أخبار مختارة

ضرورة إقالة رئيسة القضاء والنائب العام

فتحي الضَّو

نعلم تماماً صعوبة مراحل الانتقال في حياة الشعوب، لا سيِّما، تلك التي رزئت بديكتاتوريات دموية، كتلك التي ناءت بكلكلها على صدورنا لثلاثين عاماً حسوماً. ولهذا نحن نقدِّر الظروف القاسية التي تمر بها الحكومة الانتقالية ولا نقول الثورة. ذلك لأن الحكومة إلى زوال والثورة باقية ما بقي الوطن على وجه الأرض. ونعلم كذلك من هم المتربصون من الفلول، الذين يحيكون الدسائس والمؤامرات آناء الليل وأطراف النهار، ولا يمر عليهم يومٌ دون أن يمارسوا هواياتهم المريضة. ونعلم كذلك رفاق السوء الذين يلبسون ثياب الواعظين، وهم يُظهرون على غير ما يبطنون. وعلى الرغم من علمنا بتاريخهم المخزي لا يجدون حرجاً في تنصيب أنفسهم آباءً للثورة، كأنها يتيمة تبحث عن كفيل. فنحن نعلم كل ذلك وأكثر ولكننا نقول لهم إن هذه الثورة لن تؤخذ على حين غرَّة حتى لو شطح المخاتلون!

برغم علمنا بكل ذلك لكننا لن نجعل من قصورنا مشجباً نعلق فيه الأخطاء. ولن نكف عن ممارسة النقد بغرض الإصلاح ولأجل أن تُحقق الثورة كل أهدافها النبيلة. والنقد كما هو معلوم تمرين ديمقراطي مطلوب بعد طول حرمان، بشرط أن يخلو من الغرض والمرض. صحيح أن الأوضاع العامة وبالأخص الاقتصادية صعبة للغاية، بل ربما فاق بعضها ما كانت عليه في العهد البائد. إلا أننا على قناعة كاملة بأن البلاد ستتجاوزها في القريب العاجل، لكن هذا لن يتأتى إلا بمزيد من الشفافية بين الشعب والجالسين على سدة السلطة. مع تأكيد كامل بأن هذه الأزمات تعود لسوء إدارة الموارد المتاحة حالياً، ومكائد الفلول ثانياً، ثمَّ لتنكر البعض لثلاثية شعارات الثورة المجيدة.

أولاً: الحرية لا يُكافأ بها الذين يستغلونها لتحقيق أجندة شيطانية، ولا للذين يذرفون دموع التماسيح وهم أنفسهم الذين سامونا سوء العذاب.. قتلاً وتنكيلاً وتعذيباً وانتهاكاً للحريات. ولهذا فالحرية لا تُمنح وإنما تأتي طائعة مختارة لمن يُريدها ويُزجي لها الاحترام اللائق. ثانياً: السلام مطلوب لبلد انهكته الحروب حتى قضت على الأخضر واليابس فيه. والحروب ليست تلك التي تتحاور فيها البندقية وحدها، وإنما إفرازاتها التي جعلت الكراهية والشحناء والبغضاء تعشعش في النفوس منذ أن استنسرت بأرضنا بُغاث الطير. ثالثاً: أما العدالة والتي هي موضع نظرنا في هذا المقال، فأمرها عجب. فقد قيل إن ونستون تشرشل سأل عن حجم الدمار الذي حاق ببريطانيا بعد توقف الحرب العالمية الثانية، فأخبروه بأنه كبير جداً، عندئذٍ سأل عن القضاء، فقيل له إنه بخير، فقال قائلته الشهيرة: إذن بريطانيا بخير!

تماهياً مع ذلك نقول بلا تردد: إن ما أصاب الوطن من دمار شامل جراء حُكم الأبالسة، يماثل – بالنسبة والتناسب – الدمار الذي حدث لبريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وما ظهر منه حتى الآن هو بمثابة قمة جبل الجليد فقط. ويأسى المرء لكون هذا الدمار طال الأجهزة العدلية تحديداً. إذن طبقاً لمقولة تشرشل فنحن لسنا بخير. وعليه كان يتحتم على الوارثين للثورة أن يولوا إصلاح الأجهزة العدلية اهتماماً مضاعفاً، لأن بدونها لن ينصلح حال الثورة ولا البلاد. لكن عوضاً عن ذلك فقد رأينا العجب العجاب!

