مقالات وآراء سياسية

نظرة في كتابات المُريد البرليني للكاتب والشاعر السوداني أمير حمد

د. حامد فضل الله

نظرة في كتابات المُريد البرليني للكاتب والشاعر السوداني أمير حمد ناصر
د. حامد فضل الله  برلين
صدر هذا العام (2020) عن “مؤسسة الدليل للطباعة والنشر ــ برلين”، كتاب جديد للكاتب والشاعر أمير حمد ناصر، بعنوان” طيف وراء النافذة”، مضيفا بذلك الى مجموعات كتبه التي صدرت تباعا من نفس الدار،  بالعناوين التالية: ـ مساء متوتر على نهر هافل ــ منزل تحت القمر ــ هجرة عكس الريح ــ عودُ على بدء. كما كتب مع حكيم الهشومي السينمائي المغربي سيناريو مقترح لتصوير رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” سينمائياً.
منذ وطئت قدمي أمير أرض برلين،  لم يفارق القلم يده. أمير الذي أهلته الشهادة الثانوية لدخول الكليات العلمية، أختار كلية الآداب، شغوفاً بالأدب منذ الصغر، فبدلا من الجلوس في صالات التشريح في كلية الطب، فضل الجلوس في صالات كلية الآداب الرحبة، ليقوم لاحقاً، بتشريح المجتمع، أي الكل بدلا من الجزء.
يهدف هذا المقال بالتعريف بصورة عامة، لإنتاجه الوفير والمبدع. وكتابه الأخير لا تحكمه وحدة الموضوع، وإنما يضم في طياته، مثل سائر كتبة السابقة، القصص القصيرة ونصوص مفتوحة والشعر وقصيدة النثر ومقالات صحفية وبحوث وترجمات وعروض كتب وسيناريوهات.
يتميز أمير بسرده الشيق ولغته المرهفة الشاعرية، ممزوجة بمسحة صوفية، وبرلين، التي يعيش فيها منذ ما يربو على أربعين عاماً، هي مسرح قصصه القصيرة الجميلة، التي يمتزج فيها الخيال بالواقع. فقصة “الكتاحة” ــ العاصفة الرملية، تعود به الى ذكريات الوطن الحميمة، وهو يتطلع من نافذة القطار المتوجه الى عاصمة أوروبية. أما قصة “مكالمة”، فأنني اعتبرها قمة قصصه القصيرة.
لنقراْ المدخل:
ــ “برنس
مترددة أتت نبرات صوتها الناعم عبر الأثير. لم أصدق مسمعي فقد حفرت في ثنايا ذاكرتي بصوتها، بأحرف “برنس”،  منقبة عن معبد حب غريق. ¬
ما من أحد سواها يدللني بهذا الاسم . لأكثر من عشرين عاماً وأنا قيد هذا الحب الغريب لامرأة. أكثر غرابة ودهشة من دهشة ابني الصغير حينما رأى البحر لأول مرة”…. لقد عرفت بأنها توفيت في حادث حركة وهي في طريقها من نيوأورلينس  الى برلين…
“كل شيء حولي يذكر بها. هنا الآن وحدي جوار مقعدها الشاغر اصغي لأغنيتها،  عينها تنساب حزينة  كل آهة،  حرف، نغمة،  وايقاع يزحم فضاء غرفتي  يعيدني اليها.
فأردد في سري كلمات سطرتها لها من فرط حنيني
أعوذ بك
من أرق
يا منقذي وحيرتي
حين يغلبني الحنين، إلى رؤاك
فأزفه
حلما سرمديا
على صروحه  نلتقي
أعوذ بك منك
حين بصبح المساء شرفة
للعاشقين
يثمر الحنين
في رنين نخبهم
وأنا هنا
مفرد،
أبصر السنين بيننا
أبحرت
في قارب من ورق”
ــ تكتب البروفيسورة أنجليكا نويفرت مديرة معهد الدراسات العربية السابقة في جامعة برلين الحرة، معلقة على قصتين (مكالمة ومع مصور فوتوغرافي) لـ أمير حمد في كتابنا الألماني المشترك. “قصتي أمير حمد ناصر الباحث في الأدب العربي، إهداء لذكرى عاشقة فُقدت أو صديق رحل، وهما مصاغتان بحنين و مشحونتان باقتباسات من الشعر أو من الأغاني”.
ــ قصائد أمير غالبيتها قصيرة ومكثفة، هنا مثال لقصيدتين من الشعر المنثور:
الطائر
عرى الشتاء شجر الدردار
حذو نافذتي
لكن العصفور
القابع وحده، فوق الغصن
كأثر الصيف
غطى عريها
بحشمة ريشه…
بوقار العزلة
يتأمل الشاعر ــ في هذه القصيدة المكثفة المبدعة ــ من نافذة، اشجار جردا كساها الجليد بثوبه الابيض،  أشجار امتدت اغصانها الكثيرة  الى السماء وثمة  طائر مفرد جميل جالس على احد اغصان اشجار الشتاء هذه، المنتشرة على الجليد.

