مقالات وآراء

عبد الخالق الرجل النبيل والراوي

محمد إبراهيم عرب

عبد الخالق محجوب ….. الرجل النبيل والسقوط المدوي

نبيل تعني  الكثير النجابة والفضل والذكاء والشرف.

قال الشاعر:

والعز في حسم المطامع كلها        فإن استطعت فمت وأنت نبيل

وقال الإمام على بن أبي طالب عليه السلام, كرم الله وجهة: الإنصاف عنوان النبل

وفي مسرحية يوليوس قيصر: كان قيصر مثال للشخص النبيل النقي السريرة والطوية كان من سجاياه وصفاته, كما يبدو- شخص شديد الاعتداد بنفسه يقدر الشرف والنبل بصبر وفي قراءة نفوس الناس كان حسن النية يرغب في مصلحة روما لا مصلحته الشخصية ولكن ثقته بنفسه تعميه عن الاحتياط للخطر ولهذا تمكن المتآمرون من اغتياله بقيادة كاسياس الذي كان قيصر يعرف مكره وخداعه وتطلعه لمكانة كبيرة لا يصل إليها إلا باغتياله هو نفسه.

كان عبد الخالق يردد دائماً بيت الشعر التالي:

حرام على بلابله الدوح        حلال على الطير من كل جنس

قابلت الراوي صدفة في أحد بيوت العزاء بمدينة بنغازي الليبية العزيزة وتعارفنا!!!! كان رجل ذو ثقافة واسعة في السياسة والتراث والأدب, كان يحمل شهادة في الاقتصاد من جامعة الخرطوم أضف إلى ذلك بأنه رجل دولة من الدرجة الأولى.

ولتوثيق ما سرده الراوي من حقائق وصدق الكلام فكرت في تدعيم ذلك بالكتابة للمساهمة في توسيع دائرة المساهمة في توسيع دائرة اهتمام الباحثين والطلاب المهتمين بالدراسات السياسية، آمل أن يدرج ذلك ضمن نطاق تخصص اكتتاب المعلومات والعلوم السياسية والاستشهاد المرجعي.

وهاأنذا اشحذ قلمي وأبدأ في الكتابة،،،، باسم الحي القيوم …..اللهم زدنا علماً

أفتتح الراوي حديثه وبدأ يحكي وأنا أستمع بهدوء !!!!  ولا أخفي عليك سراً بأنني كنت سعيد جداً بهذا اللقاء !!! بالطبع خاصًة وأن حديثه كان عن الشهيد عبد الخالق محجوب عثمان القيادي البارز في الحركة الشيوعية السودانية والعربية والعالمية وكل ما ذكر أسمه، وصفه بالرجل النبيل:

قال الراوي: للعلم ولد عبد الخالق بحي السيد المكي  القريب من ميدان الشهداء بمدينة أم درمان البقعة والعاصمة الوطنية للإمام محمد أحمد المهدي التي أتخذها عاصمة لدولته دون الخرطوم امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: ” وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال” الآية وأحد معاقل الحركة الوطنية والثقافية بتاريخ 23 سبتمبر 1927م وأعدمه نظام مايو في 28 يوليو 1971م أثر انقلاب فاشل قاده شيوعيون في الجيش السوداني ضده. كان عبد الخالق ذو حضور مؤثر في الأوساط الشيوعية العالمية، حاول إيجاد صيغة سودانية للماركسية بدلاً عن التطبيق الحرفي للتجربة السوفيتية – الصينية. كانت يردد دوماً بأن رسالته نشر الوعي بين صفوف الجماهير ومحاربة العسكرتاريا وإقامة الديمقراطية في السودان.

قال الراوي: سمع محمد إبراهيم نقد بتواجد زميل دراسته وصديقه الشخصي بمدينة الخرطوم في عطلة قادماً من مدرسة المشاة بجبيت التي كان يعمل فيها قائد ثاني ونائبا للواء مزمل سليمان غندور  قائد المدرسة. تصيد نقد الأخبار وبدأ يبحث عن زميل العمر جعفر نميري و بدأ يتابع خطواته حتى إلتقاه وأدعى نقد  بأن اللقاء تم صدفة بينه وبين جعفر نميري. قابل نقد صديق عمره وزميل دراسته بحنتوب الدنقلاوي المخضرم جعفر نميري بسوق نمرة 2 ، كان أبناء الدناقلة يشكلون حينها شلة متناسقة من أبناء الدناقلة بمدرسة حنتوب الثانوية (جعفر نميري، الخير ساتي، محمد إبراهيم نقد، التجاني ساتي، بابكر كرار، عبد الله زكريا). كان جعفر نميري يحمل كيساً من الموز ، وبعد التحية قاده نقد لمنزل بابكر عوض الله القريب من القيادة العامة ليلتقي عبد الخالق محجوب. وبعد تبادل التحية والمجاملات تبادل الاثنان الحديث عن الوضع السياسي الراهن وحتمية التغيير.

يواصل الراوي الحيدث: كان عبد الخالق قد توصل لقناعة تامة بأن ” الديمقراطية غير مأمونة لطرح اليسار” وهذه بذاتها غبينة كان يحملها الرجل ضد الأحزاب التقليدية التي قامت بطرد أعضاء الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان.

كان عبد الخالق محجوب يرى أن التغيير لا بد أن تصحبه ثورة شعبية، أما جعفر نميري الناصري وعضو تنظيم الضباط الأحرار فيرى أن الانقلاب العسكري اقصر طريق للاستيلاء على السلطة وإحداث التغيير. قال عبد الخالق” نحن نتبنى سياسة النفس الطويل وبنبني طوبة طوبة!!! فنظر إليه جعفر نميري نظرة ثاقبة ثم رد قائلاً!!! طيب يا أستاذ ما رأيك لو لقيت واحد يجيب ليك الطوب كله في لوري واحد!!!” وإلى هنا إنتهى اللقاء.

كانت الساحة حينها مليئة بالمناورات والمكايدات السياسية المختلفة: تحركات من وراء الكواليس لفض تحالفات وبناء تحالفات جديدة من أجل الوصول للسلطة مع تجاهل لمشاكل البلاد.

كانت هناك حركات انقلابية تدور داخل الجيش نتيجة للوضع السياسي المتعثر في البلاد والخلافات الحزبية التي فرضت نفسها على الواقع السياسي. مع تجاهل لمشاكل البلاد. ولم يهتم السياسيون بمشاكل البلاد الاقتصادية وتنامي البطالة ونقص السلع الاستهلاكية والتمرد في جنوب البلاد.. وبالطبع كانت هناك مؤامرات أخرى تحاك وتنظم كحبات العقد ضد النظام الديمقراطي. كان هناك فاروق عثمان حمد الله الكادر النشط وسط زملائه من الضباط الأحرار، بعد أن أبعد من الجيش لمشاركته في حادثة اعتقال وزير الدفاع بجنوب السودان مع ثلاثة من زملائه الضباط (أبو القاسم محمد إبراهيم والرشيد نور الدين على ما يبدو وفاروق عثمان) ومؤامرة أخرى يقودها محمد أحمد المحجوب مع عبد الناصر لتغيير النظام في السودان لقطع الطريق أمام الإمام الصادق المهدي وحرمانه من الوصول للسلطة في الانتخابات القادمة والتي من المرجح أن يفوز بها حزب الأمة خاصةً وأن عبد الناصر كان يخشى الحرب الوشيكة والتي لا بد من وقوعها مع إسرائيل التي تحتل القناة وسيناء وما زالت حشودها تتواجد داخل الأراضي المصرية. ومحمد أحمد المحجوب شاعر ومؤلف ومهندس ومحامي وقاضي وسياسي قاد حزب الأمة ورأس مجلس وزراء السودان وأعاد ترميم صورة الرئيس جمال عبد الناصر في أعقاب الأزمات والتحديات والمعارك السياسية الكبرى بعد أن تعرض العرب بسببه لأصعب هزيمة في التاريخ 1967. من صورة ممزقة لزعامة عبد الناصر وإعادة تركيب هذه الصورة بأكبر قدر من الترميم المتقن والكفيل باستبقاء ملامح الزعامة مع عدم طمس أي من هذه الملامح، أي أن تبقى هناك شعارات قادرة على أن تطمئن الجماهير على أن الزعامة لم تنتهي وأن الحلم العربي باقي.  فهو الذي نظم  مؤتمر الخرطوم أو القمة العربية التي عقدت في ضيافة السودان أغسطس 1967 وتكفلت برفع الروح المعنوية للعرب وزعيمهم عبد الناصر بعد إن اتضحت معالم ومآسي الهزيمة الساحقة.

