مقالات سياسية

قضايا استدامة الديمقراطية .. القبلية (2)

محمد الأمين أبوزيد

تعتبر القبلية واحدة من أخطر المهددات للتطور الديمقراطى في المجتمعات لما تنطوي عليه من نظرة تقسيمية تضرب عمق النسيج الاجتماعي وتعمق التمايزات الأمر الذي يناقض مفهوم الوحدة والانتماء الوطني.
ويعتبر العامل القبلى احد ادوات الصراع السياسي في السودان وفي دول عديدة في المحيط الاقليمي ويعتبر النموذج الرواندي في التسعينات ونموذج الصراع في دارفور منذ 2003 اوضح تجلي لظاهرة العامل القبلي ودوره في الصراع السياسي.

في دارفور تأسست الحركات المسلحة في اتون العامل القبلي بل كان أبرز محركات الصراع بالرغم من أن تاريخ الصراعات القبلية في دارفور يؤرخ له بالعام 1932 لأول مرة بين الزيادية والميدوب ضد الكبابيش والكواهلة وتكراره في أعوام 57 و82 و97 بحسب مقال اسلام عبدالرحمن بتاريخ 29/6/2017.

على الرغم من أن مفهوم القبلية لم يحظى بالاتفاق على مستوى المعنى والدلالة إلا أننا سنحاول الوقوف عند بعض المعانى التي تناولت المفهوم
-العصبية القبلية او العنصرية القبلية أو النزعة القبلية أو النزعة العشائرية هي الموالاة بشكل تام للقبيلة أو العشيرة أو العائلة ومناصرتها..
ويكبيديا ..
-وتعرف الموسوعة العربية القبلية:مجموعة (من الناس يتكلمون لهجة واحدة ويسكنون اقليما مشتركا يعتبرونه ملكا خاصا بهم)..

مما يجدر ذكره هنا أن القبيلة تعتبر دائرة مهمة من دوائر انتماء الفرد في السودان.
يقول د.عبده مختار موسى في بحثه بعنوان أثر القبيلة في الاستقرار السياسى في السودان : إن البنية القبلية حقيقة انثربولوجية وخاصية سسيولوجية في السودان وقد ساهم حكم الجبهة الاسلامية في ماعرف بتسييس القبيلة واثننة السياسة.

لابد من التمييز بين القبيلة والقبلية، فالقبيلة كيان اجتماعي حامل للقيم ورابط بين الجماعة يوفر لها الحماية والمصالح.
أما القبلية فهي مدلول عصبوي سلبي يشكل هوية تطغى على الهويات الأخرى بمافيها الوطنية وتنطوي على نظرة تمييزية استعلائية متوهمة لدى الآخر.

في السودان يعتبر التداخل بين العامل القبلي مع السياسب هو الأبرز لاسيما في الثلاثين عاما المنصرمة ماجعل مفهوم القبيلة ينطوى على نظر للقبيلة على انها وحدة سياسية او كيان سياسى اجتماعي ويعود ذلك إلى الاخفاق التاريخي منذ الاستقلال في سوء إدارة التنوع وسوء إدارة الموارد وتوزيعها وغياب التنمية والتحديث حيث ظلت بيئات كثيرة محافظة على سماتها التقليدية وتكويناتها القبلية ودون القبلية..

تشكل القبلية خطرا بالغا في تفتيت النسيج الاجتماعي وتفكيك وحدة البلاد من عدة زوايا:
-غياب مفهوم الدولة الوطنية بالتراجع نحو دوائر انتماء ضيقة متخلفة..
-يشكل غياب التنمية أبرز تجليات نمو الظاهرة القبلية وتمددها.

-يشكل الصراع حول البيئة والموارد والأرض والمياه أحد أسباب الصراعات القبلية بالإضافة لأسباب أخرى.
-استغلال مفهوم القبلية أداة في التجييش والصراعات الجهوية واستقطاب الزعامات القبلية بالامتيازات والمحاصصة والعسكرة وفق ماحدث في السودان طيلة فترة حكم النظام المباد ومابرز على السطح من صراعات في شرق البلاد ودارفور وجنوب كردفان.الخ

-تحول النزاعات الطبيعية إلى ظاهرة عنف تؤثر في النسيج الاجتماعي وتجعله عرضة للاستقطاب الداخلي والخارجي وتمثل تطورات الصراع في دارفور(عرب ضد زرقة وهامش ومركز) أحد اوجه ذلك.
-يعتبر غياب التعليم وضعف الوعي واحد من أسباب نمو الظاهرة القبلية وتمظهراتها السياسية والعنفية.
-يمثل حضور الدولة الضعيف وفرض سيادتها وهيبتها فىي الريف احد اسباب تنامي الظاهرة.
-غياب الديمقراطية وضعف تأثير الأحزاب والمجتمع المدني سبب من أسباب الظاهرة.

