مقالات وآراء

لا تقتل البعوض بل جفف المستنقعات

محمد حسن شوربجي

 

قالت لي ابنتي وهي منزعجة  أن الذباب والباعوض يتناوبان عليهم ليل نهار.

والسبب بقايا المستنقعات والمياه الراكدة والنفايات والقاذورات التي انتشرت في كل مكان .

قلت لها انه ومهما قتلنا  البعوض والذباب  فإنهما لن ينتهيا ما دام المسبب موجودا.

فتلك  المستنقعات والنفايات الكثيرة هي سبب كل ذلك البعوض والذباب.

فهذا المستنقع أو تلكم النفايات تنتج المزيد من البعوض والذباب  وقد تستقطبه من كل  صوب،

وان كنا في حاجة ماسة لتنظيف أشياء كثيرة أخرى في مجتمعاتنا المليئة  بالمستنقعات والنفايات قبل محاربة البعوض والذباب والذي يسهل محاربته بالرش وتجفيف المستنقعات والنفايات  و نظافة المنازل  .

ولكن الصعوبة كبيرة في حرب آفات مجتمعاتنا الكثيرة و تنقية نفوسنا وتغيير أخلاقنا وإصلاح سرائرنا ومعاملة الناس بحسن خلق و طلاقة وجه وبذل معروف وكف اذى   وترك نفاق وسباب وكذب وخداع ناس في الاسواق.

فاي مبيدات تحارب مثل هذه الآفات اللعينة التي تجذرت في مجتمعاتنا فتفككت بها الكثير من الأسر .

وقد قال شوقي:

وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا

فالاخلاق اساس بناء الامم والشعوب وقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم” انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق” وقال الله سبحانة وتعالى في رسولنا الكريم ” وانك لعلى خلق عظيم”.

وفي ظني أن  مكافحة الحشرات الضارة  ليست  بأولوية بقدر أهمية محاربة  هذه السلبيات الخطيرة .

وان كنا نكتفي احيانا   برمي اللوم كله على تلك الهجمة الخطيرة والغزو الثقافي الخارجي الذي حل بمجتمعاتنا أجهزة صغيرة يحملها الجميع ليل نهار  وقد استهدفت  العقول.

فلقد ساهم هذا الغزو كثيرا في خلق حالات من الضعف الذاتي وتخريب المناعة  في أجسادنا وعقولنا ،

وأن كانت هنالك أسباب أخرى كثيرة منها الفقر وإهمال الدولة.

وحقا   فالاستعمار الحديث قد تغير  شكله القديم وقد تحول من استعمار  عسكري مباشر بالجيوش إلى استعمار تقني معلوماتي الكتروني يرسل كل شروره عن بعد بكيبلات تحت مياه البحار والمحيطات  وأبراج سلكية وغير سلكية ودون الحاجة  إلى الأسلحة والدبابات وطائرات الشبح.

وهذا  السلاح فتاك  وقد تمكن فينا بسهولة وسيطر على عقولنا كبارا وصغارا  .

فلقد استغل الغرب حالة الضعف  التي كانت تسيطر على  كل بلدان المسلمين.

والحل في  محاربة أسباب تقبلنا لتلكم السلبيات الضارة وفسح الطريق  لها  بسهولة .

فالواجب علينا أن نتلقى ما قد ينفعنا ونرفض ما لا ينفعنا كاشخاص.

فامريكا قد طلبت  من رئاسة السلطة الفلسطينية مثلا بناء نظام تعليمي بديل لذلك النظام الذي كان.

وقد تمضي امريكا  لاجبار الجميع علي تعديل المناهج وحتي تتوافق وغزوها الفكري وهكذا روسيا وغيرها.

فالغربُ يسعى للسيطرة على كل العقول.

وهم على وشك زراعة شريحة معلومات تحت الجلد  في كل العالم للسيطرة على البشرية معلوماتيا.

واذكر انه وقبل انفصال الجنوب عن السودان  كانت بعثات  أبناء الجنوب  لامريكا أكثر بكثير عن أبناء الشمال  والهدف العودة بأفكار أمريكية تخالف ما كانت سائدة في السودان.

فهم حقا  يُريدون فراغًا عقليًّا يسيطرون عليه،

وأن تكون عقولنا خاويا.

والسبب غلو بعض جماعاتنا الاسلاميه ولنا مثال في نظام الإنقاذ البائدة التي شمرت عن ساعدها الهزيل لمحاربة امريكا باناشيد امريكا دنا عذابها وبث روح العداء في نفوس الشباب.

وهذه إحدى طرق الفشل التي بسببها عملت امريكا والغرب لدعم غزواتها الفكريه.

و ليتنا في السودان نطبق النموذج الصيني ونهتم بالزراعة والمزارعين بل ونغرقهم بجزء كبير من ميزانية الدولة المهدرة في الدفاع والسلاح  للنهوض بالإنتاج الزراعي.

وان نجعل جل استثماراتنا  زراعية.

ففي بضع سنين سنجد أنفسنا من أغنى دول العالم.

فالزراعة كنز تحت أيدينا مغلق وقد ضاعت مفاتيحه.

ولنبحث جميعنا عن تلك المفاتيح.

ولعل تحسين اقتصادنا  يجعلنا أقوياء نقارع كل الغزوات الفكرية التي تستغل فقرنا.

فلا يكفي اخوتي المطالبة فقط بحرب كل العادات الضارة في مجتمعاتنا والخطب الرنانة في المساجد  وبطوننا خاوية والفقر والجوع يكادا يقتلاننا.

وقد قالوا أن الجوع كافر.

فالجوع هنا اخوتي ليس نقص الغذاء فحسب، ولكن هو جوع فى الطعام، وجوع فى الخدمات  وجوع فى الحقوق. وجوع في الفكر. وجوع في العقيدة وجوع في الأخلاق.

وفي فنزويلا اضطرت الفتيات إلى بيع شعرهن من أجل الحصول على الغذاء والدواء،

وهناك من تبيع شرفها. وكلها مداخل سهلة للغزو الفكري الذي بدأ  يهدد وجودنا.

وما اسهله تهديد البعوض والذباب ابنتي العزيزة.

………………………………

 

محمد حسن شوربجي

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..