أخبار السودان

نزع السلاح في السودان برميل بارود قابل للانفجار

عملية تجميع أسلحة المدنيين والمتمردين ليست هدفا واقعيا في غياب السلام الدائم

هاجس تجميع قطع السلاح من الأفراد والمجموعات المسلحة في السودان يشكل أصعب خطوة في اتفاق السلام الموقع السبت الماضي بين الحكومة الانتقالية والمتمردين بعد قرابة عشرين عاما من الحرب الأهلية. ويتفق المتابعون على أن هذا الملف بحد ذاته معقد للغاية إذا لم يظهر طرفا الاتفاق الثقة بينهما. وفي حال اتخذت الأطراف المتنازعة أي مواقف سلبية منه سيرجع الجميع إلى المربع الأول من الأزمة. فهل تحدث الأطراف اختراقا في هذه القضية المزعجة؟

الخرطوم – طالبت قوى المعارضة والحركات المسلحة مرارا بالمساواة في عملية نزع السلاح طيلة السنوات الماضية، فقد كانت تتهم نظام عمر البشير بالمحاباة في عملية الجمع عبر تركه بيد الميليشيات المؤيدة له وعلى رأسها قوات الدعم السريع، التي ألحقت في 2017 بالمؤسسة العسكرية، علاوة على تفضيله قبائل دون أخرى والسماح لها بامتلاك السلاح ما ذكّى التناحر العرقي.

ولكن الأمر مختلف اليوم، فبعد إبرام اتفاق السلام في جوبا، وحتى مع غياب أبرز حركتين عن هذا التوقيع، تبدو قضية نزع السلاح ملحة أكثر من أي وقت مضى، وهي مرتبطة بعوامل سياسية تتعلق بمدى ثقة كل طرف في الآخر باعتبارها الضامن الوحيد للاستمرار في مسار تحقيق الاستقرار في البلد الذي مزقته الصراعات الإثنية وأدت إلى دماره اقتصاديا.

ويرى جبريل إبراهيم، وهو قائد حركة العدل والمساواة وهي واحدة من المجموعات المتمردة الموقعة على الاتفاق في جوبا أن “جمع السلاح مسألة صعبة وتتطلب جهدا جماعيا. الناس لن يسلموا السلاح إلا في اللحظة التي يقتنعون فيها أن الحكومة يمكن أن تحقق لهم الأمن”.

ولبلوغ هذا الهدف ينبغي، وفق إبراهيم “تحقيق سلام اجتماعي”. وقال “إذا كانت لدينا حكومة ديمقراطية تستمع إلى صوت الشعب فإن الناس سيخلصون إلى أنهم ليسوا بحاجة إلى سلاح لحماية أنفسهم”. وطبعا هذه المسألة الحساسة باتت اليوم حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

وحتى اليوم، لا توجد تقديرات رسمية لحجم السلاح المنتشر بأيدي القبائل والجماعات المسلحة في الولايات، ولاسيما في دارفور، بينما تشير تقارير غير رسمية إلى أن مئات الآلاف من قطع السلاح موجودة لدى القبائل بما فيها أسلحة ثقيلة.

لكن الفريق إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة كشف أواخر الشهر الماضي عن انقضاء المراحل الثلاث الأولى من مشروع جمع السلاح بتدمير قرابة 300 ألف قطعة سلاح تم جمعها طواعية من المواطنين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وهذا يعني أن هناك المزيد من قطع السلاح التي لا يعرف مصيرها حتى الآن.

بوادر غير كافية
في خضم المتغيرات الحاصلة على المشهد السياسي السوداني يبدو أن أحد العوامل المهمة في هذا الملف هو كيفية تحقيق الهدف المنشود دون ضجيج خاصة بعد أن أعلنت السلطات السودانية في مايو الماضي تخصيص قوة مشتركة لجمع السلاح في جميع الولايات وعددها 18، وقد يكون أرضية لتنفيذ هذا البند، الذي جاء في اتفاق السلام على أرض الواقع.

ويتفق المتابعون للشأن السوداني على أن انتشار السلاح يعتبر إحدى المشكلات التي تواجه الحكومة الانتقالية السودانية في ظل تكرار وقوع صراعات قبلية حتى مع تكليف القوات المشتركة، التي جرى تخصيصها لجمع السلاح، من القوات النظامية وهي الجيش، والدعم السريع، والمخابرات، والشرطة لأن المهمة تبدو معقدة للغاية.

وما زالت السلطة الانتقالية حتى الآن كيانا مختلطا يضم عسكريين ومدنيين. ويقول مراقبون سياسيون إن هذا المعطى قد يساعد الحكومة برئاسة عبدالله حمدوك، وبالتنسيق مع الحركات المسلحة الأخرى على تحقيق الهدف، الذي يعتبر أحد أهم الأولويات لبدء بناء الدولة المدنية بعيدا عن قرقعة السلاح.

وتحت حكم عمر البشير، الذي أطاح به الجيش في أبريل العام الماضي، كان المتمردون الذين ينتمون إلى أقليات إثنية يكافحون من أجل توزيع أكثر عدلا للموارد والمزيد من الحكم الذاتي لأقاليمهم. وسرى وقف إطلاق نار فعلي بين السلطة والمتمردين بعد سقوط البشير وتوقيفه وإحالته إلى المحاكمة في الخرطوم.

وذكر قائد سابق لمجموعة مسلحة لوكالة الصحافة الفرنسية أن عدد المتمردين يبلغ خمسين ألفا، ينتمي حوالي 15 ألفا منهم إلى مجموعتين رفضتا الانضمام إلى اتفاق السلام الموقع في الثالث من أكتوبر الجاري. وهذا يبدو عاملا مهما في مسار تجميع السلاح.

