مقالات وآراء

وداعاً رفاق الدرب المناضلين العظماء

د. محمد مراد

تواصلت وتراكمت أحزاننا ومأسينا عقب ورود أنباء رحيل مناضلين من صفوف الشعب السوداني وهبوا كل حياتهم لنهضة السودان رحلوا علي التوالي الرفاق حسن شمت وحسن العبيد وكمال مبروك وجاء رحيلهم مفاجئاً ومباغتاًوهو بلا شك فقد كبير للحزب الشيوعي وللحركة النقابية والتي أسهموا في إرساء قواعدها وأمدوها بالمعرفة والعلم والقوانين النقابية العمالية ومطالب المشردين من العمال إضافة إلى مطالبهم السياسية والإجتماعية علاوة على ذلك التوعية والتاكتيكات المدروسة لرفع الوعي ومعرفة الاساليب التفاوض ورفع المذكرات وتنظيم الوقفات الإحتجاجية والإضرابات والعصيان المدني.

الرفيق كمال مبروك وعقب تخرجه من الجامعة تفرغ للعمل الحزبي السري والعمالي وقد تعرفت عليه أثناء فترات الإعتقال المختلفة حتى إنتفاضة مارس أبريل 1989 وقد تطورت علاقته بنا كأسرة وتوطدت صلاته الإجتماعية بشكل وثيق مع زوجتي خديجة الرفاعي ودارت بينهما حوارات ومناقشات حية في عدة قضايا، شملت السياسة وقضايا المراة والطفل كما تناولوا قضايا مختلفة تميزت بالصراحة والوضوح وعندما سافر إلى القاهرة للعلاج كان على إتصال دائم معنا لترتيب أوضاعه العلاجية وظل التواصل بيننا حتى قبل ثلاثة أسابيع من وفاته.

وقد كان رمزاً من رموز التضحية ونكران الذات والبعد عن المغانم الشخصية
تعرض كمال مبروك لصنوف شتى من التعذيب والملاحقة والفصل من العمل، وفي نهاية الامر تعرض الرفيق كمال مبروك للإصابة بمرض السرطان الذي أودى بحياته نتيجةً لانقطاعه عن تناول الادوية التي لم تكن متوفرة في السودان. وقد كان رمزاً من رموز التضحية ونكران الذات والبعد عن المغانم الشخصية.
الرفيق العزيز المناضل الجسور حسن شمت هو أحد قادة الحزب البارزين الذين ظلوا مرابطين في الصفوف الأولى يدافعون عن قضايا الشعب وحقه في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تصون حقوق المواطنين المثبتة والمنصوص عليها في دستور البلاد ومواثيق الامم المتحدة.

العلاقة بيني وبين الرفيق حسن شمت يرجع تاريخها للفترة الاولى من الحكم العسكري بقيادة الجنرال ابراهيم عبود، عندما تم تكليفي بحمل رسالة من قيادة الحزب في الجزيرة لإيصالها إلى العاصمة الخرطوم وحينها كنت في المرحلة الثانوية.

حيث الترتيبات المتفق عليها للرفيق حسن شمت تعددت بعد ذلك المهام واللقاءات وأولها كان مؤتمر اتحاد الشباب والذي إنعقد في احدى قاعات جامعة الخرطوم، وكان حسن شمت كعهده شامخاً فرحاً وبشوشاُ تحيط به كوكبة من أعضاء إتحاد الشباب وكان يقود المناسبات ويقدم الإقتراحات والمبادرات والإتصالات التي جاءت مع الوفود للمشاركة من مختلف مدن السودان واستطيع القول بأن نجاح المؤتمر في الكثير من أوجهه يرجع الفضل في ذلك للنشاط الدؤوب الذي بذله حسن شمت.

تلك كانت مرحلة هامة من بدايات حياته العامرة بالنشاط و التطلع لمستقبل باهر سعيد، ولمع نجم حسن وتعددت مواهبه ومداركه في النشاط الجماهيري والسياسي والإجتماعي وأصبح أحد كوادر الحزب الناشطين الذين لا يشق لهم غبار من ناحية الثبات على المبادي وتقديم كلما يستطيع للمستضعفين والفقراء وكما ورد في التراث الشعبي فهو (جمل الشيل البشد الحيل والبشيل فوق الدبر ما بميل) للأسف الشديد المجال لا يسع لذكر الإمكانات والخبرات التي كان يتمتع بها وأشير بإختصار إلى أن شمت عمل في مجال التربية والتعليم كمدرس للغة العربية وكصحفي ناجح أثناء الفترة التي قضاها في صحيفة الميدان حتى وفاته، كما أنه كان إدارياً متمكناً تولى إدارة المركز الثقافي التابع لجمهورية ألمانيا الديمقراطية بالخرطوم وهناك أنباء كثيرة ومعلومات ثرة عمل بها الراحل لكن في تقديري أن معظم الرفاق القياديين في حزبنا جبلوا على التواضع والبساطة والبعد عن الأضواء الكاشفة لذلك تظل قضية التوثيق واحدة من قضايا الحزب المرتبطة بنشاطه.

