باقان وحصان طروادة وجزاء سِنِمَّارٍ !ا

باقان وحصان طروادة وجزاء سِنِمَّارٍ !!

تيسير حسن إدريس
[email protected]

إنَّ الموقفَ -الذي باتت ترزح تحت وطأته قيادات التيار الوحدوي المنحور داخل الحركة الشعبية بعد تخليها عمليًّا عن برنامج (السودان الجديد) الداعم لوحدة الوطن على أسس جديدة- مزلزلٌ ويصعب التواؤم معه والتوازن في ظلِّه، فالإحساسُ بالإحباط والهزيمة الداخلية من أقسى المشاعر الإنسانية التي قد تقودُ صاحبها للردة والتطرفِ وتدفعُه لمنزلقٍ ليس له قرارٌ حتى بتْنَا نخشى على تلك القيادات التي غدت تهجر مواقعَها الوحدويَّةَ متوجهة بحدة نحو الانفصال من الإصابة بمرض (الشيزوفرينيا)، من فرط التغيير الفجائي الذي حاق بها ودفعها لتبني خيار الانفصال عوضًا عن الوحدة في (موسم الهجرة إلي الجنوب)، فهجروا مواقعهم الوحدوية وأمسوا ملكيين أكثر من الملك ولله في خلقه شئون، ولكن يبقى قَصْرُ النَفَسِ النِّضالي وهشاشةُ الموقف المبدئي واستعجالُ الوصول لبر أمان الكرسي الوثير وامتيازاته بدلاً عن هجير النضال الطويل هو القاسم المشترك الأعظم بين تلك القيادات المهاجرة لضفاف (الاستكانة) بعد أن تخلَّتْ عن القناعات ووأَدَتْ الأحلام بوطن (حدَّادي مدَّادي باسْمه كتبْنَا ورطنَّا).
قد يكون هذا الموقفُ مفهومًا في إطار الممارسة السياسية البحتة رغم ابتذاله وتحيده للجانب الأخلاقي الذي يعتبر السمة الأطهر للثوار أصحاب المشاريع الثورية والتحررية الكبرى الذين تحرروا من معادلة الربح والخسارة الشخصية وأبعدوها من حساباتهم وفق قناعاتهم الثورية المتكاملة فالغايات إلى منتهاها ولا يقبلون أنصاف الحلول يمضون إلى نهاية الشوط ولو تساقط من حولهم الآخرين هؤلاء رجالٌ سمو وغدو رموزًا يصعب الوصول إلي علياهم إنهم أولي العزم من الرجال أمثال (مانديلا وسمورا مشيل وجون قرن) لا يجود الزمان كثيرًا بمثلهم؛ ولكن يمكن لمن أراد وكان صادقَ النية أن يسيرَ على خطاهم ويقتدي بنهجهم .
إنَّ المدهشَ في تيار الوحدويين (المهاجر) لفسطاط الانفصال، سرعة التحول الدراماتيكي في المواقف والتبني السافر للخطاب الانفصالي حتى تفوقوا على عتاولة الانفصاليين وبزُّوهم متناسين أبسط قواعد الممارسة السياسية والتي من أبجديتها المحافظة على (شعرة معاوية) وهي الحد الأدنى من العلاقات التي ربطتهم بأصدقاء وحلفاء الأمس فدواعي الفطنة السياسية تستوجب دائمًا ترك الباب مواربا والحكمة توجب عدم حرق الأشرعة التي حملتك وعبرت بك لمرافئ وضفاف القناعات الجديدة فقد تأتي رياح مصالح القوى الدولية بما لا تشتهي السفن وتعود طائعًا أو مجبرًا إلى أحضان الضفاف المهجورة فقانون (هوبز) الشهير (لا أخلاق في السياسة) يخذل متبعيه في أحوال كثيرة لذا فممارسة فن الممكن تتطلب التحلي بشيء من اللباقة واللياقة والخلق ولو على سبيل التجمل.
إنَّ المؤلمَ والمحزنَ حقًا في مواقف تيار الوحدويين المهاجر أو ما يمكن تسميتهم (بالانفصاليين الجدد) هو محاولاتهم لرمي تبعات توجههم الجديد على عاتق إنسان الشمال البائس والمغلوب على أمره وأحزابه إجمالا ودون أدنى تمييز والانسلال من وحل الواقع الكارثة الذي شاركوا في صنعه عندما اختاروا أن يدخلوا في مساومة سياسية مصيرية تخص كافة شعب السودان منفردين مع العصبة الفاسدة من المتأسلمة الجدد رغم تحذيرات القوى السياسية التي تعلم مدى خطورة مشاريع وتوجهات المتأسلمة الجدد الرامية لهدم المعبد القديم فوق الرؤوس وبناء دولة المشروع الحضاري المزعوم ولو كان الثمن تمزيق الوطن وتشريد أهله (فالغاية تبرر الوسيلة) هي شريعتهم وبرتوكولاتهم المخفية التي ألبسوها دثار الدين الحنيف.
