البيض الفاسد

المشهد الأول (في حي من أحياء الخرطوم الطرفية و على ظل جدار بيت الحاجة النعمة)
جبرين: يا حا حا حاجة النعمة .. البيض الإشتريتو منك يو يو يو يوم الخميس الفات طا طا طا طلع فاسد و و وعايز أرجِّع قُو قو قُو .. قروشي
النعمة: عاد ده بسموه كلام ده يا أخواتي.. راجل طول و عرض و شنب قاطع ليهو أربعة كيلو عشان يرجّع بيض اشتراه قبل اسبوع؟ و مالك ما رجعتو في ساعتو يا حشاي؟
جبرين: يا حا حا حا حاجة النعمة بي بي بي بي بالله عليكي ما ما ما تت تت تطعني بي بي بي بالكلام .. حت ت ت ترجعي لي قو قو قو قروشي ولا أص أص أصعد القضية؟
النعمة: و إنت يا الهلفوت بتهددني بي أصعدها .. صعدها إن شاء لعمر البشير زاتو
جبرين: خا خا خا خليكي من عمر البشير و الله را را را رئيس اللجنة الشعبية ي ي ي يجيب خبرك
المشهد الثاني: (داخل بيت عثمان رئيس الحركة الشعبية للحي)
جبرين: يا أخي البلد دي ما ما ما فيها قا قا قا قانون ولا شنو؟ يعني الـ وا وا واحد ما ما ما ما يعرف يا يا يا يا خد حقو؟
عثمان: قول بسم الله يا جبرين مالك؟ فاير في شنو من الصباح؟ و حقك شنو و الشالو منك منو؟
جبرين: يا أخي أنا اشـ اشـ اشـ تريت بيض من حا حا حا حاجة نعمة و لمن مشيت البيت لقيت البيض فا فا فا فاسد .. جيت أرجعو ليها و أشيل قو قو قو قروشي قاعدة تت تت تتفاصح و تطعن بالكلام .. أنا ما ما ما ما هماني إنها اتكلمت فيني .. و حق البي البي البي البيض برضو كنت حا حا حا أخليهو ليها .. بس تتكلم في الرئيس .. ده كتير شوية و ما ما ما بقبلو أبدا و لا بس بس بسكت عليهو.
عثمان: حاجة النعمة قالت شنو يا جبرين؟
جبرين: قا قا قا قالت الكلام الما بن بن بنقال يا شي شي شيخ عثمان و إنت زا زا زاتك ما بتقدر تا تا تاسمعو خليني الأقدر أقولو ليك. يذهب جبرين و يهمس في أذن عثمان بكلام مقتضب
عثمان: شنو؟ إنت متأكد من إنو قالت الكلام ده؟
جبرين: آي مو مو مو متأكد و الله و لو ما ما ما ما مصدقني أم أم أم أمشي أسألها بنفسك
عثمان: غايتو لو كلامك ده كان طلع صح .. حاجة النعمة الله قال بقولك .. يلا نمشي ليها عشان نشوفها نجوم الضهر الما شافتهم!!
المشهد الثالث (عند الحاجة النعمة بجوار بيتها)
عثمان: يا حاجة النعمة .. شنوا السمعناه ده؟
النعمة: ها يا البسموك شنو ما عارفة .. مالك بتنهر؟ ما بتعرف الكلام بأدب؟ و لا قالو ليك أنا طرشانة؟ و بعدين بالحساب ما بكون ولدت الولدتك؟ عيال آخر زمن!
عثمان: يا حاجة حقو تعرفي إنتي بتكلمي منو .. أحفظي لسانك و جاوبيني على سؤالي .. صحيح إنتي قلت لجبرين الكلام القالو لي؟
النعمة:القوالات بقت حقة الرجال يا بنات أمي .. طالما جابت ليها قوالات .. أنوريك من الآخر .. قلتو و بقولو و كان جبت لي مكرفون بقولو .. عندك حاجة تانية ولا أقوم أكتح الشطة دي في وجوهكم الما بتخجل دي؟
يمشي عثمان على عجل و من وراءه جبرين.
المشهد الرابع
(بعد نصف ساعة و أمام بيت الحاجة نعمة) تقف سيارة لاندكروزر مظللة بداخلها أربعة رجال ينزل منها رجل يلبس نظارات سوداء داكنة
الرجل: إنتي الحاجة نعمة؟
النعمة: آي أنا الحاجة نعمة .. عايز كمان بيض ولا شطة؟
الرجل: أركبي معانا العربية دي .. يلا قومي ..
