مقالات وآراء

من كارثة البدوي إلى جائحة هبة

أبو الحسن الشاعر

ظللنا نكرر كثيرا أن معظم وزراء هذه الحكومة غالبا ما تنقصهم المعرفة بالسياسة وهو نقص بالغ الأثر نظرا لخطورة أي كلمة أو تصريح يصدر ممن لا يعرف مبلغ ضرره وحجم تأثيره وهذا ما نلحظه في معظم تصريحات مسؤولي الحكومة الذين تنقصهم الخبرة بالواقع لأن معظمهم جاءوا بعد سنين طويلة قضوها بالخارج وظنوا أنهم قادرين على تصريف الشؤون السياسية والاقتصادية المعقدة في بلد نعتقد أن القادرين على حل معضلتها هم من صقلتهم التجربة في السياسة وعاشوا التجربة داخل الوطن وكابدوا الصعاب وعرفوا مواطن الخلل في الدوائر الحكومية ومواضع القصور في البرامج والخطط في العهود البائدة ليتمكنوا من خلق واقع جديد .

كنا نحتاج من القيادة أن تكون قيادة ملهمة ، جماهيرية ، تتواجد في كل مكان وتستنهض الشباب وتستحثهم وتبعث روح الثورة فيهم على الإنتاج وتوجههم نحو الحقول في مواسم الزراعة والحصاد بدل التسكع في الطرقات والجلوس أمام مقاهي ستات الشاي المفتوحة في كل زاوية وركن وشجرة حيث لا عمل ولا دراسة .. نحتاج أن تكون قيادة واعية وقادرة على أن تخرج العسكر الذين تعددت مسمياتهم من دائرة قتل المواطنين والنوم في المعسكرات إلى مواطن الإنتاج والبناء والتشييد لأن ذلك وحده هو ما يمكن أن يخرج الوطن مما هو فيه .. لكن ما نراه في الواقع هو تهاون وتوهان حيث لا خطط ولا برامج ولا حلم ولا أمل وللأسف نحن في مركب تعددت مجاديفه ذات الاتجاه المعاكس.

وكنا قد حذرنا من خطورة ما أقدم عليه إبراهيم البدوي وزير المالية السابق من خطة لرفع المرتبات بتلك النسبة ” المجنونة ” قبل أن يتم التطبيق ، لكن وقع الفأس في الرأس ورأينا آخر صور البؤس في مديري الجامعات يقفون مصطفين محتجين أمام مجلس الوزراء والوزيرة وتهاوت كل تلك الأحلام حتى لمن وصلتهم الزيادات بعد أن ابتلعها السوق الفالت وهو يصيح بأعلى صوته ” هل من مزيد ؟؟ ” .

عاد لذهني ذلك الشريط الذي كانت بدايته تباشير وأهازيج ورقص على أنغام ” شكرا حمدوك ” .. لينتهي المطاف بصمت مطبق ودهشة حين يرى المواطنون أن كل أحلامهم في عيش رغيد قد تبخرت وذهبت أدراج الرياح وسيطر غول السوق المفتوح بلا رقابة ليأكل الأخضر واليابس. !!
وبالأمس ظهرت وزيرة المالية المكلفة هبة محمد على ” ماسكاها أم فريحانة ” بوعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب .. وحق لها ولكل السودان أن يفرح بعد أن وعد خاطف الرهائن ترامب بإطلاق سراحهم مقابل فدية مالية ضخمة .. ولا عتب على المخطوف إن فرح بالحرية.

لكن هبة لم يهبها الله حظا من التريث فتعجلت وأطلقت تصريحاتها الصادمة ( السودان بحاجة إلى تعديل سعر الصرف حتى لا يتضرر المغتربون ولضمان سريان التحويلات عبر الطرق الرسمية ) .. وهنا تكمن المشكلة ونقول إن هبة بذلك تترسم خطى البدوي ” الحجل بالرجل ” فإذا كان قرار البدوي ” كارثة ” أكلت ما زادوا والدولار وقتها في حدود 90 جنيها وحذرنا من أنه سيبلغ المائتين فكذبنا الواقع حيث تخطى حاجز الـ 260 و” الغريق قدام ” ، فإن فكرة هبة ستنتج عنها ” جائحة مثل جائحة كورونا ستقضي على ما تبقى من آمال وستهبط بالجنيه إلى مهاوي سحيقة قد يتجاوز معها ثلاثمائة وخمسين جنيها “.

إن أي محاولة لرفع سعر الجنيه أمام الدولار ، أي تخفيضه في الواقع يعني بالضرورة مزيدا من تدهور قيمة الجنيه في السوق الموازي / الأسود فقد جرب نظام الإنقاذ البائد محاولات مجاراة السوق الموازي مما أدى لكوارث أودت به في نهاية المطاف وضاعفت الأعباء الاقتصادية والمالية وأضعفت القوة الشرائية مما جعلها تلجأ لطباعة النقود وهو ما ورثته منها حكومة الثورة للأسف وصارت تطبع والسوق يبلع والتضخم يزداد كل يوم .

