مقالات وآراء سياسية

هل كان مؤتمر البجا انفصالياً (5)

د. السموءل محمد عثمان

أجمع الكثيرون على ضعف الموقف التفاوضي لجبهة الشرق في المفاوضات مع الحكومة ، وكمثال على ذلك ماذهبت إليه الدكتورة آمنة ضرار في مقابلة لها مع كاتب هذا المقال ، حيث كانت ترى أن جبهة الشرق لم تكن جاهزة للمفاوضات مما جعلها تطالب باستمرار بتدريب أعضاء وفد جبهة شرق السودان في المفاوضات ، لأن الحكومة خبرت المفاوضات من خلال نيفاشا وأبوجا ، وجلست على طاولة المفاوضات كثيراً واكتسبت الخبرة الكافية ، عكس جبهة الشرق التي تنقصها الخبرة .

هذا قاد إلى التعجيل باتفاقية شرق السودان ، كأسرع اتفاقية من بين الاتفاقيات الأربعة التي وقعتها الحكومة في نيفاشا وأبوجا والقاهرة وأسمرا ، تميزت اتفاقية شرق السودان بسرعة المفاوضات التي لم تستغرق سوى خمسة شهور ، وكنا قد أسلفنا فيما سبق أن دولة اريتريا لعبت دوراً مهماً في التعجيل باتفاقية شرق السودان تحركها في ذلك الضائقة الاقتصادية التي كانت تعيشها ، فكان لأبد لها أن تتجه نحو السودان لحل أزمتها من الوقود ، تمثلت مساعي ارتريا في أن تلعب دور الوسيط بين الحكومة السودانية والتجمع الوطني وعندما فشلت في ذلك، قامت بدور الوسيط بين الحكومة وجبهة شرق السودان ، جاء هذا بعد العداء بين الدولتين السودان وارتريا، والاتهامات المتبادلة بين الدولتين ليتم الصلح بينهما بعد مساع قطرية حثيثة بين الخرطوم واسمرا .

جاء في مقابل ذلك حرص الحكومة السودانية على قفل الحرب في جبهة الشرق وذلك لحساسية تأثير شرق السودان على كل البلاد ، إضافة إلى أن الحرب في جبهة غرب السودان كانت قد استفدت مجهودات الحكومة ، لذا جاءت الاتفاقية مستعجلة بدون أي ضمانات دولية غير الوساطة الاريترية ، وظلت أسيرة لأي تغيير في العلاقات السودانية الاريترية .

هذا ماكان من أمر الاتفاقية التي اعتمدت صندوق الشرق لتنمية وأعمار منطقة شرق السودان ، ولكن جاء الصندوق غير تطلعات أهل الشرق ، ولم يحدث التنمية المنشودة ، وصاحب الفساد الكثير من مشروعات الصندوق ، لذا ظل الشرق بدون تنمية ، وتضاعفت معاناة أهله .

لذا فإن الوقت هو لبناء وتنمية الشرق بعيداً عن القبلية وزرع بذور الفتنة ، خاصة لحساسية منطقة شرق السودان ، وتأثرها الكبير بمايدور في الجارتين اريتريا وأثيوبيا مما يفرض الحكمة والنظر للمنطقة برؤي مستقبلية من أهل الشرق وقياداته، فالبؤس الذي يخيم على المناطق الريفية طال أجله ، وتسرب الطلاب من المدارس يشكل نسبة كبيرة بين مناطق السودان الأُخرى ، بجانب التدهور البيئي الذي أصاب كثير من المناطق ، وانعدام المياه الصالحة للشرب في المناطق الريفية ، بل دعك من الريف تشكو مدن الإقليم صعوبة الحصول على الماء ، إضافة إلى الأمراض المستوطنة بالمنطقة .

هذا يفرض وضعاً خاصاً بالإقليم ، يتطلب الإستثمار الأمثل للوقت والموارد ، ويعيب على أهل الشرق الالتفات لموضوعات أُخرى غير موضوع التنمية والأعمار، يجب على أهل الشرق تفويت الفرصة على الذين يريدون إشعال النار في الشرق، وزرع الفتنة بكل خبث لتأجيج نار القبلية البغيضة ، وجعلها النار التي تنتشر بين الهشيم لضرب شيم أهل الشرق من طيبة وتسامح وترابط كما أسلفنا ، لقد كان القصد سياسياً ، فالذي حدث كان غريباً على الشرق وأهل الشرق، والتاريخ يشهد على أن الشرق كان بعيداً دوماً من فتن القبلية والعنصرية وروح الانفصال .

د. السموءل محمد عثمان
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..