وهناك رأس خيط رفيع يعمل داخل السودان!!! عملاء مصر وبقاياهم بالسودان ، بابكر عوض الله وفاروق أبو عيسى وأحمد سليمان المحامي ومعاوية سورج المنشقين عن الحزب الشيوعي !

فكر فاروق عثمان حمد عضو حزب البعث العربي الاشتراكي- جناح العراق بالسودان في آلية تقربه من  بابكر عوض الله، الذي استقال من منصب قاضي قضاة السودان اعتراضا على طرد أعضاء الحزب الشيوعي السوداني وبالفعل حدث اللقاء بمنزل بابكر عوض الله ليلاً ، وعلى سطح منزل بابكر عوض الله، فاتح فاروق عثمان مولانا بابكر عوض الله بموضوع التغيير وخرج من منزل مولانا بابكر عوض الله وهو يقول في نفسه لقد وجدتها ! وجدتها!! على طريقة أرخميدس! و بدأ التخطيط وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ولا يخفى على أحد العلاقة التي كانت تجمع بين بابكر عوض الله ومحمد أحمد المحجوب وأبناء الهاشماب بالجيش (أبو القاسم هاشم وأبو القاسم محمد إبراهيم). ووصلت خيوط المؤامرة إلى جمال عبد الناصر والذي يم يكن يساوره أدنى شك فيما يقوله بابكر عوض الله وفاروق أبو عيسى. أتصل عبد الناصر بأحمد عبد الحليم وشقيقه محمد عبد الحليم (ضباط في الجيش المصرى من أصول سودانية، كان والدهما يعمل جنايني في سرايا الخديو عباس والملك فاروق)

وبدأ التخطيط على وجه السرعة، بدورها بدأًت المخابرات المصرية في العمل الحثيث على وجه السرعة. أرسلت المخابرات المصرية تسعة ضباط من أميز ضباط مخابراتها للسودان بالاتفاق مع محمد احمد المحجوب على أنها ستقدم خبرتها وتدريب الأشقاء من الجنود السودانيين على استعمال وقيادة الدبابات تي 51 التي قامت بإهدائها للجيش السوداني تحت غطاء مساعدة الأشقاء في السودان  للنهوض بالجيش السوداني!! وبما أنه لا يوجد معهد تدريب للجيش السوداني فقد أفرق أحد مباني قيادة المدرعات ليكون فصلاً، وأسكن ضباط المخابرات المصريين بميز داخل مباني القيادة العامة وبالطبع كان لهذه المجموعة اتصال مباشر وغير مباشر وسري مع تنظيم الضباط الأحرار (عملاء مصر بالسودان) وعلى رأسهم سعد بحر خريج الكلية الحربية المصرية.

وجد مخططو الانقلاب أن محفزات الانقلاب السياسية والاجتماعية متوفرة وأن الوقت مناسب لاستلام السلطة. وفي السعي الحثيث للضباط الأحرار للاستيلاء على السلطة، قام الرائد خالد حسن عباس بعد إقرار التوقيت المناسب حسب ما تم الاتفاق عليه في اجتماع بري، بإخراج قوات اللواء الثاني مدرع تحت غطاء التدريب الخلوي بالتوقيت مع قوات المظلات التي كانت تحت قيادة أبو القاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر والتي غيرت طريقها بعد خروجها من إم درمان لتتجه مباشرة إلى منطقة خور عمر وتلتقي بقوات الرائد خالد حسن عباس. تعثرت القوات وقام الرائد خالد حسن عباس بتزويدها بصهاريج المياه وعربات النقل وبمزبد من الجنود وضباط الصف. عسكرة القوات بمعسكر خور عمر، وفي هذه الأثناء كان جعفر نميري وفاروق عثمان ينشطان داخل أم درمان ويكثفان من اللقاء بعبد الخالق محجوب عثمان لكسب تأييد الحزب الشيوعي السوداني تأسيس علاقة بين نظام مايو والحزب الشيوعي السوداني، على تأمين مصالح للطرفين. فمن جانب الحزب فإن برنامج مايو يمكن أن يحد من نفوذ الأحزاب الطائفية الدينية التي سعت من قبل لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. ومن جهة الضباط الأحرار، فقد كانوا في حاجة ماسة لتأييد الحزب الشيوعي لمجابهة القوى التقليدية المحافظة. كان للحزب الشيوعي وجود واسع داخل المؤسسات والدوائر الحكومية وفي النقابات وإتحاد عمال السودان وإتحاد مزارعي الجزيرة والاتحادات الطلابية وإتحاد المزارعين ونقابة عمال السكك الحديدية والنقل النهري والمهنيين في توفير الدعم للانقلاب في أيامه الأولى.

قال الراوي: لم تروق الفكرة لعبد الخالق محجوب أولاً والذي كان يخشى المغامرة وكان تبريره بأن الثورة والشارع لم ينضجا بعد. وبإلحاح من بعض أعضاء اللجنة المركزية وافق عبد الخالق بامتعاض! ورد لفاروق وجعفر نميري قائلاً: أذهبوا !! إذا نجحت العملية فسنؤيدكم ونقف معكم!! وإن فشلت العملية!!! فسندافع عنكم في المحاكم!!! وليطمئن عبد الخالق محجوب أكثر قام بزيارة القوات المرابطة في خور عمر!! وقام الرائد معاش فاروق عثمان حمد الله بتنويره بالقوات!!! والتقى بأحد الضباط، والذين لم يتم تنويرهم حتى الآن بالعملية!!! فسأل هذا الضابط الرائد فاروق، يا سعادتك في شنو؟؟ نحن ما فاهمين!!! فأسترعى هذا السؤال انتباه عبد الخالق!!! الذي قال للرائد فاروق!! هو الأخ ما من الضباط الأحرار؟؟ فرد فاروق ليتفادى الإجابة! الأخ من الضباط الأحرار !! لكنه ما مواكب!!! بعد أن ألقى عبد الخالق نظرة على القوات! عاد أدراجه إلى مدينة ام درمان!!