 في أثناء المشاورات التي كانت تجري لملء المناصب التنفيذية قبل عام تقريباً. استأسد المجلس العسكري على حقائب بعينها، فتمسك باثنتين هما الدفاع والداخلية. ثمَّ رمى بشباكه ليصطاد توابعهما في القضاء والنائب العام. فتجلى ذلك بطرق مباشرة في رفض المجلس المذكور لمرشحي الحرية والتغيير، وهما مولانا عبد القادر محمد أحمد ومولانا محمد الحافظ، والغريب في الأمر أن الرفض بُني على أساس أنهما (من سدنة الثورة) فتأمل. ولأن من يهن يسهل الهوان عليه لم تكن قوى الحرية والتغيير تملك حولاً ولا قوةً بعد رضوخها من قبل لتلك الشراكة الخادعة، فلم يكن ثمة مفر من التوقيع على عقد الإذعان، وشرعت في البحث بديل يرضى عنه المجلس العسكري لا الثورة، فهداهم طائرهم للسيدة نعمات عبد الله للقضاء والسيد تاج السر الحبر نائباً عاماً. ويومها انتهى العزاء بانتهاء مراسيم الاختيار!

لكن عندما بدأت السماء تمطر شكوكاً، اكتشف آل بوربون أن الوثيقة الدستورية التي وقعُوا عليها وهللوا لها وكبروا – على ذات نمط النظام البائد – خلت عن أي نصٍ أو آلية يمكن من خلالها تغيير رئيس القضاء أو النائب العام، حتى لو أصاب أيٍ منهما جنون أو عجز أو وقع في براثن خيانة أمانة أو حكم عليه شهود عدول بالفشل التام. بل لعل الأنكى والأمرْ أن حمار الوثيقة الدستورية وقف مجدداً في آلية تعيين البديل، إذ خلت تماماً من نص كهذا فصارت (كالمعيدي تسمع به خير من أن تراه). بمعنى أن السيدة نعمات عبد الله رئيسة القضاء أو السيد تاج السر الحبر النائب العام حسابهما عند رب العالمين وحده!

إزاء هذا الوضع الشائه قيض الله لهذه الثورة أناسٌ يسهرون عليها من وراء حجاب، فانبرت من بينهم ثلة من قانونيين إصلاحيين بغية إصلاح ما أفسده العطار. فابتدروا قانوناً لإنشاء مفوضية تُعني بإجراء إصلاحات واسعة، تكون لها سلطة تعيين رئيس القضاء والنائب العام، علاوة على تشذيب وتهذيب القوانين المُنظمة للأجهزة العدلية، بما في ذلك قانون مجلس القضاء العالي، وقانون المجلس الأعلى للنائب العام. لكن كان ذلك كفيلاً بأن تنهض خفافيش الظلام من جناح الثنائي المذكور. ففي البدء قاوموا إنشاء المفوضية للاضطلاع بدورها من الأساس، وحينما عجزوا عن ذلك انبروا عضاً وتبعيجاً في المقترح، إذ جعلوا تعيين غالبية عضويته بمعرفة رئيسة القضاء والنائب العام نفسيهما. ثمَّ طرحوه أرضاً وقضوا عليه بتعديلات أفرغته من محتواه تماماً، فأضحى وفؤاد أم موسى صنوان!

منذ تسنمه مهامه، أذهل النائب العام الرأي العام السوداني قاطبة ليس بالبطء في إعمال العدالة بمحاكمات يفترض أن تكون مكثفة لرموز النظام البائد، ولكن في ظنِّه أن بضع وعشرين متهماً يقبعون في سجن كوبر هم كل طموح الثورة، وبات يتغاضى عن رؤية الفاسدين طلقاء، يأكلون ما لذَّ وطاب من الطعام، ولا يمشون بين الناس فحسب، وإنما بالسخرية من الثورة بكل بجاحة. والمدهش أن ثمة ممارسات حامت حولها الظنون طُرحت بين يدي النائب العام، إلا أنه لاذ بصمت القبور. فهو لم يقل للناس مثلاً لماذا أطلق سراح رجل الأعمال التركي أوكتاى شعبان حسني، والذي كان تاج السر الحبر نفسه وكيلاً عنه في العهد الغيهب رغم نفيه. ذلك بالطبع أضفى على المشهد شبهة تضارب المصالح Conflict of Interest وليت عجائب النائب العام توقفت عند هذا الحد. فما يزال الغموض يلف مذكرة شاملة تقدم بها نفرٌ من العدليين ضده، بنسخة للمجلسين السيادي والتنفيذي، وتحتوي على اتهامات كثيرة أدناها يمكن أن ترمي بمقترفها وراء الشمس!

