
كثرت في الأونة الأخيرة بسبب الأزمات التي تواجه البلاد أصوات مثبطة للهمم تنشر اليأس والقنوط تماما مثلما كانت تفعل قبل سقوط الإنقاذ حين كانت تروِّج إلى أنه لا بديل عن استمرار النظام .. ولقد إنبرى حينذاك بعض من خبراء بيع الوهم إلى تسويق فكرة المشاركة والابتعاد عن المصادمة بحجة ان النظام ممسك بمفاصل الدولة والمؤتمر الوطني منتشر في كل أرجاء البلاد ولا سبيل إلى القضاء عليه جملة ..
ولكن – ويا لسخرية الأقدار – جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنهم وفاجأتهم ثورة الشباب فارتبكت وتشوشت أفكارهم وانهارت أطروحاتهم وعقدت الدهشة ألسنتهم .. وواصل شباب الثورة ووسط كل ما يدور من سلبيات يأتي بما يشبه المعجزات فتخرس تلك الألسن وتنزوي خجلا مما يحدث أمام أعينهم ..
وما ملحمة تأهيل مستشفى الخرطوم ومستشفى أمدرمان وتزيين الشوارع وتنظيفها وإعادة الحياة للجداريات التي سحتقها سنابك جيوش تتار القرن الواحد عشرين في غاراتها غير المبررة على ميدان الإعتصام السلمي إلا دليل على أن البلد مازالت بخير .. والمراقبون للأحداث لا بد أن يلاحظوا أنه كلما نشطت تلك القوى الهدامة في تنفيذ خططها البلهاء جاء الرد غير المتوقع من شباب الثورة ولجان المقاومة أكثر اصرارا وعزيمة في مواصلة المسيرة لتحقيق الاهداف النبيلة في الحرية والسلام والعدالة ..
لقد كانت الإنقاذ تحديا لم تعرف البلاد له مثيلا .. لم تكن حكما عسكريا دكتاتوريا فقط وإنما كانت مشروعا تصفويا اعتقد واهما أنه قادر على إعادة صياغة مجتمع جذوره ضاربة في التاريخ .. ووفقا لنظرية المؤرخ البريطاني المعروف آرنولد توينبي التي تفسر نهضة وسقوط الأمم والشعوب أن هناك لحظات تاريخية تعتمد نتائجها على نوع ودرجة التفاعل مع عاملين هما عامل التحدي وعامل الإستجابة ..
وعلى هذا الأساس فإن الأمم التي لا تسجيب للتحدي بما يناسب من ردة الفعل يصيبها الإضمحلال والإنزواء أما تلك التي تواجه التحدي بقوة فهي التي تبقى وتستمر .. وقد أفادتنا مسارات الحوادث أن التاريخ لا يرحم الأمم الضعيفة المستضعفة .. ولا شك أن المنظومة الحاكمة السابقة كانت تحديا كبيرا وقيدا أدمي معصم البلاد ثلاثين عاما حسوما ولكن ثورة الشباب السلمية جاءت بالرد المناسب واقتلعتها من جذورها.. وهكذا تخبرنا دروس التاريخ أن الامم القوية
تتجاوز المحنة وتنهض ..
والأمة السودانية تعرضت ومازالت تتعرض لأزمات متتالية وتستجيب للتحدي بإيجابية بما لديها من عزم شبابها وما لديها من إرث حضاري وموارد بشرية وطبيعية تدعم محاولاتها للنهوض والبناء ..
فالتصمت الأصوات الخائرة ويعلو صوت البناء …
د. الفاتح إبراهيم
واشنطن