
مثل كثير من الولاة المدنيين الذين عينتهم الحكومة الانتقالية، واجه الأستاذ خالد مصطفى معارضة شرسة من لجان المقاومة ومكونات قحت، في مدينة الأبيض، في بادئ الأمر! ولكن يبدو أنه قد استطاع تجاوز تلك المواجهة بقدر من الصبر والتحمل، بدليل أن الولاية الآن تشهد استقراراً نسبياً، مقارنة مع ولايات السودان الأخرى، بالرغم من الاحتجاجات وفرض حالة الطوارئ بالولاية بعد زيادة سعر الوقود. ولا يعني ذلك أن السيد الوالي قد وضع حداً لمعاناة الناس ومشكلات الولاية المتراكمة، إذ لا يزال الوضع دون توقعات المراقبين.
وعلى سبيل المثال، هنالك أحياء داخل الأبيض لا تزال تجأر بمر الشكوى من سوء أمداد المياه والكهرباء وعدم نظافة الطرق، مع المطالبة بإزالة الظواهر السالبة. وهذه مطالب مشروعة ومعقولة؛ ولكن يبدو أن الوالي، وقد أكمل شهره الثالث في منصبه، لم تسعفه الحنكة؛ حتى يكسب رضاء مواطنيه ويطيب خواطرهم فقد خاطبهم بقوله: ما في زول جابني؛ لأن الولاية من الله! والمؤمن كيس فطن، بمعنى أن السيد الوالي كان ينبغي عليه تجنب هذا الأسلوب في مخاطبة مواطنيه فهم، مهما يكن الأمر، أصحاب حق، وبعض رعاياه الذين سوف يسأل عنهم حتماً لا محالة.
يا أستاذ خالد ليتك تتعلم من الدكتورة آمنة الفكي، والي نهر النيل، عندما قالت للمناصير قولتها المشهورة: “ممكن نهد سد مروي، لو كان ذلك يرضيكم، ما هو أصلاً بني بأموال الربا”! فهذه الكنداكة تعرف ما تقول، وهي في ذات الوقت تخدم أهدافها السياسية، وتنفخ في الفاضي، مع أن حملها ريش. ولكنها على كل حال أرضت الأهالي وكسبتهم إلى جانبها! ويا سيادة الوالي، بما أننا لا نعلم تحديداً حاضنتك السياسية، فإن من الحصافة أن تسعى لتكوين قاعدة جماهيرية لتساندك إذا لزم الأمر مستقبلاً؛ وهذا يتطلب قدراً من الحنكة والتدريب على مخاطبة الجماهير!
من جانب آخر، لا نعلم إن كان السيد الوالي قد طاف على إداريات ولايته للالتقاء بالناس والتعرف على مشكلاتهم على أرض الواقع، دون الاعتماد على التقارير التي قد لا تعكس الحقيقة في أغلب الأوقات. ونتيجة لذلك هنالك تراكمات إدارية بحاجة لتحرك عاجل من حكومة الولاية حتى يحس المواطن بأن تغييراً حقيقاً قد حدث في البلاد، وليس مجرد شعارات. أولى تلك المشكلات التقسيمات الإدارية التي أرهقت كاهل بعض المواطنين؛ لأنها في واقع الأمر لم تراع تقصير الظل الإداري بل تمت كنوع من الترضيات؛ ولهذا فإن من الحكمة إعادة النظر في تلك التقسيمات. ويضاف إلى ذلك النزاعات الأهلية حول ملكية الأراضي وهي مهدد للنسيج الاجتماعي في هذه الولاية. ونناشد السيد الوالي بسرعة التقرير الحاسم في هذا الصدد وإعادة الحقوق إلى أهلها وفقاً للرؤية الجديدة التي تتبناها الدولة الآن فيما يتعلق بالحواكير.
السيد الوالي، بحكم منصبه وصلاحياته المخولة له، كان من المفترض أن يضع يده على أموال النفير التي كانت مودعة في المصارف العاملة في الأبيض، وهي ليست خاضعة لولاية وزارة المالية الاتحادية؛ لأنها جمعت من أهل شمال كردفان، الكردافة الناس القيافة، بكل انتماءاتهم ومكوناتهم الاجتماعية؛ من أجل تطوير ولايتهم الحبيبة، وبما أن الله قد جعله والياً على هؤلاء الناس؛ فقد كان من الأجدر به أن يستخدم تلك الأموال لتلبية مطالبهم، بتقديم الخدمات والتنمية لهم، سواء في داخل الأبيض، حاضرة الولاية أو خارجها. ولكنه للأسف الشديد ترك تلك الأموال الطائلة حتى وضعت إحدى اللجان يدها عليها بدون وجه حق؛ إذ لا يوجد أدنى مبرر لتجميد تلك الأموال إلا أن يقال إن اللجنة المذكورة تمارس مهامها في ولايتنا الحبيبة! ومن يريد أن يمارس السلطة والحكم عليه أولاً أن يضع خدمة الناس، ورد الظلم عنهم، وحفظ حقوقهم، نصب عينيه، لأن الخلق عيال الله، وأحب الناس إليه أنفعهم لعياله. إلا أن السيد الوالي، بموافقته على تجميد أموال النفير، قد أضاع فرصةً على أهالي ولايته، وهم بحاجة للماء والدواء والكهرباء والوقود.
والحديث ذو شجون، وسيادة الوالي يعلم قبل غيره أن بعض أجزاء هذه الولاية تعتمد على الزراعة المروية، والعروة الشتوية على الأبواب الآن والمزارعون محتارون في الأمر إذ يصعب عليهم شراء الديزل فهل بالإمكان توفير كمية من الوقود لدعم الزراعة؟
عموماً، نحن متفائلون، بإحراز تقدم في هذه الولاية؛ نظراً للأسلوب الذي يتبعه الوالي في معالجة القضايا، وحسن استقباله لكل من يطرق باب مكتبه شاكياً أو مظلوماً. وهذا أمر يحمد للأستاذ خالد مصطفى، ولكن في ذات الوقت مطلوب من سيادته أن يتذكر الخصوصية التي تتميز بها ولايته، من حيث تماسك النسيج الاجتماعي وتكافل الناس ونفرتهم من أجل النهوض بالولاية عبر برنامج يعرفه القاصي والداني. ومواطنو هذه الولاية لم يجمعوا على مشروع سوى نفير نهضة شمال كردفان، وقد آتى بعض أكله، بشهادة الجميع، ولكنك الأن تنقض عرى ذلك المشروع العبقري، فهلا أعدت النظر فيه؟ والحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها فهو أولى الناس بها؟
محمد التجاني عمر قش