-يمثل الصراع القبلي لدى قبائل التماس ذات الامتدادات خارج الحدود أحد اسباب حضور دول الجوار في الصراعات الداخلية.
إن القبلية تشكل عقبة في قيام دولة وطنية مدنية ديمقراطية حديثة وهنا تبرز الأهمية لمناهضة منظومة القيم القبلية واحلال قيم الوطنية و العدالة الاجتماعية والمشاركة السياسية بديلا عنها..

يميز عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم في نظرته للتعارض بين الدولة والقبيلة بين النظرية التطورية والوظيفية فيرى أن التضامن القبلي تضامن ميكانيكي بينما التضامن في المجتمعات الصناعية تضامن عضوي يرتبط بالتكوينات المهنية والمدنية.
وهنا تبرز أهمية التنمية التي تقودها الدولة في دحر المفاهيم القبلية وتراجع قدراتها التأثيرية.

يمتاز السودان بتنوع قبلي متعدد اثنيا وثقافيا واجتماعيا وله امتدادات مع دول الجوار وقد ظل هذا التنوع جزءا من آليات التوظيف السياسي منذ المرحلة الاستعمارية وعلى امتداد كافة الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد ولكن تظل الفترة الانقاذية هى الأكثر تأثيرا في هذا الجانب حيث عمقت التناقضات ووظفت الظاهرة القبلية لضمان سيطرتها على الحكم وصراعات أطرافها نفسها(الكتاب الأسود ودوره في تأجيج الصراع في دارفور نموذجا) من خلال سياسات العسكرة والتجييش  وتسييس نظام الإدارة الأهلية وإذكاء الصراعات القبلية الطبيعية إلى أن استحالت إلى حروب قبلية وجهوية  دمرت البلاد وهددت وحدتها الوطنية بإثارة الكراهية والعنصرية وتوتير اجواء التعايش السلمي التي كانت سمة بارزة لاسيما في مجتمعات دارفور وكردفان الكبرى.

ان التكوين القبلط ظاهرة موجودة في العديد من مجتمعات الاقليم عربيا وافريقيا لكن يتناقص تاثيرها بتعزيز قدرات الدولة في قيادة التنمية والتحديث وبرغم تكون مجتمعات مدينية من وقت مبكر ولكن للأسف فإن ظاهرة ترييف المدينة السودانية في الثلاثين سنة المنصرمة نقلت معها القبيلة والقبلية إلى المدن بحكم تعاظم ظاهرة النزوح بفعل الحروب والتدمير الاقتصادي للريف.

 تؤسس القبلية والصراعات التي تثيرها إلى بناء تحالفات تضر بالنظرة الوطنية والنظرة إلى الدولة وتعمق حالة الانقسام الاجتماعي وربما تتطور المطالب إلى تقرير المصير والمطالبة بالانفصال.

إن مفهوم الدولة الحديثة يقوم على المواطنة المتساوية والحقوق المتساوية وعلى دولة التنمية والرعاية وعلى ابتداع نظام حكم قادر على إدارة التنوع بمختلف مستوياته لصالح وحدة البلاد وتنمية مواردها وعلى الاتفاق على مشروع وطني دستوري قائم على المشاركة والعدالة.

تكمن معالجة ظاهرة القبلية في عدة مجالات:
-تعظيم وتعزيز قيم الولاء والانتماء الوطني على غيرها من الولاءات..
-الاهتمام بالتعليم الجيد من حيث النوع ومجانيته والزاميته في مرحلتي الابتدائي والثانوي وربطه باحتياجات التنمية البشرية والاقتصادية  واشاعة القيم الديمقراطية والتربية الوطنية في مناهجه.
-تبني الدولة خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الريف التي تزيل حالة التخلف المفاهيمي.
-اقامة نظام حكم محلي على أسس الديمقراطية والمشاركة.
-الاهتمام ببرامج ثقافة  التعايش وتنمية المجتمعات المحلية..
-سن تشريعات تناهض القبلية والسلوك القبلي..
محمد الأمين أبوزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..