في ذات مرة من المرات حدثني الرفيق الدكتور ابو آمنة ابو محمد عن الفترة التي قضاها وعاشها في مدينة جبيت شرق السودان وتعرف فيها على الراحل ابراهيم ذكريا الذي كان يسكن فيها مع خاله وكان يعمل في هيئة السكة الحديد وكان ابراهيم ناشطاً في فرع الحزب في جبيت، وقد انتبه الرفاق لنشاط والدور المميز الذي كان يلعبه ابراهيم في فرع الحزب هناك، لذلك قاموا بزرع شجرة وأطلقوا عليها شجرة ابراهيم زكريا .

شكل رحيل ابراهيم مفاجاة كبيرة للسودانيين والأجانب بعد إنتشار خبر وفاته فوفد إلى براغ أعضاء اللجنة المركزية دكتور عز الدين علي عامر والاستاذ الصحفي محجوب عثمات قادمين من لندن كما شارك في التشييع دكتور الرشيد خلف الله والدكتور حسن الجزولي وعدد من ممثلي إتحاد النقابات العمال العالمي على راسهم سكرتير الإتحاد كما شارك نقابيون من البلدان الاوربية المختلفة وكان الدكتور عز الدين قد القى كلمة رصينة عدد فيها مناقب الفقيد والمهام و الادوار التي لعبها في مجال العمل النقابي والسياسي والاجتماعي ووجه نداء للوحدة ورص الصفوف قائلاً ( أنا إن رحلت خذ مكاني يا رفيق)
الرفيق الخالد حسن العبيد، فهو يمثل حالة نادرة وهو من الشخصيات الفريدة التي مرت على تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، وقد إنتمى للحزب الشيوعي إنتماءً صادقاً قدم له كل قطرة من عرقه ودمه منذ لحظة الانتماء وحتى وفاته الفاجعة، كان مدرسة بحالها، قضينا ثماني سنوات داخل المعتقلات

تولى خلالها المسئولية التنظيمية لفرع الحزب داخل المعتقلات فأبدع واجاد في ذلك وأقول بملء الفم انه عالم ومفكر في شئون العمل التنظيمي في الحزب الشيوعي، بالاضافة الى التضحيات الجسام التي قدمها مع رفيقيه الراحلين

جمعنا سجن كوبر وبورتسودان وشالا وغيرها من سجون السودان المختلفة تلازمنا الخاتم عدلان وحسن العبيد وشخصي ورفاق آخرين ،لكن ثلاثتنا قضيناالفترة الاطول.

وكان حسن العبيد قد إختفى عقب ردة ٢٢يوليو ١٩٧١ الدموية في مدينة كوستي، وهناك بدأ في رص الصفوف وتجميع عضوية الحزب بشكل منظم ودقيق، كما ساهم مساهمات كبيرة في تأمين الكادر في عدد من المدن، وظل يواصل عمله بصبر ومثابرة، شكل مع رفيقنا العزيز الفاتح الرشيد ثنائياً في غاية الانسجام ، وكانت مدينة كوستي وعمالها يدينون بالفضل الكبير للفاتح الرشيد وحسن العبيد والسر احمد البشير، وأي من هذا الثلاثي تعرف مدينة كوستي فقد قدموا لهم كل صنوف المعرفة في تواضع العلماء.
وكان حسن العبيد قد عمل في شركة سكر كنانة وكون فيها اول المجموعات النقابية العمالية، وقد أولى العمال الموسميين النصيب الاكبر من الاهتمام اذا كان يطلق عليهم ( الكتكو) والكلمة محرفة من الانجليزيةget out
دقة الراحل حسن عبيد جعلته يوظف كلما يتوافر داخل المعتقلات ليخلق منها مادة مفيدة في الكتابة، والتي كان يقوم بها محتفظاً بكل الاسرار، وعندما حررتنا جماهير الشعب السوداني يوم ٦ أبريل ١٩٨٥، كان اول ماقام به حسن العبيد هو ان جمع كل الارشيف الخاص بالعمل التنظيمي داخل المعتقلات بعد ان رصد كل شئ بشكل يدعو للإدهاش ، ورغم شخصيته المرحة البشوشة لكنه كان كحد السيف في كلما يتعلق بالنظام والانضباط.

رفاقي كمال مبروك وحسن شمت وحسن العبيد، ستظل ذكراكم العطرة خالدة فواحة وسيحتفي شعبنا وحزبنا بكم ضمن ابطاله الذين سوف يخلدهم التاريخ.
عزائي لاسركم ولرفاقكم في الحزب الشيوعي ولكل من عرفتم وناضلتم من أجلهم.

د. محمد مراد براغ

تعليق واحد

  1. سلام استاذ دكتور محمد مراد ،
    استاذ التاريخ بكلية التربية جامعة الخرطوم في السبعينات و الستينات
    بالنسبة لمصطلح كتكو هو اصلاً لعمال قطع القصب بعد حرقه في الحقل ،، وهو مأخوذ من المصطلح الانجليزي التسمية الانجليزية Cut and Go

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..