تحركت قوات الانقلاب!!! في تمام الساعة الثانية والنصف صباحاً !! ودخلت المدينة على حين غفلة من أهلها!! والشعب السوداني يغط في نوم عميق وهادي!! ولا تسمح إلا نبيح الكلاب!!! استولت قوات مايو على الكباري والطرق الرئيسية وتم تأمين الإذاعة وانطلقت المجموعة الرئيسية متجهه صوب القيادة العامة يقودها جعفر نميري وكامل عبد الحميد ومحجوب برير محمد نور، لتجد مجموعة ضباط المخابرات المصرية التي كانت تقيم داخل القيادة العامة في استقبالها وتسليمها أبواب القيادة العامة. (بعد نجاح الحركة، أصبح أحمد عبد الحليم قائداً لسلاح المدرعات وشقيقه محمد عبد الحليم مديراً لبنك مصر بالسودان). ووضح بعد إعلان الحكومة أن توجه الانقلابيين السياسي يساري صارخ، فالغالبية العظمى من الوزراء الاثنين والعشرين الذي أعلنت أسمائهم في صبيحة يوم الانقلاب إما شيوعيون أو رفقاؤهم، أو قوميون عرب، أو اشتراكيين.

أستيقظ الشعب السوداني على أصوات المارشات والموسيقى العسكرية وأناشيد أكتوبر، واحتشدت جميع الأسر السودانية حول أجهزة الراديو الترانزيستور وهي تتلهف لسماع البيان الأول ومعرفة قادة الانقلاب. وبعد طوب انتظار!! بدأت البيانات تتوالى على المسامع!! تلي الرائد فاروق البيان الأول!! ذكر فيه بأن أبناء الشعب السوداني في قواته المسلحة قد استلمت السلطة لتنقذ البلاد من الوضع السياسي المتردي ومن الإفلاس السياسي والحزبية المتخلفة والرجعية. وسمى رئيس مجلس قيادة الثورة بأنه اللواء جعفر محمد نميري والذي لم يكن معروفاً للشعب! من المحتمل أن يكون معروفاً في أوساط الجيش السوداني فقط, وبدأت البيانات تتوالى!! وتم تشكيل مجلس قيادة الثورة!! الكثير، بل أغلبية الأسماء لم تكن معروفة بالنسبة للشعب السوداني نتيجة لصغر سنها ورتبتها!! ترقى أغلبهم وقبل أسبوع من الانقلاب من رتبة نقيب إلى رتبة رائد!! هناك من بارك التغيير وبالفعل وجد التغيير ارتياحا شعبياً وتأييد منقطع النظير, خاصةً بعد أن ملأت شعارات الاشتراكية والحرية والتغيير الطرق ومقرات النقابات وبد أن بدأ الشعب يشتم رائحة نفس اليسار في أضابير وشعارات الثورة الجديدة.

كان هناك ارتياح في أوساط المجتمع،، وبدأت البلاد تشهد جواً من التغيير! وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة منهمكون في تعيين أعضاء المجلس، والشعب يترقب!! لكنه لم يكن يدري بالفعل بما كان يدور داخل أروقة القيادة الجديدة. سيطر الحزب الشيوعي السوداني على معظم مناصب مجلس الوزراء! وقام عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق بتشكيل واختيار مجلس الوزراء الذي بدأ في شكله العام مجلس تكنوقراط فعلي يحمل أعضائه درجات علمية كبيرة ومؤهلات عليا من بينهم موريس سدرة أخصائي الذي أوكلت إليه وزارة الصحة، محمد عبد الله نور ( عميد كلية الزراعة بجامعة الخرطوم آنذاك)، الذي أصبح وزيراً للزراعة والغابات، الأستاذ محجوب عثمان (نائب رئيس تحرير جريدة الأيام حينذاك) وزيراً للإرشاد القومي، المحامي أمين الشبلي وزيراً للعدل، المحامي فاروق أبو عيسى (نقيب المحامين العرب السابق) وزيراً لشئون الرئاسة وضمت فيما بعد الدكتور منصور خالد المنظر السياسي والأستاذ بجامعة كلورادو وزيرا للشباب ومرتضى أحمد إبراهيم وزيراً للري، ومحي الدين صابر وزيراً للتربية والتعليم. كما ضمت الحكومة أثنين من المثقفين الجنوبيين هما الدكتور جوزيف قرنق برلماني ورجل قانون وعين وزيراً للتموين والقاضي أبيل آلير وأبح وزيراً للإسكان.

.معظم أعضاء مجلس رئاسة الوزراء تم تكوينه من مجلسين هما (مجلس قيادة الثورة برئاسة جعفر نميري الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء )ثم لاحقاً إلى رتبة مشير) مجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964، احتجاجا على قرار حل الحزب الشيوعي السوداني. ومثل المجلسان سوياً السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم تقريباً من رتبة رائد وضمت الحكومة الجديدة (21) وزيرا برئاسة مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع.

وجد النظام الجديد الدعم من قوى اليسار حيث خرجت مظاهرة تأييد للانقلاب في 2 يونيو في ميدان عبد المنعم ضمت قوى سياسية وإتحادات ونقابات يسارية. باشر النظام مهامه بالسعي لأحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية رئيسية، فأعلن تأميم عدد من الشركات والمصارف والمؤسسات الخاصة وأعترف بألمانيا الشرقية، وأصدر بياناً حول مشكلة الجنوب في 6 يونيو مؤيدا حق الجنوبيين في الحكم الذاتي. وعين جوزيف قرنق وزيراً لشئون الجنوب. كما صدر قانون الأراضي غير المسجلة الذي جعل كل الأراضي غير المسجلة ملكاً لحكومة السودان.

أما على مستوى مجلس قيادة الثورة فقد دب الخلاف بين الانقلابيين في تقسيم كعكة الثورة! حيث أعترض المقدم عثمان الحاج حسين أبوشيبة، الشيوعي الوحيد الذي شارك في التحرك، ولحق بالانقلابيين في منطقة خور عمر بعد عودته من إجازته السنوية مباشرةً، بصفته من الضباط الوطنيين وليس بصفته التنظيمية! على تشكيل مجلس قيادة الثورة وعلى تجاوزه بصفته من قام بتأمين الكباري واعتقال إسماعيل الأزهري واللواء الخواض أحمد الحاج، وبأنه كان من قوات المدرعات التي قادها خالد حسن عباس صاحب القدح المعلى في الانقلاب والناصري المتعصب وصاحب أكبر قوة ضاربة في الانقلاب حيث أن جميع القوات والضباط المناصرين والذين تحركوا في الانقلاب كانوا يكنون له فائق الاحترام (أحرار مايو) والتقدير. وبدوره أعترض الرائد محجوب برير محمد نور لتجاوزه أيضاً.

أعترض المقدم عثمان الحاج حسين أبو شيبة على تعيين أبو القاسم محمد إبراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر على أنهما لا يمثلان مجلس قيادة الثورة بل يسيئان لهذا المجلس لسمعتهما السيئة للغاية في أوساط الجيش السوداني وبين زملائهما الضباط والعسكر، وانحرافهما الأخلاقي، فالاثنان سمعتهما تزكم الأنوف. كما شمل الاحتجاج الشجب والرفض على تعيين بابكر النور عثمان الذي لم يكن له دوراً فاعلاً في الانقلاب ولكن لا أحد يعترض على وطنيته ونشاطه وسط الضباط الأحرار وكفائتة العسكرية، لكن للحقيقة أنه تم أشراكة بالفعل عربوناً لمشاركة الحزب الشيوعي السوداني ولا يخفى على أحد حتى في مجلس قيادة الثورة من أن الرائد بابكر النور أستقل هذا التعيين ليشرك صديق عمره ودفعته الرائد هاشم العطا الذي كان حينها ملحقاً عسكرياً في بون، عاصمة ألمانيا الشرقية حينها ليصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة ووزيراً للثورة الحيوانية.