وبينما أبرم الاتفاق من جانب المعارضة المسلحة الجبهة الثورية السودانية، التي تضم خمس حركات مسلحة وأربع حركات سياسية، رفضت حركتان رئيسيتان التوقيع، وهما جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، الذي اتهم القوات الحكومية بشن هجوم على جبل مرة نهاية الشهر الماضي، والحركة الشعبية جناح عبدالعزيز الحلو، مفاوضات السلام.

ورغم أن السلطات المركزية في الخرطوم تمكنت من تنفيذ وعودها بخصوص تجميع السلاح في السنوات الأخيرة، ولكن التوجس يظل كبيرا بين سكان دارفور غرب البلاد وجنوب كردفان والنيل الأزرق جنوب البلاد حيث أوقعت الحرب مئات الآلاف من القتلى.

ويقول جوناس هورنر الخبير المتخصص في الشؤون السودانية، إن الثقة هي مفتاح جمع السلاح، إلا أن العسكريين، وثيقي الصلة بالانتهاكات التي ارتكبها نظام البشير، لم يظهروا بعد رغبة في التصدي للعنف حتى يقنعوا سكان المناطق الريفية بأن بإمكانهم البقاء بدون سلاح.

ولا يعتقد هورنر وهو نائب مدير إدارة القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية أن المتمردين الموقعين للاتفاق سيسلمون كل سلاحهم. ويشير هنا إلى حركتي تمرد كبيرتين لم توقعا الاتفاق، وهما جيش تحرير السودان والحركة الشعبية. وقال “لن يلقوا السلاح ما لم تصبح السلطة مدنية تماما، عبر إبعاد الأشخاص المرتبطين” بنظام البشير.

تشكيك في العملية

تراود عدة أطراف في المشهد السياسي السوداني شكوك حول جهود إحلال السلام بشكل واضح دون وضع أسس عملية للتنفيذ ومراعاة الاشتراطات التي يرونها مناسبة بحيث لا يتداخل السياسي بما هو عسكري، خاصة وأنه منذ استقلال السودان في عام 1956، ظلت البلاد طوال ما يقرب من ستة عقود تحت حكم دكتاتوريات عسكرية.

ويقول ياسر عرمان الرجل الثاني في حركة تحرير شمال السودان المتمردة والموقعة على اتفاق السلام إنه “ينبغي تسليم الأسلحة إلى القوات النظامية” ولكن “يتيعن علينا بناء جيش محترف لا يتدخل في السياسة”.

وتعامل الموقعون على الاتفاق في عاصمة جنوب السودان جوبا مع ملف جمع السلاح، كخبراء نزع ألغام، لإدراكهم أنه قضية قابلة للانفجار، إذ أعدوا بروتوكولا ينبغي احترام كل حرف فيه من أجل تطبيق الاتفاق وتجنب حرب جديدة، بحسب المفاوضين.

ويقضي البروتوكول بإصلاح الجيش من خلال تشكيل مجلس أعلى في الأقاليم الثلاثة، وهي دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بحلول منتصف نوفمبر المقبل، يكلف بتنفيذ الإجراءات الخاصة بنزع سلاح المتمردين ودمجهم في الجيش، وبينما قد تستغرق العملية في دارفور حوالي 15 شهرا، فإن الأمر في الإقليمين الآخرين سيتم على ثلاث مراحل تستغرق 39 شهرا.

وذكر الموقع الإلكتروني “غانبوليسي.أورغ” التابع لجامعة سيدني، أنه تم تسجيل قرابة 2.76 مليون قطعة سلاح ناري في 2017 في يد المتمردين في السودان من بينها 6724 فقط مسجلة. ولكن قد لا تكون هذه الإحصائيات دقيقة بالشكل الذي قد يساعد السلطات في تنفيذ خطة نزع السلاح من الحركات المسلحة.

ويقر محمد حسن التعايشي المتحدث باسم وفد التفاوض الحكومي بأن الملف الأمني في الاتفاق هو الأكثر تعقيدا، لذلك يرى أنه يتعين إدماج المتمردين في الجيش، الذي ينبغي إصلاحه، وجمع السلاح سيتم في الوقت الذي ينضم فيه المتمردون إلى معسكرات تدريب القوات النظامية.

غير أن هورنر يشكك في ذلك. ويقول إن نزع سلاح المدنيين ليس هدفا واقعيا طالما ليس هناك ما يشبه سلاما دائما مع سلطة تحظى بالثقة فلن يكون هناك ما يشجع المتمردين على الالتزام ببرامج الحكومة لنزع السلاح.

وطيلة أشهر، شرعت مفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، التي تم تأسيسها العام الماضي، في وضع الخطط والبرامج لمواجهة تحديات السلام المقبلة. وقد أكد المفوض العام للمفوضية عبدالرحمن عبدالحميد في سبتمبر الماضي أن مرحلة بناء السلام يتوقع أن يكون للمفوضية دور كبير فيها الأمر الذي يتطلب تكثيف الجهود والتخطيط وشد الهمة حتى يستفيد الوطن والمواطن من مرحلة السلام.

وتشمل أهداف المفوضية نزع السلاح والتسريح ووضع اللبنات الأساسية للأمن والاستقرار كخطوات أولى لعمليات بناء السلام المستدام والبدء في أنشطة العودة للحياة والتنمية في فترة ما بعد الصراع مع تطوير الأداء في القطاعات وبناء القدرات ومراقبة الأداء وفق المعايير الدولية والتشريعات الوطنية، إضافة إلى خلق آلية فاعلة للتنسيق بين القطاعات ووحدات المفوضية والعمل على تنمية القدرات والمقدرة على تجاوز التحديات والسلبيات.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..