مقالات سياسية

(نعم/آت) الخرطوم الثلاث.. ما بين مناحة التطبيع وتباشير التحرُّر من القائمة السوداء !!

يوسف مصطفى

تسألني، لمَ الربط بدءاً بين ملفي التطبيع، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، حتى تختلط علينا المشاعر المتناقضة ما بين فرح مشروع وحزن مفروض!! أجيب ببساطة لأنَّ المجتمع الدولي – بكامل قواه العقلية – قد رضي بارتهان كامل إرادته عند دولة واحدة – في مفارقة بينة لميزان العدل والإنصاف والاستقامة – دولة واحدة تسيطر على القرار، فتمنح من تحب كامل الرضا، ومن تكره سوء العذاب !!! إذن، وبما أن العالم قد رضي كله بقضه وقضيضه، بأحراره ومستعبديه، بمنظماته وصناديقه، بهذا الوضع الشائه وبهذه المعادلة الظالمة، لماذا إذن يُطالب السودان بوصفه الحالي المثقل بالتحديات، أن يكون هو لا غيره شامة وضيئة في خد العالم الكالح!!  لماذا يتوجب علينا وحدنا أن نكون أوفياء لقيم خير منتهك وعدل مختل وجمال مشوه، لماذا نُطالب بأنْ نظل أوفياء لعالم صمت دهراً وبلدنا الصغير المنهك يُباد جزءٌ من شعبه بحروب يمولها طرف من هذا العالم، ويُفصل جزءٌ من ترابه بتدابير يرتبها بعض هذا العالم، ثم الأنكى، تستعمله فئة باغية من بني جلدتنا، رهينة لعقود ثلاثة تسومه سوء العذاب تُقتِل أبناءه وتستحى نساءه، وذات العالم من حولنا يغض الطرف بعربانه وزنجه وفرنجته وما بينهم من ملل ونحل، ولكن فقط حينما تواتينا الفرصة لننكفي على جراحنا ننظف قيحها ونضمد آثارها، ينهض بعض مفكري ومثقفي ذات العالم صائحين: مهلاً هناك جرح أولى بالعناية والاهتمام!!

حسناً، هل من طريق نسلكه يوائم بين الاهتمام بجراحنا وجراح الآخرين، يبدو لي: نعم، فلقد تناولت في مقال سابق قبل نحو شهر من الآن، بعنوان “التطبيع ما بين (إبل) السودان و(كعبة) فلسطين” تناولت فيه ضرورة المواءمة ما بين أولوية مصالحنا وحق الفلسطينيين في دولة كاملة السيادة والكرامة، بعيداً عن شعارات سبعينيات القرن الماضي الموغلة في الرومانسية والمجافية لمعطيات الواقع عربياً وعالمياً، كما أبنت في ذات المقال سلسلة التنازلات التي مهرتها السلطة الفلسطينية نفسها في وارسو الأولى والثانية، وبعض دول الطوق وبقية دول في المحيط العربي والإسلامي طبعت أو غازلت أو تواطأت أو أدارت تطبيعاً من وراء الأبواب الموصدة في وجه (فلاشات) آلات التصوير، بينما تملأ أبواق إعلامها فضاء الميديا زعيقاً حول نصاعة مواقفهم تجاه عدالة القضية الفلسطينية، في نفاق وانحطاط صار جزءاً من تركيبة عالمنا العربي والإسلامي لعقود خلت!!

يلزمنا بدءاً ونحن نسير في هذا الدرب الملتوي، أن نميز بين الغاية (مناصرة القضية) والوسيلة (المقاطعة) فنحاكم الثانية – أي المقاطعة – إلى أي مدى أفادت الأولى – أي القضية – ما هو حجم المكاسب التي أحرزتها المقاطعة على مدى العقود الخمسة الأخيرة منذ (لاءات الخرطوم الثلاث)، هل من حصيلة تستحق مواصلة اعتماد (المقاطعة) كآلية أو وسيلة لمناصرة القضية العادلة للشعب الفلسطيني، أم أن الوسيلة نفسها أضحت غاية بمرور الزمن، حيث يصبح مجرد فحصها ضرباً من ضروب العمالة والارتزاق!!

دعونا وبصراحة نسأل: ماذا خسرت دولة الكيان الصهيوني جراء هذه المقاطعة إن كان على مستوى الأداء الاقتصادي أو السياسي أو حتى على مستوى العلاقات الدولية، ستكون الإجابة الصاعقة تقدم الدولة (المحاصرة) في كافة المجالات بينما يسير المقاطعون – ومعهم القضية الأزلية – القهقرى وفي كافة المجالات أيضاً. عليه، أليس من الرشد إعادة النظر والتفكير في وسائل وآليات أكثر فعالية لمناصرة الحق السليب أم ننكفي على ما وجدنا عليه آباءنا وإنا على آثارهم لمقتدون !! في اعتقادي هذا هو السؤال الذي يجب أن نبحث في إجابته بعيداً عن ضغوط الابتزاز التي يمارسها بعض مناصري القضية الفلسطينية، غض النظر عن منطلقاتهم إن كانت وطنية، إثنية، ثقافية، دينية أو حتى إنسانية.

إلى ذلك الحين، دعوني أعود لانكفائي الذاتي لإجلاء النظر حول ما أعتقد أنه الأنسب للتعاطي مع مأزق قضية التطبيع من خلال طرح مفهومي لـ (نعم/اتنا الثلاث) كما في صدر المقال:

فلتكن نعم الأولى: لأولوية مصالحنا الخاصة متى ما تعارضت مع أي مصالح أخرى، لأننا المسؤولون عيناً عن ما يلينا من مصالح، بينما مسؤولون كفاية عن قضايا الآخرين.

أما نعم الثانية: فلتكن للاعتراف للسلطة الحاكمة بكامل حقها في إقرار ما تراه الأصلح لشعبها وفق ما هو متاح لها من معطيات ومعلومات قد لا تكون متاحة للرأي العام، مع تحملها كامل المسؤولية عن ما تتخذه من قرارات.

أما نعم الثالثة: فهي لسيادة حكم السلطة التشريعية قبولاً أو رفضاً لقرار التطبيع الذي تباشر اتخاذه السلطة الحاكمة بمكونيها التنفيذي والسيادي.

بهذه الخطوات لا أعتقد أن من حق كائن من كان الطعن في سلامة ما نصل إليه من قرار، فقط تصبح الخطوة الأهم هي متى وكيف يتم تشكيل المجلس التشريعي صاحب الكلمة الأخيرة في فصل المقال، بحيث يسبق تشكيله اتخاذ القرار حتى لا يلجأ البعض لحيلة (الاجتماع المشترك)، وبحيث يعبر المجلس ديمقراطياً عن قوى الثورة الحقيقية، حتى لا يُصنع صناعة لتمرير قرارات مسبقة.

 

يوسف مصطفى <[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..