مقالات وآراء سياسية

لعناية “الباحثين عن الحقيقة”

علي يس

•       لم اقف محتاراً أمام معنى  من المعاني، حيرتي إزاء معنى «الحقيقة» كما نتداوله، سواءً في حياتنا اليومية، أو في معالجاتنا لقضايا الفكر او الفقه أو الأدب أو التاريخ، أو – خصوصاً هذه الأيام – السياسة !!
•  و دعنا ننظر في مفهوم الحقيقة في مجال التأريخ مثلاً.
• الحقيقة هى مرمى – ومزعم –  كل مؤرخ، ومطلب كل قاريء للتاريخ، فيها، وحولها ، وباسمها، يكون التحاب والتباغض، والتناصر والتنافر، بل إن «الحقيقة» التاريخية هى أكثر العناصر الخارجية تأثيراً على حاضر الانسان، فرداً كان او مجتمعاً!! فكم من مشاعر ومواقف تجاه أناس وأشياء فرضها علينا «التأريخ»!! وكم من عظائم أعمال الناس، سلباً أو إيجاباً، ما لم يكن ليحدث لولا إملاء «حقائق التأريخ»؟! وكم من عزائم الامور ما أعرض عنه أناس «أولو عزم» فأضاعوا خيراً كثيراً، و ما أعرضوا إلا بإملاء من «حقائق التأريخ » الذي ظنوا أنهم عرفوه!!..
•        وبرغم أن طاعة أمر التأريخ واستشارته والاعتبار به، هى من اولى واجبات الكائن البشري، البصير، على الارض، ومن اقدم نصائح الاديان السماوية، إلا ان المشكلة المربكة تنشأ حول مدى صحة وموثوقية  «الحقيقة التأريخية»، والناس يختلفون حول هذا الامر، فيختلفون بعده في مواقفهم، ثم في تطلعاتهم وغاياتهم، ثم تتضارب إراداتهم، فتتلاقى سيوفهم أو راجماتهم، فيبقى منهم من يبقى ويبيد من يبيد، والمسؤول عن ذلك هو «الحقيقة»!!
•         والاختلاف حول «حقائق» التاريخ، هو أمر نبرره –  عادة –  ببعد العهد وتسلط الأهواء، فنعالج تلك الآفة بأن يصطنع كل فريق منهجه الخاص لنقد التأريخ وكشف مواقع الزيف أو الهوى أو الوهم فيه، ويصل كل منا في نهاية الأمر إلى «الحقيقة الباهرة» التي لا يرقى اليها الشك، فإذا بنا، أخيراً، امام آلاف المزاعم المتضاربة المتضادة، التي يحمل كل منها صفة «حقيقة لا يرقى اليها الشك»!! وإذا بكل منا يكتشف، وهو يقارن بين «حقيقته» و«حقائق» الآخرين، أن كل الآخرين كذبة ملفقون ومزوِّرون للتاريخ وجنود للهوى، أو أغبياء لا يحسنون استنباط  الحقائق..!!
•        ونحن –  في الواقع – نكون، إذ نصل الى تلك القناعات بشأن الآخرين، مخلصين وصادقين غاية الاخلاص والصدق، تماماً كحال الآخرين، إذ يروننا بذات المنظار.. وهذا يصدق على الأمم والمجتمعات كما يصدق على الافراد، حتى على مستوى الاسرة الواحدة، في التنازع حول  «حقائق صغيرة»..!!
•     مشكلة الانسان مع «الحقيقة» ابتلاء ازلي، كتبه الله تعالى على البشر، وجعله أحد مكونات واسباب اقداره التي تجري على الناس، وهى مشكلة قد يدرك الانسان جذورها، ولكنه قلما يستطيع  الفكاك منها، فنحن جميعنا ندرك الآن – مثلاً – أنه  لا سبيل إلى  الإحاطة  المطلقة بحقيقة   أي  شيء، مهما هان أمره، لأن وعينا مقيد محدود، والمحدود لا يقدر على الاتيان بفعل مطلق ، ثم إننا نعلم ، تبعاً لذلك، أن ما نراه من «الحقيقة» – حقيقة أي شيء – هو نزر يسير متحوِّل، تبعاً لتحوُلنا نحن في المكان والزمان، وأنَّ « أذواقنا» الخاصة، هي التي تضفي على «الحقيقة» ألوانها.. نعلم ذلك جيداً، ولكن قليل جداً منا، من يستطيع  التصرف بوحي من وعينا ذاك، أولئك القلة هم من تصدق عليهم صفة «العلماء»!!
•        لو قرأ أشياخنا القرآن بوعي وتدبر وتجرُد مما  قال «آباؤنا الأولون».. لو تأملوا جيداً بعقولهم لا بعقول «السلف»، لادركوا أن كثيراً من «الحقائق» التي يبذلون لأجلها النفوس هى ممَّا شبه لهم..!!
•       و لو قرأ ساستنا تاريخ هذه الأمة ، منذ الاستقلال على الأقل ، بتجرد علمي بصير ، لأدركوا أن نظام الحكم لم يتغير منذ ذلك الوقت ، في حقيقته ، إلا من حيث مقدار “الاستبداد و التسلط” ، أما ما يحسبه (الظمآن) دورات ديمقراطية تعقبها دورات حكم عسكري ، فهو مما شبِّه لهم ، فلا  فرق في الحقيقة بين أن يتحكم في مصير البلاد رجلان أو ثلاثة من العسكر ، و بين أن يتحكم في مصيرها “شيخان” يلقب أحدهما بـ”مولانا” و الآخر بـ”الإمام”..
•       بل لأدركوا أيضاً أن الديمقراطية في هذا البلد لم تكن في يومٍ من أيامه إلا ديكوراً سخيفاً يحجب وراءه ، على الدوام ،  بئراً آسنة من الوصاية “الدينية” تحت أسماء طائفية شتّى ، فلو أن الديمقراطية كانت حقيقية و متجردة في يومٍ ، لما تمكن العسكر من استلاب الحكم أصلاً ، و لما وجدوا ، بداية كل عهدٍ عسكري ، رجالاً من الشعب يهتفون و يصفقون ، و نساءً يزغردن !!..

[email protected]

تعليق واحد

  1. أن ما نراه من «الحقيقة» – حقيقة أي شيء – هو نزر يسير متحوِّل، تبعاً لتحوُلنا نحن في المكان والزمان؟؟

    يا استاذ لكي تبدو منظقياً وعلمياً عليك معرفة مفردات اللغة التي تستخدمها، وإلا اذا اكنشف الاريء أنك لا تستيع التمييز بين كلمة نذى وكلمة نزو فلا داعي أن يتنع بنحليلاتك العلنية!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..