لقد تسبب تصريح الوزيرة المكلفة بالأمس في عودة ارتفاع سعر الدولار بعد أن تهاوى بعد الأخبار الواردة عن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب .. وهذا شيء طبيعي فما دامت الحكومة تقول إنها سترفع السعر فذلك يعني بالضرورة أن السعر في السوق الموازي سيكون على الأقل أكثر مما هو عليه بعد تنفيذ القرار فأي ضرر أحدثته تلك التصريحات !! ؟

الوزيرة التي نخاف على المغتربين من الضرر عليها أن تقول ماذا قدمت وزارتها أو جهاز المغتربين لهم حتى بعد الثورة سوى الوعود الزائفة بل حتى تلك الحوافز التي أقرها النظام البائد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وكانت مقبولة لحد ما لم تجد حظها من المناقشة والتعديل والنفاذ ولعل خطأ هذه الوزارة أنها لم تلتفت للمغتربين وإلا لكانت كل مشاكلها قد حلت فقد كانوا متحمسين في بداية الثورة لفعل كل شيء من أجل الوطن فما وجد حماسهم أذنا صاغية ولا واعية .. وعليها أن تطمئن فالمغتربون لن يتضرروا وليسوا في انتظار أن ترفع معدل الصرف لأنهم أصلا يحولون عبر السوق الموازي وسوف يستمر ذلك ما لم يتم إصلاح النظام المصرفي وانتهاج السياسات التي تحفز المغترب على التحويل.
وهنا أود أن أشير إلى أن من مساوئ هذه الحكومة أنها تصرح ولا تفعل وتصريحاتها ترفع السوق وبذلك تكون لا هي فعلت واستفادت ولا تركت السوق على حاله ومثال ذلك أنها ظلت تردد أنها سترفع الدعم عن الدقيق فارتفع سعر الخبز ” الرغيفة ” إلى عشرة جنيهات وتحدثت عن رفع الدعم عن الوقود فتجاوز الجالون المليون وغير ذلك كثير وها هي تتحدث عن رفع الجنيه مقابل الدولار فتطير الأسعار ..

إن الحديث عن استجلاب واستقطاب أموال ومدخرات المغتربين عبر رفع سعر الجنيه لن يحل المشكلة لأن السوق الموازي لن يختفي بل سيرتفع أكثر من السعر الحكومي ما دام المستوردون لا يحصلون على متطلباتهم من البنوك ولا يتصورنّ عاقل أن يتم التحويل عبر السعر الحكومي ما دام هناك سعر أعلى مهما كانت الأسباب وحتى لو توفر الدافع الوطني عند البعض لدعم الاقتصاد الوطني والتحويل عبر الجهاز المصرفي الحكومي فلن يكون ذلك إلا بمقدار ضئيل لا يعول عليه.

إن استقطاب الأموال من المغتربين لن يتم وفي البلد نظام مصرفي مترهل وبنوك فاقدة للمصداقية لا تستطيع الوفاء بالتزامها تجاه عملائها فإذا أودعت فيها مالا خاصة بالعملة الصعبة فلن تستطيع استرداد جزء ضئيل منه عند الحاجة إلا بشق الأنفس .. فكيف يكون نظاما جاذبا ؟؟ وبالتالي فلتطمئن هبة أن ” سريان تحويلات المغتربين عبر الطرق الرسمية ” لن يتم لبنوك لا أمان لها وبنك مركزي يصدر كل يوم قرارا يخالف ما أصدره بالأمس ذلك ببساطة لعدم وجود سياسات نقدية ومصرفية مضبوطة ومنضبطة.

إن أموال المغتربين لن تدخل عبر الجهاز المصرفي في ظل سياسات غير رشيدة تأخذ ولا تعطي والحل لا يكون بمجاراة السوق الأسود إنما يكون عبر خدمات وحوافز تفيد الطرفين وتعود بالفائدة على الوطن ومثال ذلك مثلا الإعفاءات الجمركية مثلا للمدخلات الزراعية والأجهزة الطبية والصحية والمعينات التعليمية وسيارات النقل العام والخاص والقطاع السكني وغيرها مما يطالب به المغتربون منذ عقود وذلك مقابل تحويل مبلغ محدد بالتفاوت وعلى سبيل المثال إذا تم إعفاء جرار / تراكتور وتم استغلاله في الزراعة فهو مكسب لصاحبه وللدولة التي ستكسب هي الأخرى عبر الإنتاج الذي توفر بسبب هذه الآلة والضرائب التي تتقاضاها وهكذا فيا تبقى ..

نناشد المسؤولين أن يوقفوا أي توجه لخفض سعر الجنيه أمام الدولار رسميا لأن كارثة أخرى ستحل بالمواطنين البسطاء. .. أوقفوا هبة ومن يفكر تفكير هبة قبل أن يقع الفأس في الرأس، رأس المواطن الذي لم يعد فيه موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح وتكسرت عليه النصال على النصال من جراء السياسات الفاشلة والتصريحات الرعناء.

أبو الحسن الشاعر

‫2 تعليقات

  1. حقيقة مقال ابوالحسن الشاعر يمثل نصيحة قيمه لهواة وزارة الماليه البعيدين كل البعد عن اقتصاد السودان و المعرفه بتاثيرات الحاله النفسيه للسوق و سعر الدولار بتصريحات جاهله و موذيه لكل الشعب لن ينصلح حال الاقتصاد بوجود هذة الوزيرة و طاقمها ويجب اولا علاج وصفه البدوى الفاشله و العمل على خلق جسم اقتصادى ملم بواقع الاقتصاد فى السودان .

  2. المقتربين ” طفيلين”
    اي والله مافي واحد بيحول دولار فقط او ريال طيلت فتره عملة بسلم العمله الصعبة بره السودان وبيستلم عمله وطنية ليبني منزل او يعلم ابن او ينزل البلد واولاده علي حساب الغلابه فيرتفع التضخم ويكون الضحيه العامل والموظف والمزارع

    اختبار اي مغترب بني عماره يجيب كشف حساب للعمله الصعبة التي ادخلها من اجل البناء ” بيش”

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..