شهدت القوات التي شاركت في انقلاب مايو ترقيات أفقدت الجيش هيبته وسمة الضبط والربط التي كانت تسود مواقعه، حيث شملت الترقيات أحرار مايو من قيادة الظل وضباط الصف والأفراد. شملت الترقيات المقدم أبو شيبة نفسه، حيث تمت ترقيته من رتبة مقدم إلى عقيد ولثقة الانقلابيين في شجاعته وفراسته أوكلت له مسئولية قيادة الحرس الجمهوري. قبل أبو شيبة الترقية على مضض، لكنه أضمرها في قلبه, وبدأت تتحرك في داخله سمة المكر والدهاء التي يتمتع بها غالبية أبناء الدناقلة وبدأ يخطط لإحداث التغيير. بدأ أبو شيبة يتحرك, أتصل أولاً بالرائد  محجوب برير محمد نور، وفاتحه في الأمر، لكن الرائد محجوب كان يخشى من نوايا أبو شيبة. كرر المحاولة مع اللواء مزمل سليمان غندور، لكن غندور كان متردداً ولا يثق في الشيوعيين كافة وحذر جعفر نميري من هذا التنظيم.

أجتمع الضباط الناصريين (أحرار مايو) والتفوا حول الرائد خالد حسن عباس، الذي أصبح لواء ووزيراً للدفاع، وكونوا تنظيماً سمي بأحرار مايو، غالبيتهم من تنظيم الحزب الناصري الذي كان يقوده داخل الجيش الرائد خالد حسن عباس، وفكروا في إجلاء جعفر نميري وتعيين اللواء خالد حسن عباس رئيساً لمجلس قيادة الثورة، بحجة أن جعفر نميري لم يكن أصلاً قائداً فعلياً للتحرك، ولم تكن له قوة يقودها، بل أختاره اللواء خالد ليقود الانقلاب بصفته الأعلى رتبة. وبالفعل أجتمع أحرار مايو ليختاروا اللواء خالد، لكن فاجئهم جعفر نميري بحضور الاجتماع في مباني المدرعات.

ووسط هذا الجو المشحون واصل العقيد أبو شيبة سعيه الحثيث لتصحيح مسار ثورة مايو التي انحرفت عن ما تم الاتفاق عليه، ورفضاً لسيطرة ووصايا رجال المخابرات المصرية على قرارات مجلس قيادة الثورة. أما موقف الحزب الشيوعي من الانقلاب فقد جاء في تقويم انقلاب 25 مايو 1969 في أول خطاب  داخلي أصدره الحزب بعد الانقلاب، وورد فيه ما يلي: ما جرى صباح هذا اليوم انقلاب عسكري وليس عملاً شعبياً مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية عن طريق قسمها المسلح. وأصبحت السلطة تتشكل من فئة البورجوازية الصغيرة . ويضيف: إذا استطاعت الطبقة الجديدة أن تقبض على زمام الامور في القوات المسلحة وتبقى السلطة بين يديها، فإن ظروفاً جديدة تتهيأ بالنسبة لتطور الثورة الديمقراطية في إنجاز التطور الوطني الديمقراطي وفتح أفاق الاشتراكية، ذلك التطور لن يتم إلا بمبادرة الجماهير وقيادة الجماهير العاملة. ولكي ترتبط السلطة ارتباطا عميقا في الأهداف وفي النهج بالقوى الديمقراطية، لا بد للحزب الشيوعي أن يلعب دوراً بارزا في دعم وحماية هذه السلطة أمام خطر الثورة المضادة. وأن يحتفظ بقدراته الإيجابية في نقد وكشف مناهج البورجوازية وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل القيادة من يد الطبقة العاملة إلى يدها- بالبورجوازية الصغيرة ليس في استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة.

 

في هذه الأثناء أنفجر خلاف واسع بين القوميين العرب الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب الجلد والرأس في مايو وأن مايو أصلاً صنيعة عبد الناصر والمخابرات المصرية وأعضاء الحزب الشيوعي الاثنان بابكر النور وهاشم العطاء أضف إليهم الرائد فاروق عثمان حمد الله عضو حزب البعث العربي الاشتراكي القطر السوداني جناح العراق، ووسمهم بأنهم يقومون بتسريب مداولات اجتماعات مجلس قيادة الثورة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ولأمينه العام عبد الخالق محجوب.  أما موقف الحزب من الانقلاب فقد جاء في تقويم انقلاب 25 مايو 1969 في أول خطاب  داخلي أصدره الحزب بعد الانقلاب، وورد فيه ما يلي: ما جرى صباح هذا اليوم انقلاب عسكري وليس عملاً شعبياً مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية عن طريق قسمها المسلح. وأصبحت السلطة تتشكل من فئة البورجوازية الصغيرة . ويضيف: إذا استطاعت الطبقة الجديدة أن تقبض على زمام الأمور في القوات المسلحة وتبقى السلطة بين يديها، فإن ظروفاً جديدة تتهيأ بالنسبة لتطور الثورة الديمقراطية في إنجاز التطور الوطني الديمقراطي وفتح أفاق الاشتراكية، ذلك التطور لن يتم إلا بمبادرة الجماهير وقيادة الجماهير العاملة. ولكي ترتبط السلطة ارتباطا عميقا في الأهداف وفي النهج بالقوى الديمقراطية، لا بد للحزب الشيوعي أن يلعب دوراً بارزا في دعم وحماية هذه السلطة أمام خطر الثورة المضادة. وأن يحتفظ بقدراته الإيجابية في نقد وكشف مناهج البورجوازية وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل القيادة من يد الطبقة العاملة إلى يدها- بالبورجوازية الصغيرة ليس في استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة.

وأبعد الرواد الثلاثة من مجلس قيادة الثورة، ومن سخرية القدر، أن من قام باعتقالهم ووضعهم قيد الإقامة الجبرية هو العقيد عثمان الحاج حسين أبوشيبة.

قام العقيد عثمان الحاج حسين أبو شيبة، ابن الشمال، قرية أرقو، ناحية دنقلا بشمال البلاد، بتنظيم وتوزيع قوة الحرس الجمهوري ووضع الحراسات على أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومن المعروف أن كل عضو في مجلس قيادة الثورة كانت تحرسه مجموعة من القوات التي كانت ضمن كتيبته أو قواته قبل الانقلاب” فمثلاً حماد الإحيمر، من المدرعات كان في حراسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة، وأن أبو رأس دقماس، من سلاح المظلات كان في حراسة أبو القاسم محمد إبراهيم” وهكذا.

أنفرد أب شيبة بقيادة الحرس الجمهوري انطلاقا من أرضية الثقة التي أولاها إياها قادة الانقلاب، ” نظرتي في أبو شيبة لا تغيب أبداً” هكذا قالها اللواء خالد حسن عباس.

فكر أبو شيبة مليئاً ثم هداه تفكيره أخيراً إلى أنه لا بد من سند داخل الجيش وأن خيوط اللعبة جميعها في يده ولا منا من العمل مع الحزب الشيوعي السوداني، حزبه الأصلي, ووضع يده مع هاشم العطاء الساخط أصلاً على تصرفات جعفر نميري وانبطاحه للمصريين, والعمل معاً والتخطيط للتخلص من جعفر نميري وقلب الطاولة على رأس المجلس العسكري.

