من سرق ام قيردون الحاجه؟

سنوات طوال و طائر القيردون ظل يحلّ ضيفاً على صبية السودان كل سنة بلا انقطاع، يقضى معهم فصل الشتاء مهاجراً من جنوب أوروبا يرقصون معه و يغنون له:
أم قريدون الحاجه
فى كل سنه واجه
ولديك وين راح ياالحاجه؟
وليدك بجيك ياالحاجه
تحت الدفيس ياالحاجه
لابس قرمصيص ياالحاجه.
ثم انقطعت هجرة القيردون. “وليدها” لم يعد وانحبست الاهوزوجة فى حلوق الصبية.
و فى الليلة القمراء كنت تسمع اصواتهم تحملها ظلال المغارب ينادون و يتساءلون حزناً على صديقهم المفقود:
شليل وينو؟ اكلو الدودو؟
شليل وين راح؟ ختفو التمساح؟ ينادون و يتساءلون فيأتهم رجع الصدى بالنبأ الاكيد: اكلو الدودو ثم قذف بقاياه فى النيل عشاءً لرفاقه التماسيح.
كما كنت تسمعهم يتحدثون الى السمبريه:
السمبريه ام قدوم
عيش ابوى بتين بقوم
فتجيبهم بثقة:
بقوم باكر مع العساكر.
و ذلك حين كان العساكر رمز الطمأنينة.
و فى الجمعة اليتيمة يطوفون البيوت طلباً للرحمتات و بالحاح، و الويل لمن تتكاسل فى “مروق” الصدقة:
الحاره ما مرقت
ست الدوكه ما وقعت
قشايه قشايه
ست الدوكه نسايه.
أين الان ست الدوكه و اين الرحمة على الموتى؟ تلاشت كما تلاشت عن الاحياء؟
و فى نهاية العام الدراسى يصطف التلاميذ عن بكرة أبيهم فى كل مدارس السودان. و فى توقيت واحد و بصوت واحد ينشدون:
هل ننسى أياماً مضت
هل ننسى ذكراها؟
هل ننسى أياماً مضت
مرحاً قضيناها؟
أين تلك الايام و أين المرح؟.. بل أين المدارس؟
و بماذا يشدو صبية اليوم؟
حريه سلام و عدالة؟
هل و جدوا اياً منها؟ ام سرقوها زى ما فزت ام قيردون الحاجه و أكل الدودو شليل و ما قام العيش و ما مرقت الرحمتات و ماتت الذكرى؟
عرفنا ما سُرق و ممن سُرق، من السارق؟
سامى الصاوى