالات خطابيا منبريا .. فهل نسكت عن ارضنا و نقيمها مناحة في ارض الاخرين؟

ولعلك تقول لي اذن الاستيطان، اقول لك لم اجد ما يفيد أن السودان قد دعم الثورة الجزائرية بمقاطعة فرنسا التي احتلت استيطانياً الجزائر لقرابة القرن و نصف.. و بالنهاية انتصرت الثورة الجزائرية رغم ان هناك قرابة الـ 75 الف جندي جزائري حمل السلاح ليقاتل ضد بلده مع فرنسا.. ثم قل للإسرائيليين والفلسطينيين معا ان يمنعا اذدواج الجنسية و لنر من سيختار ارض الاجداد!

ثم اننا بعد الثورة شعب يفترض انه لم يغيّر رأس نظامه فحسب، بل غير عقليته ايضا اقصد الشعب.. علاقات الدول تدار بحسابات المصالح لا المشاعر هذا مع التأكيد علي أن العلاقة الطبيعية هي الأصل بين الدول و ليس العداء. و مكتوب في وثيقتنا الدستورية ان علاقاتنا الخارجية تدار حسب مصالح السودان.. إذن
فذلك هو المبدأ.. الذي لا نعاب عليه..

و ما بخصوص الصفقة المالية التي طلبها رئيس مجلس السيادة عند زيارته الى الإمارات الأسبوع المنصرم، والتي وافتنا بتفاصيلها صحف و تغريدات اسرائيلة و التي سربت مطلب البرهان لمبلغ عشرة مليار دولار وعد بسبعة منها اقساطا و بعضها قمح و وقود، أقول كلا .. فأنا لا استنكف فكرة المطالبة بمقابل مادي في هذة الصفقة و لكن رأيّ في الكم و كيفية الدفع. ذلك ان إدارة ترامب تتشاطر علينا و تطلب الاتنين معا المال و التطبيع مع اسرائيل في مقابل ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، فهل حراما علينا ان نطالب بالمثل ؟ علي المشفقين و المستنكرين و من يرون أن طلب البرهان استخذاء.. عليهم اقناع ادارة ترامب بفصل ملف قائمة الإرهاب عن ملف التطبيع مع إسرائيل ، و رفع السودان من قائمة الإرهاب ببلاش.. حينها سنخلف قدم علي ساق و لنناقش التطبيع مع اسرائيل ببلاش ايضا..

عشرة مليار دولار مبلغ بخس، لكن قبلنا علي اية حال اذا ضخ دفعة واحدة لبنك السودان .. أما ان تستلم امريكا مبلغ تسويتها بالكاش و نستلم نحن وعودا ً و اقساطاً و ودائع و دقيق و وقود ؟ فكلا، ثم كلا.. هذه يجدونها عند البرهان اذا كان غافلاً – مع حفظ الألقاب و الرتب- ماذا اذا لم يفي الواعدون بوعودهم أو عاد المودعون و سحبوا جل اموالهم بعد إيداعها بعد ان طبعنا و زغردنا و أطلقنا علي نتنياهو لقب ” الحبيب” بعد أن أكل من طبقنا ؟.. كما أكلت الاميرة المقلب؟

سبب أخر يجعل سودان الثورة يفكر بطريقة مختلفة هو أن عشرات الفصائل المسلحة المعارضة لنظام البشير فشلت في اسقاطه حربا لكن ثورة الشعب سلما و توحدا هي ما أسقطته.. هناك ادوات اخرى غير الحرب و العنف من جهة أو الخنوع من جهة اخرى.. فماذا استفادت فلسطين و العرب من الحرب؟

فماذا استفادت فلسطين من الحرب؟ و ماذا استفادت من التطبيع ؟ انا اقول لك.. قرار تقسيم فلسطين (القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة) بتاريخ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧م قسّم أرض فلسطين الي دولتين عربية و اسرائيلة مع وصاية دولية علي القدس..ساند اليهود الخطة و رفضها العرب..وانتهي تصويت جمعية الامم لصالح التقسيم. يقال ان الملك عبدالله الاول ابن الحسين الهاشمي ملك الاردن كان من رأيه حينها قبول الخطة استنادا علي صلاة استخارة .. و الحقيقة ، أنه عدا ان تكون رؤية غيبية، فلا منطق عقلاني يتقبل اخذ من يملك اكثر من ٩٠% .. من الارض لاقل من نصفها بينما يأخذ مالك العشر لاكثر من النصف خصوصا و ان النسبة نفسها لم تكن تتناسب مع عدد السكان لكل فئة.. فهل ساعدت الحرب قضية فلسطين؟ للاسف كلا، بعد حرب النكبة١٩٤٨م التي يسميها الاسرائيليين حرب الاستقلال، احتلت إسرائيل نصف الأرض التي خصصها قرار التقسيم الأممي للعرب ..و مع ذلك حافظ الجيش العربي الاردني علي الاقل علي القدس و كامل الضفة الغربية.. ثم ماذا بعد؟ احتلت إسرائيل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، الضفة الغربية و القدس الشرقية، وهضبة الجولان في حرب النكسة ١٩٦٧م..