في هذه الأثناء، كان زعيم الحزب الشيوعي السوداني عبد الخالق محجوب الذي أختلف مع قادة الانقلاب ومع جناح الحزب الانتهازي الذي كان يقوده الدمل أحمد سليمان المحامي ومعاوية إبراهيم سورج وفاروق أبو عيسى في أعقاب تصريح مولانا بابكر عوض الله في ألمانيا الذي ذكر فيه ، بأنه لولا الحزب الشيوعي السوداني لما قامت لمايو قائمة وعلى أثرها أبعد من رئاسة الوزراء، وندوة بري التي قدم فيها عبد الخالق محجوب بعد جعفر نميري في أعقاب الندوة وكأن عبد الخالق محجوب هو رئيس مجلس الوزراء في سابقة أراد بها الشيوعيون الاستفزاز ولفت النظر إلى سيطرتهم على مجلس قيادة الثورة مما حسب على الحزب وقيادته حينها،  قيد الاعتقال بمباني سلاح الأسلحة والذخيرة بالشجرة، وكجزء من العملية لا بد من تأمينه، وتهريبه لمكان آمن بعيداً عن موقع الأحداث والعمليات وعن المواقع العسكرية، والعمل حثيثاً مع اللجنة المركزية لتنفيذ ذلك.

بدأ التخطيط لتهريب زعيم الحزب عبد الخالق محجوب، خاصةً وأن هناك شائعة انطلقت في أوساط الشيوعيين بأن زعيم الحزب مهدد بالتصفية الجسدية والتسميم على قرار عمليات التصفية التي كانت تقوم بها القيادة المصرية. كانت حلقة الوصل بين الجناح العسكري للحزب واللجنة المركزية هو السيد عبد المجيد شكاك وعثمان الكودة مسئول التنظيم بسلاح الذخيرة والعريف عثمان عبد القادر الذي تم اختياره بدقه لتنفيذ عملية الهروب.

تم تهريب عبد الخالق محجوب من سلاح الذخيرة بطريقة دراماتيكية، حيث خرج من غرفته بسلاح الذخيرة، ليلاً متجهاً نحو النهر ومنها أمم وجهته ناحية الشرق ليجد عربتان تقفان في انتظاره. عربة كان يقودها هاشم العطاء وأخرى عربة لاندرو فر يقودها حسن قطان. صعد عبد الخالق العربة التي كان يقودها الرائد هاشم العطاء والتي اتجهت به نحو القصر الجمهوري ليستقر به المطاف بمنزل العقيد أبو شيبة أما العربة الأخرى والتي كان يقودها حسن قطان فأقلت العريف عثمان عبد القادر واتجهت به نحو الدويم.

بدأ التحرك، وقام العقيد أب شيبة بإجراء تغيير على حراسة الوزراء وأعضاء مجلس قيادة الثورة، واستبدالهم بقوات موالية للحزب الشيوعي أو من المستجدين على أسوأ الفروض. لاحظ جعفر نميري ذلك، وأشتبه في أحد الحراس، وأبت نفسه إلا أن يلقي عليه سؤالا، هل كنت أمس في حراس المنزل، فرد العسكري، بل من قبل أول أمس، وفي هذه الأثناء قطع عليهم أبو شيبة الحديث قائلاً. يا سعادتك دا ما شغلك، أنت أصبحت رئيس البلد، خلي هذه المسائل لنا, وخليك في مسئولياتك، وبما أن نميري كان منهمكاً في اللقاء بأعضاء إتحاد مزارعي الجزيرة, وبما أنه لا يساوره أدنى شك في أبو شيبة، واصل مسيرته ليلحق بالاجتماع ولم يعي الأمر أهمية.

اكتملت جميع خيوط المؤامرة في يد أب شيبة، وبدأ يفكر في إضفاء اللمسات النهائية عليها. كان ذراعه الأيمن في هذه العملية العقيد عبد المنعم الهاموش، صديق الجميع والذي آتي به جعفر نميري من القيادة الجنوبية لثقته فيه ولم يكن ممن تحركوا مع قوات خور عمر والمتهم بتصفية وليم دينق وزميله النقيب معاوية عبد الحي في قوات الحرس الجمهور.

في التاسع عشر من يوليو1971 وفي تمام الساعة الثانية والنصف ظهراً وفي هجير الظهيرة عندما كانت مدينة الخرطوم هادئة نسبياً بسبب تقاعد العديد من السودانيين من شمس الظهيرة الحارقة ليلتقطوا قيلولة مع هدوء ولاية الخرطوم نسبياً، نقل هاشم العطاء الدبابات إلى موقع حول المباني الحكومية واستولى على القصر الرئاسي.

قال الراوي: كانت سماء الخرطوم مختنقة والعرق ينصب من جباه العمال وعربات نقل الموظفين تشق طريقها عبر العاصمة والكل يهرول قاصداً منزله. في هذه الأثناء وبينما كانت عربات نقل العسكر تستعد إلى نقلهم إلى مقر إقامتهم ومحركات السيارات تدور. صاح العقيد أبو شيبة، أمراً بإيقاف محركات السيارات. عسكري أجمع، وجمع العساكر واصطفوا واحد تلو الأخر، ووقف العقيد أبو شيبة منتصباً وسط الطابور. منادياً صفا !! إنتباه، يا زملاء قررنا تغيير النظام!! الجوا جوا والبرة برة!!! نحن سنتحرك … المعانا معانا …. والماء معانا له الأمان. وتأكيداً لذلك أقدم لكم قائد التحرك،، الرائد هاشم العطاء وهو غني عن التعريف. هتف الجميع، بالإيجاب نحن معك!! والغريب في الأمر أن غالبيتهم كانوا من المستجدين.

تحركت القوات وفي الجانب الآخر وفي الزمن المتفق عليه سقطت جميع القوات بسرعة مبالغ فيها، وأذهلت المفاجأة الجميع، حيث أن الضباط والعساكر في حالة استرخاء ببجامات الجيش والملابس الداخلية، يتناولون البطيخ وأكواب الشاي، شأن قوات المظلات التي ليس لها عمل أو شاغل سواء آكل الباسطة وتناول قطع البطيخ، وهذا دليل على الفراغ الذي يسيطر على أوقاتهم مما شجعهم على المشاركة في التحرك الذي قاده مدبري انقلاب مايو، ولا يفوت على أحد افتراء وسطوة هذه القوات التي قام أحد أبنائها” محمد إبراهيم الشايقي” باغتيال أحد المحاسبين وأمام أطفاله وزوجته لأنه رفض تسليمه مبلغ من المال كان تحت عهدته. وأثر هذه القضية طالب وزير الداخلية الرائد فاروق عثمان حمد الله بمحاكمة وكيل العريف الذي تمت ترقيته استثنائيا لرتبة ضابط صف محاكمة عادلة لينال جزاءه العادل، لكن الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم رفضوا تسليمه ومحاكمته لدوره البارز في انقلاب مايو. سقطت قوات المظلات بسرعة فائقة حيث كان قائد قوة الحراسة ينتمي لأفراد حركة هاشم العطاء وكوادر الحزب الشيوعي والذي فأجا قوات الحراسة التي حاولت المقاومة أمراً إياهم بوضع السلاح أرضاً!! عسكري ثابت، أرضاً سلاح! وسط دهشة الجميع!! وقاما باعتقالهم وتسليمهم لقادة الحركة، علماً بأن هذا السلاح كان له القدح المعلى في انقلاب مايو، فهو سلاح قوة مساندة كان يقوده ويشرف على تشكيله كل من الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، وبمباغتة غاية في الدقة قام الملازم أحمد جبارة باعتقال قائد وأعضاء مجلس قيادة الثورة ـ جعفر نميري في غرفة نومه وأبو القاسم محمد إبراهيم وأبو القاسم هاشم وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر الذي حضر لتوه من اجتماع طبرق لدول الإتحاد العربي الذي كان يضم ليبيا ومصر ومأمون عوض ابوزيد اللذان كانا في انتظار تناول وجبة الغذاء التي دعاهم لها العقيد الهاموش، وجلب لهم لعبة الطاولة ليلهيا ويقطعا بها الوقت إلى حين تجهيز الغذاء وأستأذنهم خارجاً لأنه في مهمة لا تتحمل التأخير.

