تبت أيدي المفسدين

تبت أيدي المفسدين

عبد الرحمن الأمين

الأصل في الأشياء الاستقامة، والسير على طريق الجادة، والسوية ينبغي أن تكون فطرة في الناس، والانحراف شذوذ لا يؤخذ به ولا تبنى عليه قاعدة، هذا منطق الأشياء، وبداهة تعارف عليها الناس، وما عادت محل أخذ ورد.

ولكن الأمر عندنا، أخذ وضعاً مقلوباً، ونهجاً معكوساً، فالذين يسلكون دروباً ملتوية، ولا يتعففون عن النهج غير السوي، بدوا في نظر الناس (فهلويين) ومن أهل الذكاء، بل ويحسدهم ويغبطهم البعض، على عبهم من الحرام، وبدلا من أن يلفظ المجتمع أمثال هؤلاء، ويعدهم من شواذه، ومن الخارجين على أعرافه، باتوا محل توقيره وتبجيله، وصار الناس يلتمسون ودهم، ويخطبون صداقتهم، ويرجون مواددتهم.

فهل اختل ميزان القيم عندنا؟، أم أن تعقيدات الحياة، وضغوطها الاقتصادية، وانفراط العقد الأسري جراء الحروب والاغتراب، ووطأة الحياة، كلها أسباب قادت الى تبدل نهج القيم، وتضعضع البنيان المجتمعي، ومن ثم ضعفت الكوابح الأخلاقية، وتراجعت منظومة القيم الدينية.

ويخطئ كثيرون إن ظنوا أن مجتمعنا سيبقى على حاله، وإن قيمنا ليس بالوسع النيل منها، أو الاقتراب من حرماتها، وواهمون إن ظننا أننا أكثر مجتمعات الدنيا أخلاقاً وتديناً، أو هكذا بشرتنا الاستراتيجية العشرية، فمياه كثيرة جرت تحت الجسر وخلخلة عظيمة ضربتنا ونخرت في بنياننا، وأوهت قيمنا، حتى لم نعد نصدق، أفي حلم نحن، أم في ظل واقع صعقنا؟.

من المؤكد أننا لسنا بدعاً بين الأمم، وأن المجتمعات في صعودها في سلم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تعتورها معتورات، وتعوق مسارها معوقات، وتأخذ بتلابيبها مثبطات، وكل هذا يترك آثارًا غير هينة على منظومة قيمنا وعلى موروث أخلاقنا.

لكن ينبغي علينا، وهكذا فعلت وتفعل كل الأمم التي سبقتنا في سلم التطور الحضاري، أن نجعل من تقاليدنا وأعرافنا وقيم ديننا، مصدات لكبح جماع المنفلتين والفالتين، وأن نحصن مجتمعنا ومؤسساتنا بقوانين، تحيط بكل من يحاول أن يتسلل وأن يحدث ثغرة في منظومة القيم الأخلاقية والمجتمعية.

بهذا فقط نحمي مجتمعنا ونصون مؤسساتنا، ونحول دون الولوغ في المال العام وإتيان الحرام، ونرسخ في عقول ناشئتنا أن كل هذا من الفعل المستقبح والشائن، وأن صاحبه مرذول.

أما ان مضينا في لا مبالاتنا، وعددنا هؤلاء العابين من الحرام ومن المال العام من (فتوات) المجتمع، ومن المحميين، وأن من يقترب من حماهم، ومن يدوس لهم على طرف، فلن ينجو من مكرهم وسوء فعلهم، فلن نجني إلا ثمار مجتمع مهدم ومحطم.

على قوى مجتمعنا الحى والمدني وكل قوانا الخيرة، أن تعضد من نهج الصحافة المعرية للمفسدين والفاضحة للوالغين، لا التثبيط من هممهم، ولا اطلاق القول الخائر من شاكلة (هل لكم قبل بهؤلاء؟)، لنا قبل بهؤلاء وأكثر، ولن نكون من المستضعفين ولا من ظالمي أنفسهم، بغير هذا سيعم طوفان الفساد، وستظهر آثاره في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، لكن التدافع الذي هو سنة الحياة سيضطر المفسدين الى أضيق السبل، ولن يجعل لهم غلبة على المحسنين الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً، وتبت أيدي المفسدين.

صحيفة الحقيقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..