مقالات وآراء

في شَأْنِ الله

شكري عبد القيوم

,, الإصابة في تمييز الصحابة ,, كتابٌ قطَعَ ابنُ حجر العسقلاني أربعين سنة من عمره لكتابته .. وفيهِ أنَّ عمر بن الخطاب سَمِعَ عبداً يُباعُ ويُشْتَرَى يُقَالُ لهُ سحيم ،أي أسود ، يُنْشِدُ يقول ;-
تُوَسِّدُني كَفَّاً ،وتُثْنِي بِمِعْصَمٍ
عَلَيَّ وتَحْوِي رِجْلَها وَرَائِيا
فقالَ لهُ : إنَّك مقتولٌ مقتول .!

وفي حدود سنة 35 هجرية ، كانَ سحيم عبداً لبني الحسحاس ، وكانت امرأة منهم أسرها يهودي ، فاستخلصها لنفسه ، وجعلها في حِصْنٍ له ، فأخذَتِ الغيرة سحيماً ، فما زالَ يتحيَّل حتى تَسَوَّرَ على اليهودي حصنَه فقتله ، فخلَّصَ المرأة وأوصلها إلى قومها بني الحسحاس .وكانَ اسمها سُمَيَّة. وطَفِق يتغزَّل فيها ، فخَشِي بنو الحسحاس العارَ ، فحفروا أُخدوداً، وألقوا سحيماً فيه ، ثُمَّ ألقوا فوقه الحطب ، وأحرقوه حَيَّاً .. فأنشدَ وهُوَ يحترق ;-

شُدُّوا وَثَاق العبدِ لا يَفْلِتَنَّكُمُو
إنَّ الحياةَ من المماتِ قريبُ
ولقد تَحَدَّرَ من جبينِ فتاتِكُم
عَرَقٌ على ظَهْرِ الفراشِ وطِيبُ

وهذا أعرابِيٌّ سَمِعَ رجُلاً يقرأ : { والسارِقُ والسارِقةُ فاقطعوا أيدِيَهُما، جزاءً بما كسبا ، نَكالاً من اللهِ ، واللهُ غفورٌ رحيم .}. فقالَ : كلامُ مَنْ هذا .?!. قالَ الرجُل : كلام الله . فقالَ الأعرابي : ليسَ هذا بكلامِ الله .فأعادَ الرجُل قراءة الآية فاستدرك .. نَكالاً من اللهِ ، واللهُ عزيزٌ حكيم ..فقالَ الأعرابي : هذا يُشْبِهُ أن يكون كلامَ الله ، عَزَّ فَحَكَمَ فقَطَع ، ولو غَفَر ورَحِمَ ما قطع.

وهكذا ، وذاتَ لِجَاجٍ بحائط المَبْكَى ، قالَ مُناظِرِي : ( وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا لِيَعْبدُونِ. ) . فقُلْتُ : كلامُ مَنْ هذا .?! . قالَ : كلامُ الله . قُلْتُ : ليسَ هذا بكلامِ الله .. فأرْغَى وأزْبَد ، ووصفني بالزنديق ، وبما شاءت جهالتُهُ الجهلاء ، وضغائِنُه المُقِيمة ، وتوَعَّدَني بالويل والثُبور وعظائم الأُمُور ..

بدءاً ، أُقِرُّ في الواقع قبل كُلٍّ بوجود الله .لأنّ الطبيعة ذاتها قد غرست هذا الوجود في جذر التكوين النفسي لكُلِّ إنسان، ولا يوجد شعبٌ أو نوع من الناس ، لم يحظ ، قبل كُلِّ تعليم ، بمفهوم عن الله قبل أن تُثْبت ذلك مؤسسة أو عادة أو شريعة. وبدونه لا يمكن فَهْم شئ أو دراسته ولا نقاشه .وما تتفق عليه طبيعة الجميع هُوَ حتماً صحيح .ولكن يجب اعطاء كلمات جديدة للأفكار الجديدة .. ف ,, الله ,, إِذَنْ سعيدٌ وخالِدٌ لا يفنى، لا هموم عنده بالذات، ولا يجلب هموماً للآخَرِين .. بل يظل دائِماً وأيضاً وأبداً ينعم بحكمته الخاصَّة وبفضيلته الحصرية ، فلا علاقة لهُ إطلاقاً برغبةٍ في الإرضاء ، أو طلب العبادة من الناس لأنّ هذه الأمور تكون من الضعف ، وعدم الثقة بالنفس ، وغياب السعادة.