وأخذ نميري وعشرات من أتباعه سجيناً حيث قاد أحمد جبارة قادة مجلس قيادة الثورة، بملابس النوم. وقال لجعفر نميري!! نسيت الإساءة لحزبنا! خرج جعفر نميري بجلباب أبيض، حافي القدمين، ” آخذتهم  أمامي، إلى الأمام مارش، وأركبتهم عربة لوري تخشيبة بسطح ساخن”، نط !! ما عمرك كله عديدة نطيط!! سمنت وصفعته على رأسه عنقرتك بقت زي ماو تسي تونج!!! “أحمد جبارة مختار”. وفي ساعات قليلة من الوقت!!! سيطر الإنقلابيون على كل المواقع!! وبدأت برقيات التهنئة والتأييد تصل لمكتب مجلس قيادة الثورة الجديد!.

بعد أن هدأت الأوضاع وأمتلك ضباط الحركة زمام الأمور!! سافر الرائد أحمد الزين الذي لم تكن له أدنى علاقة بالحزب الشيوعي السوداني لمدينة الأبيض بغرب السودان موقع القيادة الوسطى وقوات الهجانة!! وخطب فيهم وكسب تأييدهم. وبدأت الاعتقالات تتوالى في صفوف الجيش لمؤيدي مايو وبالطبع أحرار مايو!! من إشلاجات المدرعات ومن الأقاليم!! تم وضع مجموعة من الضباط المعتقلين في بيت الضيافة، النزل الكائن بشارع الجامعة والمجاور لمبنى الأمم المتحدة والتلمذة الصناعية ” مقر الصداقة الشعبية سابقاً والنيابة العامة لمحاربة الفساد رقم 2 الآن” ونقلت المجموعة الثانية إلى مبنى قوات الأمن قريباً من القيادة العامة وبيت الشباب والعلاقات الثقافية سابقاً، بعد أن ضاق الموقع بالمعتقلين. كان معظم المعتقلين من الضباط الموالين لانقلاب مايو وأنصار جعفر نميري وعملاء المخابرات المصرية من الناصريين وممن شاركوا مع القوات التي قصفت  وضربت الجزيرة آبا بقيادة المسعور أبو القاسم محمد إبراهيم وأحمد محمد أبو الذهب والرائد محجوب برير محمد نور والرائد عبد الصادق حسين عبد الصادق والرائد سيد أحمد حمودي قائد سلاح المظلات  وعضو حركة هاشم العطاء عبد المنعم الهاموش الذي أقتحم سرايا الإمام الهادي، عليه رحمة الله وفعل الأفاعيل بالسرايا وممتلكات الإمام   في أغسطس 1970 بالإضافة إلى العقيد سعد بحر، والعقيد أرتشي والرائد سيد المبارك، أما خيمة العمليات بمطار ربك فكان يجلس عليها بقايا المصريين من عملاء المخابرات ” أحمد وشقيقة محمد عبد الحليم وجعفر نميري” حيث كانا يديران العمليات من هناك. وشاء أمر الله الذي لا يغفل عن شاردة أو واردة أن يلقى الكثير من هؤلاء حتفه داخل بيت الضيافة، في ما يعرف بمذبحة بيت الضيافة انتقاما لأرواح العزل والمساكين الذين انتهكت عروضهم وكرامتهم وترملت نسائهم وفقدوا أموالهم وأرواحهم في الجزيرة آبا والتي سيقوم الراوي بكشف خباياها فيما بعد!!!!

بدأت المارشات العسكرية تدق طبول الحرب، ويصيح المذيع بأعلى صوته, منادياً بعد قليل ستستمعون لخطاب الرائد هاشم العطاء! وبدأ يكرر ثم يعيد المارشات العسكرية!! تأخر الخطاب كثيراً والكل متسمر أمام المذياع!! وفي تمام الساعة الثامنة ليلاً ” بدأت موسيقى الانقلاب منذ الساعة الثالثة ظهراً” هدأت الأوضاع وجاء صوت الرائد هاشم العطاء ليس كما توقعه الناس، على مستوى صخب وحماسة وحرارة وشجاعة الشيوعيين!! كان صوته باهتاً تبدو عليه سمة الارتجال والخوف من المجهول!! كان يتحدث وكأنه يهرول! ليس بفصاحة وبلاغة وطلاقة لسان أهل اليسار! كان عبد الخالق محجوب حينما يتحدث في اللقاءات الجماهيرية والشبابية يهز المشاعر ويطرب المستمعين، كان يحرك كل الحواس بشجاعته وجراءته وتمكنه من ناصية الحديث.

وبعد ساعات طويلة من الانتظار ظهر صوت الرائد هاشم العطاء على المذياع حيث أعلن نفسه وأعلن معه المقدم بابكر النور عثمان وفاروق عثمان حمد الله المسئولين عن الحكومة كما أعلن قيام مجلس ثوري جديد. وكان يشاع أن الرجال الثلاثة من الشيوعيين، بينما أنكروا ذلك، كان أول إجراء لحكومتهم الجديدة هو رفع الحظر الذي وضعه النميري للحزب الشيوعي السوداني ومختلف التنظيمات التابعة له. وخلال حديثه عبر الراديو أعلن هاشم العطاء أن الثورة ستعمل في تعاون مع الدول الشيوعية والاشتراكية، وذكر أن الشيوعيين السودانيين سوف يتم جلبهم إلى حكومة ائتلافية جديدة وفي بيان الانقلاب قال هاشم العطاء أن الانقلاب يمثل العودة إلى مبادئ ثورة مايو 1969م التي أوصلت نميري إلى السلطة، وأن نميري قد تخلى عن تلك المبادئ وقام بتأسيس جمهورية رئاسية دكتاتورية. وذكر أن مجلس قيادة الثورة الجديد سيكون ممثلاً للإرادة الشعبية وأنه سيتم إعطاء الحكم الذاتي لجنوب السودان.

لذا كان الرد على الانقلاب محدوداً في بدايته حيث لم تتلقى قوات هاشم العطاء أي معارضة من القوات المسلحة السودانية أو من عامة السكان.