يمتد العجب ليشمل رئيسة القضاء، فبعد أن جاهرت علناً في اجتماع بتسجيل موثق، بُعيد تسنمها المنصب الجديد، حيث أقرت بفساد قضاتها ونسبت إليهم جرائم بالتزوير والاستيلاء على المال العام وتهماً أخر، إلا أنها كصنوها لاذت بالصمت البليغ أيضاً. ليس في محاكمة الجهابذة الفاسدين فقط، وإنما في استرجاع ما ولغوا فيه من فساد. لكن يبدو أن للوجع ألف وجه ووجه، فالفساد الذي حدث في حقل الأجهزة العدلية، لم يترك حجراً ولا بشراً، فقد طال ما يُسمى (القضاء الواقف) كذلك، وهم قطاع المحامين، بإغراء بعضهم ممن كانوا يوصفون أو يتظاهرون بالثورية. إذ أصبحوا اليوم قبلة للفاسدين من أزلام النظام البائد، يقصدونهم للترافع في قضاياهم، باعتبارهم من (أهل الثورة) الذين يتمتعون بحظوة عند رفقائهم، وبالتالي لن يردوا لهم طلباً!

صفوة القول، ما الحل؟ الحل بعد ما تأكد فتح الوثيقة الدستورية، على الكاظمين الغيظ والثورة البحث عن طريق يقيل رئيسة القضاء والنائب العام معاً في حال عزَّت استقالتهما. لكي يقول الناس إن الثورة بخير، وبالتالي السودان بخير.. كما قال تشرشل!

آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!!

[email protected]
عن صحيفة الديمقراطي

 

‫8 تعليقات

  1. الكاتب المحترم فتحي الضو لقد أسمعت من ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي. الثورة اتفطست يا رجالة.

  2. نحن علي علم بان هنالك رجال امثالك الوطن في حدقات عيونهم ونتمنا ان يتواصل كشف كل من يتامر علي الثورة والوطن ارفعوا الفساد عن الوطن ليتعافى

  3. الاقاله لا تكفي ..بعد تصحيح مسار الثورة يجب القاء القبض ومحاكمة كل من سعي لوأد الثوره وعودة الكيزان المجرمين وسفلة الانقاذ للمسرح السياسي مجددا وعلي رأس هذه القائمه مجموعة الهبوط الناعم والمساومه التاريخيه..

    القائمون علي امرالبلاد هم مجموعة مطاريد الحزب الشيوعي بقيادة الشفيع خضر وكمال الجزولي هذ الدعي الذي طالب بعدم ترديد هتاف الثوره الخالد… اي كوز ندوسو دوس واعتبره غير قانوني وضد الانسانيه!! وتضم القائمه النائم العام تاج السر الحبر وكل شلة حمدوك التي خبرها الجميع..

    اما مجموعة الهبوط الناعم والتي تشمل امام البوخه واسرته ومجموعة نداء السودان والتي تضم الجبهة الثوريه فهم اعداء للثوره. وقفوا ضد الثوره منذ انطلاقتها الاولي وما زالوا على موقفهم وان ادعوا البطولات الزائفه و مساندة الثورة خجلا..
    انضم الي ركب هولاء الخونه،مجموعة المرجفين الذين افرزتهم الانقاذ امثال الوضيع فيصل محمد صالح ومخرب الوثيقه الدستورية ساطع الحاج.
    هولاء الاقزام سمحوا للكيزان بالسيطرة على القضاء وكل وسائل الإعلام. والجيش والامن. والاقتصاد والمال. والسلك الدبلوماسي ودونكم سفاح العيلفون الذي مازال حرا طليقا مندوبا للسودان في جامعة الدول العربيه.. !!!!
    اما الحاجه الكوزه نعمات رئيسة القضاء والتي شكلت مع بدريه وسعاد الفاتح وعفاف تاور. وغيرهم مجموعة نساء حول البشير.. فهي بمثابة خابور كيزاني في خاصرة الثوره..