أهل البكا غفرو .. وارتضى الفلسطينيون باتفاق أوسلو.. صحيح كان لمنظمة التحرير الفلسطينية أسبابها ، أنسدّ الافق امام منظمة التحرير فدفعت ثمناً ليس لها يد فيه عند انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي و اختلال موازين القوى الدولية . كما كان لابد لها أن تدفع ثمن موقفها الذي أيد احتلال صدام للكويت.. نحن أيضاً لا نخلف رجلا برجل حينما نقررت المضي قدما في الاعتراف بإسرائيل.. بل ندفع ثمن أخطاء المتأسلمون في العهد البائد.. ندفع كشعب ثمن أرهاباُ لم نشارك فيه بينما ستشمل الصفقة كما بشرونا – باعتباره امر ايجابي – على حماية الكيزان من أي مسآءلة مستقبلية من قبل الامريكان ..

ماذا كسبت السلطة الفلسطينية نفسها من التطبيع؟ علينا ان لا ننسى ان اعتراف منظمة التحرير باسرائيل قابله اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية” والذي وفر لها المأوي بوطنها الأم و هي التي طٌردت من قبل من الأردن ولبنان فسكنت علي بعد آلاف الكيلومترات في تونس. و يظل تحوّل السلطة الفلسطينية المقيمة بارضها و المحتكة بشعبها إلى دولة ، اقرب من تحول فصائل وأجنحة فلسطينية مبعثرة و متعاركة فيما بينها إلى دولة .. كذلك حصلت السلطة في العام ٢٠١٢م علي موقع مراقب غير عضو بالأمم المتحدة رغم اعتراض اسرائيل و امريكا و لعل ذلك يقربها من قرار التقسيم الذي رفضه الفلسطينيون او دفعهم العرب لرفضه في نوفمبر١٩٤٧م.

[email protected]
نشر بصحيفة الديمقراطي

تعليق واحد

  1. أن أردنا أن نتحدث من منطلق سياسى فأن القضية الفلسطينية لا تختلف من قضايا القرم بأوكرانيا وأوسيتيا الجنوبية بجورجيا , ولا الجزر اليابانية _ التى تحتلهم جميعا روسيا.
    ولا كركى وقره باخ بين أذربيجان و أرمينيا . وما الجزر الاماراتية المحتلة أيرانيا ببعيد.
    فهل قاطعت الحكومات السودانية أيران أو روسيا أو أرمينيا ؟
    هل ستقاطع الحكومة السودانية _ الصين_ نتيجة تغولها على الاراضى الهندية فى نزاعهم الاخير؟
    وماهو مصير العلاقات السودانية (الأثيوبية_ المصرية) اللذان يحتلا أجزاءا واسعة من الاراضى السودانية حتى هذه اللحظة؟
    وعلى ضوء ما ذكرنا أعلاه يتبين أن الحكومات السودانية وحتى الساعة مازالت تبنى أستراتجيتها السياسية على دوافع (أيدولوجية) ثار عليها الشعب السودانى أبان الخليفة التعايشى ليعيد الكرّة فى ديسمبر المجيد, بعد أن تبين له مدى خطل أجندتها وبعدها عن الواقع.
    ونضيف على ماسبق بأن تلك الايدلوجيا ماهى الا غطاء واهى لتقاطعات المصالح العالمية أقتصاديا قديما و أمتداد لجزوة الحرب الباردة السابقة و الآنفة _ حديثا.
    والا ماذا يفسر سكوت (الايدولوجيين) أنفسهم و الانتقالية نفسها عن (القضايا العالمية المشابهة و المذكورة أعلاه) ؟
    من المؤسف أننا مازلنا نراوح بذات العقليات المنغلقة , وأن السياسات السودانية الحالية رغم تجاربها السودانية الغزيرة _ لم تتعلم دروسها ولم تتعظ من عبرها بعد.
    .
    رأى سياسى :
    التطبيع لا يعنى بأى حال الاصطفاف مع جهة ما _ ضد قوانين وقرارات الامم المتحدة بحل الدولتين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..