تكون مجلس قيادة الثورة برئاسة المقدم بابكر النور، والرائد هاشم العطاء نائباً للرئيس، وعضوية المقدم محمد أحمد الشيخ الريح، والرائد فاروق عثمان حمد الله, والرائد محمد محجوب عثمان، والرائد محمد أحمد الزين، والنقيب معاوية عبد الحي

على كل حال نامت الخرطوم يومها الأول في ترغب وحذر! ولا أحد يدري بما يخفيه القدر والأيام من الآتي! الشوارع ملأها العسكر والقوات الأمنية، ومجالس العاصمة والأقاليم والمدن الكبيرة تبعث ببرقيات التأييد! ,أصبحت شمس اليوم الثاني للحركة! خرج الجميع للطرقات يشاهدون كوادر الحزب الشيوعي السوداني في مظاهرات ومهرجانات ومواكب هادرة، يحملون المطارق والمناجل والمعاول، يهتفون باسم لينين، سايرين !! سايرين على طريق لينين،، الخرطوم ليست مكة،، شيوعيون مناضلون، يا نميري يا جبان!! كتائب يوليو في الميدان!! وأنطلق موكب التأييد والعمال، خرجت الورش واتحادات الطلاب والعمال والموظفين والمعلمين واتحادات الشباب والإتحاد النسائي.

خرج موكب عمال السودان الذي خطابه الرائد هاشم العطاء بحدائق الشهداء وأمام بوابة القصر!! وهنا يظهر عبد الخالق محجوب لأول مرة ليحي الجماهير ويلتقي بمحرري ومراسلي الصحف العالمية والمحلية. الكل يبارك وبهنيء. بدأ عبد الخالق وكأنه رئيساً للجمهورية يلتقي بمقره الدائم بسفراء الدول العربية والأجنبية وعلى رأسها دول المعسكر الشرقي وأفردت صحفها صفحاتها الأولى لتغطية أحداث السودان! وبرؤساء المنظمات العالمية والإقليمية وبرؤساء تحرير الصحف العالمية والأجنبية!! جاءت هيئة الإذاعة البريطانية BBC وفريق عملها بطائرة خاصة لتغطية أحداث الانقلاب بالسودان! وبدأت الدول العربية التقدمية إرسال وفودها لتأييد الانقلاب.

قال الراوي: كان لحزب البعث العربي الاشتراكي القطر العراقي وقيادته القومية حضور مشهود طيلة فترة الحركة، كما لا يخفى على أحد بأن هذا الحزب كان مشاركاً فاعلاً ونشطا في حركة يوليو 1971، وعمري بأن هناك مجموعة من الطلاب البعثيون الذين كانوا يدرسون بالجامعات العراقية والمدربون على السلاح بمعسكر التاجي والحبانية وبيجي من شارك في تأمين الحركة التي سماها قادتها بالتصحيحية والقارئ جيداً للأحداث يعلم بأن من ضمن دوافع التوقيت المناسب لقيام الحركة هو تزامن وجود هؤلاء الطلاب بالسودان لقضاء إجازتهم السنوية إذ أن السنة الدراسية بالجامعات العراقية تنتهي في يونيو من كل عام بالإضافة إلى أن فاروق عثمان حمد الله ومحمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي وزير العدل في حكومة الحركة التصحيحية المرتقبة والمحامي المرموق بدر الدين مدثر والرائد الحاج سعيد الكسباوي، قائد طائرة والصديق الشخصي لفاروق عثمان حمد الله كانوا جميعاً ضمن تشكيلة الحركة التصحيحية, كما أن أول ما التقى عبد الخالق محجوب كان سفير العراق بالخرطوم! وأن كل المعلومات التي تأتي لقادة الحركة كانت عن طريق سفارة الجمهورية العراقية بالخرطوم. ومما يؤكد على ذلك! تشكك المصريين في الانقلاب! وتساؤلهم الدائم والمستمر!! حتى في محاكمة قادة الحركة!! هل لحزب البعث العراقي دور في هذا الانقلاب؟؟؟؟

وفي هذه الأثناء وعند إطلاعهم على نجاح الانقلاب، أنهى الاثنان شؤونهما واستعدا للعودة إلى الخرطوم. وفي سكرة الفرحة وقمة النشوة وفي عاصمة الضباب لندن عقد رئيس مجلس قيادة الحركة الرائد بابكر النور عثمان والرائد فاروق عثمان حمد الله الذي رافقه في رحلة العلاج بمستشفيات المملكة المتحدة مؤتمراً صحفياً حضرته وكالات الأنباء العالمية والصحف الأجنبية، صرح فيه وباللغتين العربية والإنجليزية الرائد بابكر النور بأن زملائه في الداخل سبقوهم وقاموا بتنفيذ الحركة وأنهم سيقومون بتطبيق الاشتراكية العلمية.

كان بابكر النور سوار الذهب أحد أعضاء مجلس قيادة ثورة مايو على الرغم من أنه لم يشترك في التحرك من خور عمر, لكن الحزب الشيوعي السوداني دفع به كعربون ضمان لاشتراك الحزب الشيوعي….. كان بابكر النور كادراً شيوعياً ملتزماً منذ المرحلة المتوسطة وضابطاً متميزاً ووطنياً له سمعة طيبة ويتمتع باحترام واسع وسط زملائه الضباط والجنود، تم إقصاءه مع صديقه وزميله هاشم العطاء والرائد فاروق عثمان حمد الله من مجلس قيادة الثورة!! سافر بإذن من جعفر نميري شخصياً لتلقي العلاج بالمملكة المتحدة!!! وعلى ما أظن بأنه كان متابعاً بدقة لما يجري في الداخل!! التحق به فيما بعد الرائد فاروق عثمان الذي ذهب للعلاج أيضاً بالمملكة المتحدة!!

قال الراوي: بعد أن أستقر الحال لقادة الحركة!! تم إغلاق المطار! وأعلن قادة الانقلاب أن لا يفتح المطار إلا لطائرتين استثنائيتين, الأولى هي الطائرة العراقية التي كانت تحمل وفداً من كبار الضباط وقادة الجيش العراقي وأسلحة خفيفة كان تدرب عليها الطلاب الدارسين بالجامعات العراقية المشاركين في الحركة!! بقيادة محمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي وزير العدل في الحكومة الجديدة والصديق الشخصي لفاروق عثمان حمد الله لتقديم التهاني والتبريكات ودعم الرفاق بنجاحهم في إقصاء البرجوازية الصغيرة من الضباط، لكن هذه الطائرة لم يكتب لها الوصول وسقطت في الأجواء السعودية قريباً من مدينة جدة نتيجة لعواصف ترابية غطت سماء المملكة العربية السعودية في غيظ حرارة يوليو الشديدة لقي على أثرها محمد سليمان الخليفة عبد التعايشي حتفه، حيث أنه كان تعباً ومستلقي على ممر الطائرة، “سقطت الطائرة وصعد جسد محمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي إلى أعلى وهبط الجسد المتعب على رأسه فكسرت عنقه في الحال نتيجة لارتطام الطائرة بالأرض” الحاج سعيد الكسباوي, في مقابلة لصديقة العراقي الذي كان يقود الطائرة، والذي ترك الطيرانFlying Phobia بعد هذه الحادثة وعمل بالتجارة,”. والطائرة الأخرى المسموح لها بالهبوط في مطار الخرطوم كانت هي طائرة ركاب عادية تقل قادة مجلس قيادة الثورة التصحيحية بابكر النور عثمان وفاروق عثمان حمد الله والدكتور عز الدين على عامر والتي أجبرها العقيد معمر القذافي عضو دول الإتحاد العربي مصر ليبيا والسودان، وعضو ميثاق طرابلس على الهبوط بمطار بنينة ببنغازي شرق البلاد بمؤامرة مكشوفة مع المخابرات المصرية التي رفضت استقبال الطائرة البريطانية بحجة أن مطار القاهرة غير مهيأ لتزويد الطائرات بالوقود في هذه الأثناء وطلبت من قائد الطائرة التوجه لمطار بنينة ببنغازي للتزود بالوقود وطلبت من قوات القذافي إجبار الطائرة لأن مصر تخشى من أي تدخل من شأنه أن يدخلها في حرج مع الشعب المصري نتيجة لحساسية العلاقة مع الشعب السوداني وخوفاً من المد الشيوعي الذي يجتاح البلاد خاصة وأن الأمر آل للسادات الذي قام بطرد الخبراء الروس بعد وفاة جمال عبد الناصر بحجة أن الروس قدموا له الأسلحة المغشوشة بعد هزيمة 1967م . قام العقيد القذافي المتحمس للوحدة العربية مع مصر والسودان بإجبار الطائرة البريطانية على الهبوط، وإنزال الرائد فاروق عثمان حمد الله من الطائرة، ونجا الدكتور عز الدين على عامر، بأعجوبة نسبةً إلى أن الليبيين لم يتعرفوا على شخصية الدكتور عز الدين على عامر نتيجة لبشرته البيضاء وسحنته التي لا تشبه السودانيين (حلبي).