إنَّ تصوُّر ,, الله ,, بالشكل الإنساني هُوَ الزندقة .وإدعاء أن الله تكلَّم بهذا ، يعني أنَّ لديه أعضاء مناسبة للنطق .. رئتين وقصبة هوائية، ولساناً وشَفَتَيْن ..

لا مانع عندي بل من الحكمة ، أن نمارس عبادات .ولكن ليسَ كما لو أنَّ الله يمكن أن يغضب إذا لم نعبُدُه، أو يرضى لو عبدناهُ ،بل لفكرة أنَّنا نُعْنَى بكائِنٍ أسمى هُوَ الغايةُ في السعادة ، النهايةُ في الخُلُودُِ .. وسِدْرَةُ مُنْتَهَانا .
بالنتيجة , فأنا لستُ زنديقاً كما ارتأى رائِدُ حائط المبكى ، بل مُؤْمِنٌ .. وصديقٌ لله ، واللهُ صديقي ، وما أفْتَأُ أدعُوكُم إلى الجَنَّة ، وتدعونني إلى النار.
“شُكْرِي”

شكرى عبد القيوم
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. منازل المتقين في الجنان:يعدد الباري عز و جل في الآية ‘٣٥’ من سورة الأحزاب عشر منازل لأهل التقوى و الصلاح من عباده من الثقلين باديا بالأدنى مختتما بالأعلى ..يقول الحق عز و جل :(إن المسلمين و المسلمات,و المؤمنين و المؤمنات,و القانتين و القانتات,والصادقين و الصادقات,والصابرين و الصابرات,و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات,أعد الله لهم مغفرة و أجرا عظيما)..أي أن أدني أهل التقوى منزلة في الجنة من هم في دائرة الإسلام,و أعلاهم من هم في دائر أهل الذكر,و هم خواص الخواص و زبدة المتقين من الثقلين(الإنس و الجن)..لم أدرك عظم قيمة عفة الفرج الا عندما إحتل ذووها المرتبة التاسعة فيا سبحان الله! خاب و خسر من دخل حلبة الحياة و خرج منها دون أن يسأل نفسه:لماذا خلقت? و الذي يجاوب عليه الخالق في سورة الذاريات:(ما خلقت الجن و الإنس إلإ ليعبدون)..و لم يسألها:لما خلقت الحياة? و الذي يجاوب عليه الخالق في سورة الملك :(ليبلوكم أيكم أحسن عملا)..ويزيد إيضاحا:(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها)..فحسناتنا تزيد درجاتنا و سيئاتنا تخصم منها .