ــ مقابلة

وردة اقتطفتها
هذا المساء حبيبتي
عاجلا اليك
ازف روحي
كوهج الشمع الذائب
.في ضوء الشمس
عاجلا اليك
سبقتني الوردة
فالورد سباقة
كتب أمير قصيدة بعنوان “في حصار غزة”، وأخرى “مرثية إلى محمد الدرة الطفل الفلسطيني الشهيد”:
تسألني أطفالي عنك
وأنا في تلك اللحظة لا
لا أعرف كيف أموه طعم الحزن
تسألني
عن ذال القلب النابض
قبل هنيهات
لم يكمل نزهته
من بيت للآخر
…..
ما أكثرنا حين نشيع موتانا
… ونطوف بالراية
والصف الشاغر
سقطتْ
سقطت أطفال الخرطوم.
وينشد:
إلى محمد مهدي المجذوب
وحيداً..
تبارحك القوافل
والبيتُ المقفى..
آخر العقد الأمين
نامتْ جياع الشَّعب
حول النارّ نامت
بتسويق، الحص
عن أيّ كون سؤلك…
في الحلم الأخير
عن مثالب
وحشة الأيام
في منفاك
عنك
عن بكائك
أيها الشّيخ الجليل
كالفتى نصف الاِله، تزجر الغرباء
عن حوض اليتامى
بالخليل توقّع اللحن لبغداد المدينة
بغداد زنى بها ابنها
والنهر نفس النهر، يربو
بالضيوف الفاتحين.. وبالمداد..
آخر العقد الأمين وقد غفوت
أي موتِ ذا
يضاهي موتك.