    تجربة الحكومه الانتقاليه اثبتت للجميع الفشل الزريع للاحزاب السياسية ووضح جليا ان هذه الاحزاب لا مكان لها في سودان الثوره واعني بهذا كل الاحزاب. حزب الامه. الاتحادي الديمقراطي.. الحزب الشيوعي .. المؤتمر السوداني. احزاب الاخوان المسلمين والاحزاب التي لا جماهير لها مثل البعث والناصري وغيرهم من بقية المسميات التي ملأت سوق الله واكبر..
    لابد من الثوره التصحيحه التي ستنفذ سياسة القصاص في كل من اجرم في حق شعبنا من الكيزان وسفلة الانقاذ وكل من دعي و نفذ سياسة الهبوط الناعم . والمساومه التاريخيه…

  4. يقول الكاتب
    (أولاً: الحرية لا يُكافأ بها الذين يستغلونها لتحقيق أجندة شيطانية، ولا للذين يذرفون دموع التماسيح وهم أنفسهم الذين سامونا سوء العذاب.. قتلاً وتنكيلاً وتعذيباً وانتهاكاً للحريات. ولهذا فالحرية لا تُمنح وإنما تأتي طائعة مختارة لمن يُريدها ويُزجي لها الاحترام اللائق)
    مشكلة السودان أنه دائما يتشكل الى اثنين، كل تشكيل يمسك زمام الأمر يحجر حرية الاخر!!!!!!!!
    نفس هذا الكلام يمكن أن يقوله خصومك السياسيون حين يتولوا زمام الأمر ولا توجد أي معايير لمسألة اجندة شيطانية ودموع التماسيح و وووو فهي طاقية يلبسها كل الاخر..
    يأخي الحرية للجميع والقانون هو الفيصل في الاختلاف تلك هي القاعدة الذهبية التي تتقدم بها الشعوب.
    مع تسليمي الكامل بكل ما ارتكبه النظام البائد من جرائم وجنايات ضد هذا الوطن ولكن الان وصلت وكثيرين من هذا الشعب لقناعة أن البلاد لا يمكن ادارتها بهذا المستوى الفظيع من الشقاق والتجاذب.. هذه المأساة الاقتصادية التي نعيشها سببها الاول هو هذا التناحر ولغة الكراهية، حكام اليوم هم معارضو الامس الذين حقيت أقداهم أمام المنظمات الدولية لحظر السودان وادخاله في قوائم الارهاب! وحكام الأمس وهم معارضو اليوم لا شك انهم اصبحوا هدية ثمينة لاجهزة الاستخبارات والدول الاحنبية للنيل من السودان ولا اقول الحكومة لأنهم هم و من سبقوهم نالوا من الوطن وليس الحكومة.
    هذه العقلية الاثنة المحملة بالأحقاد والكراهية هي التي أوردت البلاد موارد الهلاك واليوم تتكالب عليها كل الدول لضعفها وهوانها..
    يأخي سرق قتل ظلم حاكموه وعلقوا له المشانق، أما من مشى بالقانون فلا يحاكم على فكره ولكن اذا اخرج اصبعه من نطاق القانون قيد أنملة يقطع الاصبع!!
    ارجوك لا تكن كغراب البين ونافخ الكير فيكفينا ما نحن فيه من ازمات هي اليوم محل شماتة لا تخفى لجزء كبير جدا من ابناء الوطن الذين كان يجب أن يحموه لا يشمتوا عليه وذلك كله بسبب العباطات التي تدبجوا فيها بالليل والنهار وبلا وعي!!
    أما لو سألوني رأيي فإن الطرقين المتنازعين على السلطة في السودان يجب ان توقد لهم نار جهنم في هذه الحياة الدنيا ويخلدوا فيها وتعطى الفرصة للشباب من غير حملة الاحقاد والكراهية والنوايا السوداء والسموم الزعاف في نفوسهم وجنوبهم، والعياذ بالله- ليقودوا البلد بعقل جديد وفهم جديد!!

  5. إنت دائماً آخر من يعلم؟ الناس من كتر المطالبة والمناشدة بذلك بحت أصواتهم ولكن كلام ساي زي ده ما ينفع، لازم تكون في وقفات احتجاجية وشكاوى وعرايض مكتوبة تسلم لحمدوك غصبا عن الجابوه

  6. الحل واحد مافى غيره… هبة شعبية داعمة للثورة تنظف ما تبقى من العصابة لَا تُبْقِي وَلَا تَذَر فيهم نفاخ النار ….

  7. على الحركات المسلحه والمشاركون في عملية السلام المطالبه بتغيير رئيسة القضاء والنائب العام بعد تجربتها لعامين اثنين برهنا خلالهما فشلهما الذريع… فهما لا يشبهان ثورة ذرفت فيها الكثير من الدماء والمعاناه !!! اما العسكر فتكفيهم كلمتين : قف مكانك!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..