  2. أنت لست زنديقاً يا شكري، ولكن الزنديق من يصر على أن الله جسم مادي تعالى عن ذلك علواً كبيراً وتبرأ منهم، فمن يقول بذلك يثبت له الأعضاء الجسمية ويشبهه بمحلوقاته. ومع ذلك فإن القرآن الكريم يا شكري هو كلام الله ولاشك وما هو بقول البشر، ولكن لا يجرمَنّك مذهب الجسمية بأن تظن أن قائله لابد وأن له لساناً وشفتين ولكن ليس كما لدى المخلوقات كما يتنطع الجسمية في محاولاتهم البليدة حقاً لنفي التمثيل والتشبيه والتعطيل بعد أن يثبتونه وهم لايدرون! ومع أنهم يقولون مثلنا بأن الله متكلم والكلام صفة ذاتية أزلية ملازمة لذاته العلية فهي صفة أزلية غير مخلوقة ولكن كلامه المعيّن أي القرآن فحادث كما تقول المعتزلة بأن كل حادث محلوق ولكن الجسمية يختلفون مع المعنزلة في هذا فلا يقرون بخلق القرآن رغم حدوثه! استناداً على الآيات الدالة على أن كلمات الله لاتفنى، بينما المخلوق يفنى والدالة على كلمات الله التامات ولمخلوقات لابد وأن يكون بها نقص! طبعاً لقد وقف حمار شيخهم في هذه العقبة لأنهم لم يفرقوا بين أم الكتاب ذلك القرآن المجيد في اللوح المحفوظ وبين الإمام المبين كتاب الحوادث والحادثات الذي يمحو الله منه ويثبت فيه ما يشاء إلى أن تقوم الساعة. ينتهي الخلاف ههنا فهو يمتد إلى صفة كلام الله فيقولون أصوات وحروف ويستدلون بآيات التكليم والنداء للرسل والأنبياء إذ النداء والكلام لغةً صوت وحروف، وكل هذا النوع من التفكير ينطلق من الرؤية الجسمية وتشبيه المتكلم الحق تعالى بالمتكلم المخلوق. وعلى ذلك فهم يفهمون ويفسرون الآيات التالية تفسيراً حسياً بالصوت والأذن ولا يدرون أكثر من ذلك عن تلقي كلام الله ووحيه وإلهامه. فيعتقدون المناداة هنا لآدم مباشرة بصوت ربه وكأنهما شخصان يتحاوران!
    (فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ) الأعراف22
    (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ) الشعراء 10
    (هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ15 إِذْ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى16 ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ17) النازعات، (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) 164النساء، هنا يفسرون كلمة تكليما أي بصوت، مع أن هذا الصوت لم يكن يسمعه إلا موسى وحدهما يفهم بأنه كان وراء حجاب أي هذه المناداة محجوبة عن غير موسى.
    أما تكليمه لبقية الرسل فكان ذذلك وحياً:
    (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) 51 الشورى
    (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) 163النساء.
    إذن فكلام الله للبشر إما أن يكون بإلهام يلهمهم أو بكلام من وراء حجاب كما كلم موسى أو بإرسال ملك إليهم هو أمين الوحي فيوحي إلى المرسل إليه بإذن الله ما يشاء الله. فأما الكلام بالوحي والالهام فهذا ليس فيه اشكال حول صدوره من المتكلم جل شأنه وفي الحقيقة الوحي هو شيء أقرب للفعل من الكلام فالله يوقِع في روع أو خاطر الموحى إليه فيفهم من إشارة معينة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (24) يوسف؛ أو صوتاً يسمعه أو حدثاً يحدثه الله (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) 40 سورة هود ، ومع ذلك تعتبر كل هذه الايحاءات رباً من كلامه تعالى بالمعنى الأعم وهي كما ترى لاتستلزم فماً ولسناً لذلك. وهكذا مع القرآن فإن جبريل لم يلقن النبي محمد شيئاً من القرآن بصوته هو أي جبريل ولكنه كان يضمه أو يغطه أي يعصره أو يخنقه وبعد ارساله يأمره بأن يقرأ إلى أن بدأ يقرأ بعد المرة الثالثة. إذن فالقرآن كلام الله نزل مكتوباً ليُقرأ (في صحائف ملموسة أم مرئية فقط أم غير ذلك، الله أعلم) أم طبعه الله في قلب عبده هو بذلك أعلم، وكافة الاحتمالات منطقية وممكنة منه تعالى خالق كل شيء، ولكنها لا تحوجنا للنظر إلى كيفية صدوره منه نعالى أو كيف تلقاه جبريل منه تعالى، مع التأكيد على استبعاد المشافهة بل على عدم لزومها. ومن ثم فلا يلزم القول بأن كون القرآن كلام الله يحتاج لساناً وشفتين أو صوتاً أو تلقيه وسماعه من المتكلم شخصياً أي مباشرة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..