فالصورةُ كانتْ واضحةً أمام قيادات الحركة الشعبية منذ البداية وهم يخطون الخطواتِ الأولي في الطريق الذي وحَّدََ بينهم وبين المتأسلمة الجدد في آخر المطاف وأدَّى لأنْ يتشاركا الحكم سويا ويتحكَّما معًا شمالا وجنوبا في رقاب البلاد والعباد بعد أن أقصوا بقية القوى السياسية، وهم فرحين بما كسبت أيديهم ولا يستحون من أن يفاوضوا المتأسلمة ليلاً بلسان الشريك، ويخدعوا الشعب صبحًا بلسان المعارض، فأجادوا حَبْكَ فصول دراما (التشاكس) طوال الفترة الانتقالية (وإذا ما نالوا مرماهم جفوني وقالوا حبي جنون).
وما لبثوا أن تنكَّرُوا للبرنامج الذي طرحوه وأدَّى لالتفاف قطاع عريض من أبناء الشمال الذين آمنوا به وهجروا أحزابهم السياسية التي أهَّلَتْهم وخلقتْ منهم كوادرَ يعتدّ بها ليقعون لقمة سائغة في فكِّ الحركة الشعبية التي الْتَهمتْهُم بشهية وتغذت على دسامة محتواهم الفكري والتنظيمي واتخذتهم (حصان طروادة) الذي اجتازت به المنعطفات السياسية الأخطر في مسيرة نضالها للوصول لبر أمان الكيكة الأشهى ثم لم تتورع من بعد ذلك أن تتقيأ بقاياهم -قليلة الدَّسم- بفم أمينها العام السيد باقان أموم في لقائه الصحفي الأخير مع صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية المنشور بتاريخ الأربعاء 08/12/2010م أنه ولعمري هو النكران والخذلان المبين بعينه.
فإذا بلعنا مبررات الانفصاليين الجدد التي يدفعون بها في وجه حلفاء الأمس من أحزاب الشمال فكيف بالله نستطع هضْمَ وتبريرَ تنكُّرِهم لرفاق السلاح والخندق أعضاء الحركة الشعبية من أبناء الشمال الذين قضوا زهرة شبابهم منافحين عن مواقفها ومناضلين في صفوفها ومنهم من استشهد في ساحاتها فداءً لقناعاته بوحدة الوطن فهل جزاءُ الإحسانِ إلاَّ الإحسانُ؟!! وهل يجوز بعد أن ناضلوا وكافحوا أن يتركوا لمصيرهم يرزحون تحت وطأة جرح عميق وهمٍّ ثقيلٍ وليلٍ طويل، فماذا يعني الأستاذ باقان برده البارد المستفز في لقائه بصحيفة (الشرق الأوسط) من أنَّه لا علم له بمواقف أعضاء الحركة من أبناء الشمال من قضية الانفصال ويجب عليهم أن يوضحوا موقفهم ؟!! وهل يجوز تنظيميًّا أنْ لا يعلم أمين عام حركة سياسية حقيقةَ مواقف عضويته وخياراتها؟!! أم أن (الكيمان ) قد فرزت داخل حركته ما بين عضو جنوبي وآخر شمالي وانتهى الأمر؟!! إن هذه الإجابةَ من السيد باقان مربكةٌ وجارحةٌ بكل المقاييس ولا يضاهيها مأساوية إلا مصير سنِمَّار في أسطورة (جزاءُ سِنِمَّارٍ) الشهيرة.

تيسير حسن إدريس

تعليق واحد

  1. كل اناء بما فيه ينضح واعجب لمن يصفون سياسو الجنوب والحركة الشعبية بالذكء والمقدرات وهم لم يقدمو حتي الان هذه المقدرة والتكتيك بدليل انكسارهم امام اول اختبار حقيقي لمبادئهم وتوجهاتهم الفكرية وبرامجهم السياسية(السودان الجديد) بل الاسوا من ذلك تنكرهم لشركاء النضال من ابنا الشمال والنوبة في دلالة واضحة علي ضعف المبدا واخشي ان اقول الاخلاق ايضا

    اتمني للاخوة في الجنوب حكاما افضل منهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..