أساء الليبيين معاملة قادة مجلس الحركة التصحيحية، باستفزازهم! ” بعد وصول الرائد بابكر النور عثمان والرائد فاروق عثمان لمطار الخرطوم قال الرائد فاروق للحرس الذي أعتقلهم بمطار الخرطوم: غريبة يا شباب: الليبيين كانوا أحقد منكم.علماً بأن الرائد فاروق عثمان حمد الله بصفته وزير للداخلية أول من أسس وزارة الداخلية الليبية كما أوفد مأمون عوض أبوزيد ليضع اللبنات الأولى لجهاز الاستخبارات والأمن الليبي نسبة لخبرة السودانيين في هذا المجال، وقضى مأمون عوض أبو زيد سنين في ليبيا، مساهماً في تأسيس هذا النظام.

أنتشر خبر القرصنة الجوية الليبية للطائرة البريطانية كالنار في الهشيم، وبدأ الخبر يتصدر المحطات العالمية والصحف الأجنبية والعربية. حينها كان السودانيين يدمنون الاستماع إلى هيئة الإذاعة البريطانية، فترى التجمعات حول أجهزة الراديو، و أجهزة الالتقاط “الإريالات” مرفوعة لأقصى ارتفاع. وخرج الجمهور السوداني في مواكب هادرة تندد باختطاف الطائرة, وتشد من اذر الحزب الشيوعي وتنادي بحياة الانقلابيين، وبدأت إذاعة أم درمان تردد، هناك تدخل أجنبي غاشم ضد ثورتكم الآبية فهبوا لإنقاذ ثورتكم!! وكان لهذه العبارة وقع سيء في نفس الإنسان السوداني, بدأ الشارع يفهم بأجهزة استشعاره السياسية، ولم تفت عليه نبرات خطاب هاشم العطاء التي كان يشوبها نوع من الخوف وعدم تناول الخطاب للقضايا المهمة، وماذا تعني عبارة حركة تصحيحية بالنسبة له، كما أن مواكب الشيوعيين الأخيرة والتي خرجت للشارع بعد القرصنة الجوية الليبية كانت ضعيفة.

تحرسها قوات من الشرطة. ومما زاد الطين بله، أن خلايا الحركة الإسلامية النائمة نشطت في هذه الأثناء وبدأت تهتف وخرجت من مخبأها لتعمل في العلن، وأختلط الحابل بالنابل. وفي خضم هذا الجو المتلبد، دبت خلافات سادت أضابير الحزب الشيوعي، كما أرتكب قادة الحركة التصحيحية أخطاء قاتلة. قام العقيد عبد المنعم الهاموش بإعادة الضباط الذين تم تسريحهم قبل يومين من الانقلاب للخدمة! رفض هاشم العطاء تحريك سلاح الطيران خوفاً من إحداث خسائر وسط المدنيين!! وهذه قمة المثالية!! لم يقم قادة الحركة بحل مجلس قيادة الثورة الجديد وإبعاد كل من با?

‫2 تعليقات

  1. كلام ملفق منقول بعضه من الجرائد ويتنافى مع ما هو منشور من اقوال عبد الخالق محجوب الموثقة.
    ولا ادري اين النبل وانت تصف الرجل بالتآمر؟

  2. شكراً لتوثيق السيد التجاني فضل المولى أب شاخورة والتي نقلها الأستاذ محمد إبراهيم أبو عرب، لأحداث سياسية هامة في حياة السودان والتي تعد من الأحداث التي ما تزال تشوبها الكثير من الثغرات ويدور حولها غموض ولغط ولم يتم الكشف بعد على كامل صورها وحقائقها ورغم أن كثير من معاصريها يعدون شهود عيان إلا أنهم آثروا الصمت “المريب” فتركت تلك الأحداث عرضة للتشويه والتشهير والروايات المبتسرة وغير الحقيقية، مرة برواية وأخرى بروية مختلفة و”مختلقة”. وما يزال المهتمين والمتابعين ودارسي تلك الفترة والأحداث ينبشون في أضابير وقائعها وصولاً للحقيقة مجردة دون انحياز لصالح جهة من جهات الصراع في تلك الأحدث!.
    وما نقله لنا أبشاخورة في هذه الافادات فيه الكثير من المعلومات الجديدة التي لم تكن قد رويت بعد وفيه كثير من الوقائع المدهشة التي تتصادم مع مع تم نقله من روايات، ورغم أن الجهد قد بذل في سرد الأحداث إلا أن ما سيعرض “حقائق ما قيل للاهتزاز والضعف هو غياب المصادر التي استقى منها الكاتب إفاداته، حيث لم تتم الاشارة بصورة واضحة للمصدر وكشف شخصية الراوي لتلك الافادات!، ولم يلجأ الكاتب للاشارة إلى أي من مصادره سوى مرات قليلة جداً رغم أن المقال يزدحم بالافادات “الجديدة” والتي كان من المفترض أن تدعم بالمصدر لهذه الرواية أو تلك، وهو ما سيعرض كامل المقال للتشكك فيما ورد من معلومات حوله!. خاصة أن هناك كثير من الوقائع قد وردت للمرة الأولى ولم يتم الحديث عنها من قبل على رغم مئات الصفحات التي تناولت تلك الأحداث، ومن أمثلة ذلك تلك الواقعة التي تتحدث عن أن الشهيد عبد الخالق محجوب قد تم وضعه في عربة مكشوفة لتطوف به الأسواق وتجمعات المواطنين ليهتفوا ضده ويقذفونه بالبيض والطماطم وبدقيا الخضر ويسبونه، قبل أن يقدم للمحاكمة العسكرية الشهيرة!.
    وحتى يخلص الكاتب مقاله هذا من مثل هذه الملاحظات السالبة فعليه في حلقاته القادمة والتي وعد بمواصلتها أن يقوم بتثبيت المصادر في مواضع الكثير من الافادات التي في حوجة لشهود “عدول” من أجل تصديق حقيقة وقوعها!. وشكراً للكاتب وللناقل على نشر هذا المقال الهام .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..