مقالات وآراء سياسية

إعتقال شرطي دافع عن زميله امام المحافظ والقاضي والجمهور

عبدالعزيز عبدالباسط

كرامة الوطن في كرامة مواطنيه، فكل ما تجبرت الحكومات وتنمرت على مواطنيها وأهانتهم ،ادي ذلك للتقليل من شأنهم عند الاخرين فمواطن لا تحترمه دولته لن يجد الاحترام عند حكومات وشعوب الدول الأخرى، وسيؤدى ذلك الى ضياع سمعة الدولة وهيبتها وتقزيمها والتقليل من شانها، وإهانة الدولة لمواطنيها يشكل مدخلا خطيرا لإهانة وضياع سمعتها، ويؤدي الي التدخل في شؤنها الداخلية باعتبارها بلدا غير ناضج ويحتاج الي وصاية الدول الاخرى، وهذا يقلل من شأن موظفيها في الخارج ويقلل من احترامهم لدي شعوب البلدان الأخرى، وهذا ما حدث لموظفي سفارتنا بإحدى دول الجوار حين اخذ مواطن من تلك الدولة يكيل لهم السباب اثناء خروجهم من السفارة، لمجرد ان احد المترددين علي السفارة قد قام بتقريش عربته امام منزل ذلك المواطن، حتي تصدي له مواطن سوداني تصادف وجوده بالقرب من السفارة وهم بضربه لو لا تدخل بعض العقلاء ..
هذا ما فعلته حكومة الانقاذ المشؤمة بنا فحين استباحت كرامة وهيبة المواطن بالقتل والتعذيب في بيوت الاشباح وبالإرهاب المستمر، ترتب علي ذلك ضياع هيبة السودان وتضائل حجمه ودوره علي مستوى الاقليم  والعالم كله، حتى وصلت الاستهانة بنا بان تحتل اراضينا ويهان مواطنينا في الخارج وتزور عملاتنا النقدية، واصبحنا في مقدمة الدول الفاشلة ولا حولة ولا قوة الا بالله..
قتل مواطن في الدول المتقدمة يؤد الي اسقاط الحكومة، وتعريض اكبر مسؤول في الجهاز التنفيذي للمحاكمة، ويفقده أي فرصة لتبوء منصب قيادي في المستقيل .. قال تعالي (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) صدق الله العظيم..
في السبعينات اعتلى احد المختلين عقليا سطح احد بنوك مدينة ود مدنى فاتصل حرس البنك بالشرطة التي كانت متواجدة في موقع الحادث في اقل من خمس دقائق لكنها واجهت مشكلة لان ذلك الرجل المختل كان مسلح بساطور فتأزم الوضع وقد امتلأت ساحة السوق الكبير المواجهة للبنك القريب من شارع الجمهورية بجمع غفير من الجماهير المستهجنة لموقف ذلك الرجل المختل و المتعاطفة مع رجال الشرطة كليا يومها كل ما حاول رجال الشرطة المسلحين الصعود عبر اجهزة المكيفات لسطح البنك كان ذلك المختل يرفع ساطوره متجها نحوهم فيسارعوا بالنزول وتأزم الموقف وزادت الحشود وقام رجال الشرطة بالاتصال بالمحافظ ليسمح لهم بإصابة الرجل و قدا جاء المحافظ علي الفور وقد شاهد الرجل وساطوره الكبير لكنه طلب من رجال الشرطة محاولة الامساك بالرجل دون إلحاق الاذى به فقامت الشرطة بألقاء قنبلة غاز مسيل للدموع لكن الغاز بدلا من ان يصيب الرجل المختل سار بوضع منخفض على سطح البنك المكون من طابق واحد وهبط على الجماهر المحتشدة فطلب المحافظ من الشرطة الاتصال بالقاضي لا نه هو الشخص الوحيد المخول له اعطاءهم امر بإصابة الرجل وقد حضر القاضي بالفعل لكنه طلب من الشرطة محاولة الامساك بالرجل دون إيذائه ..
(هكذا كان المواطن السوداني عزيز وغالي عند دولته كانت اهانته غير مقبولة  وكرامته غير مهدورة ودمائه مصانة ومحفوظة بقوة القانون الذي احترمه الموطن حين احترمته الدولة ممثلة في رجالها شرطة ومحافظ وقاضي وكان السوداني مهابا خارج السودان يوم كانت دولته تتورع عن اهدار دمه  وكرامته وإنسان تحترمه دولته هو جدير بان ينال احترام الاخرين)..
يومها فاض الامر برجلي شرطة شابين فصعد كل منهما على جهاز مكيف خلف ذلك المعتوه في الوقت الذى اخذت فيه الجماهير تهتف بشدة حتى تشغل المعتوه عن الانتباه لرجلي الشرطة وقد حاول احد رجلي الشرطة و يدعى ” عاطف ” الامساك بالمعتوه خلسة من الخلف فتنبه له الرجل المعتوه و التفت اليه و حاول ضربه بالساطور فقام الشرطي الاخر بحماية زميله واصاب الرجل المعتوه برصاصة من مسدسه الرسمي في ركبته فسقط المعتوه على سطح البنك وهو يصرخ و تمكن رجال الشرطة الشجعان من الامساك به وسط فرحة وهتاف الجماهير ثم قاموا بإنزاله من على سطح مبنى البنك و قد تم نقله في حراسة الشرطة الى مستشفى ود مدنى في الحال وبعد نقل الرجل المعتوه الى المستشفى قام الضابط بسؤال الشرطيين من اصابه منكم ؟ فرد عليه احدهم انا جنابك لا نه كان يريد ضرب عاطف بالساطور فقال له الضابط سلم سلاحك و كابك وحزامك فامتثل الشرطي بكل ادب لا مر الضابط وقام بتسليم سلاحه وكابه لزملائه دون أي اعتراض .. هكذا كانت شرطتنا عظيمة لم تتساهل مع احد المنتسبين اليها رغم انه كان في حالة دفاع مشروع عن زميله امام مئات الجماهير وامام المحافظ والقاضي..
تذكرت هذه القصة التي كنت احد شهودها و انا طفل صغير  يوم ان كانت الشرطة السودانية تحافظ علي تلك القيم العظيمة وتتحلى بها وتذكرت تلك القيمة التي كان يتمتع بها الانسان السوداني في عين الدولة ورجالها وذلك النهر المتدفق من الحب والاحترام المتبادل بين الشرط والمواطن ..
بعد ثورة الانقاذ المشؤمة  ارواح المواطنين لم تعد لها قيمة وكرامتهم  لم تعد مصانة بعد ان اصبح الانسان هو ارخص ما ففي سودان الانقاذ..
قبل الانقاذ كان القضاة في السودان عظاما واحسب انهم ما زالوا كذلك فانا لم افقد ثقتي فيهم ..كان يعمل لهم الف حساب حتى الشرطة و المحافظ لا يأمنون ردة فعلهم اذا اخطأوا لانهم كانوا قضاة لم تلوثهم اهواء الساسة و لم تضعفهم شدة الحاجة فكانوا هم الملاذ لكل مظلوم والرادع لكل ظالم مهما كانت قوته .
..المدرسة والمدرس أولا..
عبدالعزيز عبدالباسط
[email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..