أهم الأخبار والمقالات

نظرات في الداخل

د. وجدي كامل

عادات وسلوكيات تطغى كثيرا على أدائنا في الحياة. من تلك العادات والسلوكيات ادماننا للتعليق على الناس والأشياء مما يحفز على طرح السؤال للنفس: هل نحن كائنات مُعَلِقة؟ وبلغة أخرى تتقن وتجيد صناعة التعليق فقط؟ التعليق على اي شئ؟

ملوك وسادة التعليق نحن كما نبدو. نحن ننتظر الأشياء حتى تتكلم هي ثم نذهب للتعليق عليها بدلًا عن تعليمها الكلام. وأسهل ما نعلق عليه يكمن في السياسة والاقتصاد والطقس، والظواهر الاجتماعية، وتبادل أخبارها.

قد لا اشتط إذا قلت اننا نعيش حياتنا كمعلقين على الأشياء وليس كمغيرين لها او محولين لطاقاتها وبالتالي أوضاعها وفي ذلك ومن ضمنه معالجة الواقع كمادة نمارس متعة الفرجة عليها دون تعديلها.

في هذا وذاك، تنشا عدة أسئلة ربما تحول بعضها الى اتهامات تتعلق بكسلنا الجسدي والذهني بتواطؤ مع أساليب ووصفات التربية في علاقتنا بالمكان. وربما بتواطؤ بين المكان والطقس، وبين الطقس والمكان والثقافة.

هل هو كذلك، ام أن هنالك قدرات معطلة لدينا وممنوعة عن الاستخدام في الجانب التطبيقي وفي مقدمته ممارسة التفكير الابتكاري او الإبداعي والذي لا يتم الا من مدخل النقد العملي بصفة أساسية وليس مجرد التعليق الذي يحول المعلومات عن الأشياء كمادة خبرية اصطلح السودانيون على تسميتها مؤخرا في العقود الأخيرة ب (الشمارات) التي تتكون من لحظة اثارة الفضول حول او عن شئ او إنسان ما لحظة الامتلاء الخبري عنه فتصبح تلك عادة تدور رحاها  بين اثارة الفضول وامتلائه فتتحول العادة الى ادمان يتحول هو بدوره الى أسلوب حياة يعادي ويكره التفكير النقدي والابتكاري والتجديد وكل ما له علاقة بالتغيير لمادة الواقع والحياة على النحو الايجابي.

ولا غرو ان نجد ان المطالبين والممارسين لذلك النوع من التفكير التطبيقي هم اشد الناس تهميشًا وكرهًا من الغالبية في المجتمع.

وقفت في حياتي على ملاحظات قاتلة كثيرة وشهدت تبدد الكثير من الطاقات والموارد البشرية النافعة والتي من المؤمل كان ان تنجز وتساهم في احداث تغيير بسبب دمغها ووصفها بالوصفات السالبة كمتفلسف وفلان ده منظراتي ساى او صعب خلاص او او حتى زول الله (ساكت).

لماذا كل هذا العمى عن الحياة في اهم افكارها وصفاتها بجعل الحيوية في التطور والبناء المستمر الذي يقوم على مبتدأ الهدم اولا؟

لماذا لا نهدم ما يستحق الهدم بالتجاوز ووضع بديله؟

لماذا لا نتخلص من الأساليب فاقدة الصلاحية في التفكير ونشجع بناء أساليب جديدة بتأسيس سلطة العقل والتفكير العلمي وعدم القبول بالنتائج والمعلومات الا بقدر حاجتنا للتطور ورغبتنا في إحداثه فلا نبني علاقات مقدسة معها وبها؟

لماذا نحتفي بالحياة بأثمان زهيدة ولا نجعلها تحتفي بنا في سياقات التطور وصناعة الأفكار التحويلية لمادة الواقع؟

هل هو محتوى التعليم النظري في جملة نواحيهتعليم الحفظ والتلقين والخوف من إثارة الأسئلة الجريئة، المحرجة؟

هل هي غلبة التفكير الأدبي وسيطرة الأدب وحاملته اللغة (المحروسة بالقداسة) كأداة توصيل للأفكار؟

هل هو محتوى التعليم الديني ومدارسه المعتمدة لدينا منذ الدولة السنارية وقدسية النماذج والأشياء بحيث تصبح ممنوعة من النقد؟

هل هو الطقس الحار في أغلب شهور السنة؟

هل هي السلطات الاجتماعية التاريخية ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية المتوالدة المستنسخة والقادرة على التحور وإعادة إنتاج نفسها بأشكال مخادعة؟

لا أنحاز لأي التساؤلات أعلاه أو الإجابة عليها بنعم أو لا، إذا أن الإجابة بنعم هي ضرب كذلك من الكسل والعجز الذهني. بل قصدت ان كل ما سبق إثارته، وإذا لم نضع إجاباتنا عليه والعمل على معالجته فسوف يظل الهرم على ما هو عليه مقلوبا منذ مئات السنين وتغدو الاماني بإحداث التطور العام ومنه السياسي والاقتصادي مجرد أوهام تتخذ سلطاتها وتفسد عقولنا بأساطير الحياة وليست الحياة في دلالتها الواقعية، الحيوية، المتجددة

 

د. وجدي كامل

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..