الطيب صالح وأمير ومصطفى سعيد، عرُى لن تنفصل
لنقرأ هذه القصيدة الرائعة:
مصطفى سعيد*
آه مصطفى
أأأأأأأأأأه
وددت ألتقيه
لكنه اختفى
تضافر، تأمر
النبيذ والظلام
على سرّه
فروى
ليته .. ليته بالصّمت اكتفى
سره، منبع العذاب
قصة، تغالب … تواكب العصور
تنضوٍ  تلبس
سحراً فسحر
زفها الخُلود
أسطراً .. في كتاب
* بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح
في فصل دراسات وترجمة وعرض كتب
قام أمير بعرض ممتاز لدراسة بعنوان “العرب في برلين” للباحثين البروفيسور هوب ود. جيزمان، وتمثل الدراسة عرضاً مرحلياً لتاريخ العرب في برلين منذ القِدم، من عام 900 إلى العصر الحديث مروراً بالحربين العالميتين وأتحاد الألمانيتين. ولعلني أشير في هذا الصدد الى الدراسة القيمة أيضاً، للبروفيسور غيرهارد هُب بعنوان “العرب في الحرب الأهلية الاِسبانية”، وقد قمتُ بعرضها وترجمتها ونشرت في مجلة الآداب البيروتية العدد 10  11 ، 2008 .
يكتب أمير في عرضه لكتاب (إني أتّهم) للكاتبة الصومالية عنان حرصي على، “إن الغرض من عرض  ترجمة كتاب إني أتهم، هو عكس ونقد ما كتبته الكاتبة من نقد حاد للإسلام وأطروحات أخرى مناوئة باللغة الهولندية ليتيسر للقارئ الكشف عما يدور في الغرب من قضايا تعني بالإسلام ومجتمعه لا سيما العربي منه”. أخذ العرض 30 صفحة من كتاب لا تتعدى صفحاته 128 صفحة، والكتاب لا يستحق مثل هذا الجهد، فمثل هذه الكتب الدعائية الرخيصة، التي تكاثرت في الآونة الأخيرة، أصبحت أغراضها مكشوفة ولا تحتاج للتعرية. ولو أكتفي أمير بنشر تعقيبه الممتاز (6 صفحات)، لكان هذا كافيا وأكثر، لتحقيق هدفه من عرض الكتاب.
في فصل “من ملف مشاهير الأدب الالماني العالمي”.
قدم أمير تعريف جيد ووافي  للكاتب والروائي هاينرش بول، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1972
أما الروائي العالمي توماس مان، فيقدمه أمير  عبر معلومات لا تتعدى، تاريخ ميلاده ورحيله وتاريخ أسرته الممتدة. لماذا هذا التكثيف والاختصار لكاتب عالمي كبير؟
يعمل أمير صحفيا بصفة دائمة منذ عام 2004 بمجلة الدليل البرلينية الشهرية، وتتركز ابحاثه وتقاريره عن قضايا اللاجئين والاِسلام السياسي وحقوق الاِنسان، وهو يسد بذلك ثغرة هامة في هذا المجال.
حصل أمير على درجة الدكتوراه بدرجة الشرف في الأدب العربي عن أطروحة بعنوان “أثر البيئة في أعمال الأديب السوداني الطيب صالح”. وأذكر أنني قدمت عرضا (عام 2013)، لرسالة الدكتوراه (غير منشورة). بعنوان “المُريد البرليني للطيب صالح (مفتوناً وروائياً وباحثاً)، وهنا ليس المجال لسرد ملاحظاتي النقدية، وإنما اريد أن أشير بأن أمير مفتون ومسحور بكاتبنا الطيب، يصل حد الهوس. وحتى في قصصه واشعاره تتردد دوما، أسماء شخصيات الطيب الروائية مثل مصطفى سعيد والفحل ود الريس وبت مجذوب …، وفي قصته “مكالمة” تجد أصداء لمصطفى سعيد …، بالرغم من أن تموضع الأسماء في نص أمير ليس نشازا، الا إنها تخلق لبساً للقارئ، الذي لا يعرف خلفياتها. لن يخلع أمير جبة طيبنا الصالح، وليس هو الوحيد الذي تطوقه الجبة.
يكتب الفنان حسن موسى (فرنسا):
“المشكلة مع أدب الطيب صالح، هي في كونه فرض على الكتاب جملة من التصاوير الأدبية الجبارة التي أمسكت بخناق الكتاب السودانيين [ و غير السودانيين] و لم تترك لهم فرقة يتنفسوا فيها .يعني أي زول داير يحكي عن مشهد العلاقة بين السودانيين و الأوروبيين يلقى الطيب صالح حارس ليه الدرب و يلكزه من وراء لمّن يقعده في القالب الطيب صالحي. يا أخي خليك من سرديات العلاقة الكولونيالية المعقدة بين الشرق و الغرب، الليلة ما في زول قعد كتب عن القرية السودانية بدون ما يمرق من ود حامد العنيدة. وغير ذلك كثير. و أظن أن أصل المشكلة هو أن معظم كتابنا قرأوا الطيب صالح و تكاسلوا عن قراءة الكتاب الذين قرأهم الطيب صالح”.
نشير هنا إلى ضرورة مراعاة التبويب والتدقيق، لتحاشي الأخطاء الطباعية مستقبلاً.
هذا عرض عام ومكثف لإعمال هذا الصوفي المعذب، والذي ظل مثابراً وقادراً أن يتحفنا بكل ما هو جديد وجميل ومثير. التهنئة والتحية لك يا صديق الغربة ورفيق الدرب الثقافي المُضني والممتع في عين الوقت، ونحن في انتظار روايتك، التي بشرتنا بها.

حامد فضل الله
E-mail: [email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..