
فيما سبق تناولنا أن اتفاقية شرق السودان اعتمدت صندوق الشرق لتنمية وأعمار المنطقة ولكن جاء الصندوق غير تطلعات أهل الشرق ، ولم يحدث التنمية المنشودة .
هناك عدة أسباب أدت إلى ذلك ، أولها تركيبة الصندوق نفسها ، إذ تكون الصندوق من أثنى عشر عضواً برئاسة وزير المالية الاتحادي رئيساً ، وجاءت الأكثرية داخل مجلس إدارة الصندوق للمؤتمر الوطني من تسعة أعضاء مقابل ثلاثة أعضاء ممثلين لجبهة الشرق ، قاد هذا لأن تكون الغلبة للمؤتمر الوطني في إجازة المشاريع وكل الموضوعات التي تخص الصندوق . إضافة لهذا كان المدير التنفيذي للصندوق يتبع لحزب المؤتمر الوطني ، لذا كانت هناك مشروعات تنفذ دون حتى إجازتها من قبل مجلس إدارة الصندوق ، لأن المدير التنفيذي ضمن أن ليس هناك مسالة مادام الأغلبية لحزبه داخل مجلس إدارة الصندوق .
لم يكن لمساعد رئيس الجمهورية ورئيس جبهة شرق السودان أي سلطة تنفيذية على صندوق شرق السودان، فلم يكون هو رئيسا لمجلس الإدارة ولا المدير التنفيذي للصندوق هو ولا أي عضو آخر من جبهة الشرق ، وهو الذي حمل السلاح وحارب سنينا عددا من أجل التنمية لإنسان الشرق ، ومن أجل أن يزيل عنه التهميش الذي لحق به ، فهاهو يبعد نفسه ويظل متفرجاً ليظل إنسان الشرق عابقاً في معاناته الأولى .
لم يوجد قانوناً ينظم عمل الصندوق ، وغياب القانون هذا أدى لكثير من الإخفاقات تارة بانجاز مشروعات لم تجاز من قبل مجلس الإدارة ( 15 مشروعاً ) وتارة بانجاز مشروعات لم تطرح لها عطاءات اصلا، وتارة بتحويل مشروعات من ولاية إلى أخرى دون الرجوع لمجلس الإدارة ، إضافة إلى عدم وجود المستندات المالية للصرف في كثير من الأحيان وكثير ماتدفع الالتزامات المالية بواسطة مدير مكتب المدير التنفيذي للصندوق في غياب الوحدة المالية بالصندوق . كما لم يتم الالتزام باللوائح والضوابط المالية مثل لوائح وقوانين المشترىات الخاصة بجمهورية السودان ، التي يجب أن تتبع في كل مشتريات الصندوق .
أيضاً كان يفترض أن تنال المحليات التي تأثرت بالحرب نصيبا وافراً من إعادة التعمير والتنمية ومكافحة الفقر ، نسبة لتأثرها بالحرب وهذا لم يحدث.
معظم المشروعات كانت بعيدة من حياة الناس وغير مؤثرة في تخفيف حدة الفقر وتوفير سبل كسب العيش ، وأختزل الصندوق مشروعاته في مجال التعليم في البناء فقط حيث قام بتشييد الفصول والمدارس فقط دون التأثيث ، والشئ المعلوم والثابت أن مشاكل التعليم في الإجلاس التي تعتبر مشكلة كبيرة تواجه لتعليم في البلاد عامة ،وليس في شرق السودان خاصة ، حتى بناء هذه الفصول والمدارس كان أحياناً في مناطق غير مأهولة بالسكان . كما تم تشييد بعض هذه المدارس في مناطق العرب الرحل ، والطالب في هذه المناطق دوماً يكون في حال ترحال مع أسرته . هذه المدارس أيضا تم تشييدها بدون داخليات مما جعلها عديمة الجدوى في هذه الحالة.
تمثل مشكلة المياه معضلة كبرى في الولايات الشرقية الثلاثة ريفاً وحضراً ، ولم يتم التركيز على مشروعات المياه .
لم توكل المشروعات في التنفيذ لشركات ومقاولين ذوي مقدرة وكفاءة مالية وفنية عبر المنافسة الكاملة وفق الشروط المعلنة ، كما أن الصندوق كان بعيداً عن مجال الخدمات الاجتماعية التي تؤدي لتنمية المرأة ، والثابت أن المرأة في شرق السودان تحتاج الكثير من برامج التوعية . جاءت نظرة الصندوق للمشروعات من حيث الكم وليس من حيث الكيف. حيث اعتمد الصندوق على عدد المشروعات وتكلفتها المادية أكثر من اعتبار فائدتها بالنسبة للسكان ، وأثرها في تخفيف أعباء المعيشة .فاهتم الصندوق بالمباني الأسمنتية والخرصانات أكثر من اهتمامه بإنسان الشرق نفسه وتنميتته، لم يهتم الصندوق كما أسلفنا بصغار المزارعين والرعاة وهم سكان المنطقة الأساسيين بالاهتمام بالمراعي وتوفير المياه عبر التجمعات.
د. السموءل محمد عثمان
[email protected]