النعمة: إنتو منو عشان أركب معاكم؟ ما راكبة و الراجل منكم يقرب مني عشان الليلة أتم ليهو الأدب الناقصو
ينزل اثنان من السيارة و قبل أن تتمكن حاجة النعمة من عمل شيئ يقبض عليها الإثنان و تقاوم النعمة و لكن تذهب مقاومتها سدى و عندها تأتي جارة النعمة و تصرخ بأعلى صوتها
_ فكوها يا كلاب .. إنتو ما تعملو رجالتكم دي مع اسرائيل البتضربكم صباح و مسا .. فكوها .. يا ناس الحلة هوي ألحقونا .. حاجة النعمة خطفوها
يطلع الجيران و الكل يستطلع من بعيد .. لا أحد يجروء على الكلام .. يتصل أحدهم بإبن الحاجة النعمة و يخبره بالواقعة .. تنطلق السيارة و تملآ الناس بالغبار و تختفي عن الأنظار.
داخل السيارة .. رُبطت عينا الحاجة نعمة فلم ترى شيئا و وُضع شريط لاصق على فمها فصمتت إلا من همهمات و غمغمات لا يدري معانيها أحد غيرها .. ظلت السيارة تسير لأكثر من ساعة و كل الذي كانت تدركه الحاجة النعمة ما يأتيها من أصوات تنخفض كل مرة إلى أن تلاشت .. توقفت السيارة .. قِيدتْ الحاجة النعمة إلى غرفة و أزيحت العصابة من عينيها و اللاصق من فمها و كل الذي رأته داخل الغرفة لمبة حمراء معلقة من السقف .. طاولة و كرسيان و أغلق وراءها الباب.
جاء ابن الحاجة النعمة من مقر عمله البعيد .. لا أحد يجيبه عن هوية الخاطفين و لا رقم السيارة و لا وجهتها .. جن جنونه فأخذ مع جار له يجوبان مراكز الشرطة و المستشفيات و لكن لا شيء .. قاما بكل الاتصالات الممكنة .. لا شيء .. مضى الليل و كانت هي الليلة الأولى للحاجة النعمة تبيت خارج بيتها مذ خمسين عاما .. كانت ليلة تساوى طولها مع عمرها المديد.
انتشر الخبر في الحي باختطاف الحاجة النعمة و تجمع الناس بالعشرات .. ثم بالمئات أمام دارها .. رويدا رويدا بدأت الهتافات ترتفع تارة بـ ترجع ترجع حاجة النعمة ..ترجع ترجع حاجة النعمة و أخرى .. فضيحة فضيحة يا كيزان .. بقيتو بقيتو على النسوان .. فضيحة فضيحة يا كيزان بقيتو بقيتو على النسوان … و هتاف آخر يقول: غور غور رئيس اللجنة الشعبية .. غور غور رئيس اللجنة الشعبية .. فجأة جاءت قوات المهمات الخاصة و أعملت ضربا و ركلا في الجموع .. و سرعان ما تفرق الناس.
بعد هدوء الأحوال .. تجمع أطفال الحي بشكل تلقائي و اتفقوا على أن يشتري كل منهم طبقا من البيض ثم قاموا بقذفه دخل بيت كل من جبرين و عثمان رئيس اللجنة الشعبية فلما خرجا على أصوات المقذوفات (البيضية) وجدا عبارة (عثمان البيض و جبرين البيض) مكتوبة بتشكيل (بيضي) خالص أمام باب كل منهما.
المشهد الخامس
اتصالات مكثفة بين الأجهزة الأمنية و القضائية على كيفية احتواء الأزمة التي باتت أمرا مقلقا للحكومة .. ثار جميع سكان الحي الذي تقطنه الحاجة النعمة و لقيت ثورتهم تضامنا من الأحياء المتجاورة و وجددت طريقها إلى النت و الصحف الورقية .. شكل وزير الداخلية لجنة و كلفها بأمرين لا ثالث لهما .. كيفية احتواء الأزمة مع حسم فوضى التغول على الذات الرئاسية .. خرجت اللجنة بضرورة إجراء محاكمة علنية بأسرع ما يمكن .. تحددت يوم القضية ..
المشهد السادس (داخل المحكمة)
محكمة .. يقف الحضور بينما يدخل القاضي و مساعديه ثم يجلس الجميع
القاضي: أقسم بالله العظيم أن أقول الحق كل الحق و لا شيئ غير الحق ..
النعمة: أقسم بالله العظيم أن أقول الحق كل الحق و لا شيئ غير الحق
القاضي: اسمك بالكامل و عمرك و مهنتك
النعمة: أنا النعمة بت صالح أبو البشر و عمري تلاتة و خمسين سنة و شغالة ببيع شطة و ويكة و بيض و فول الحاجات قدام بيتي.
القاضي: هل لديك محامي يرافع عنك
النعمة: لا ما عندي
القاضي: هل تريدين أن تعين لك المحكمة قاضيا يرافع عنك
النعمة: لا ما عايزاهو .. أنا بدافع عن زات نفسي
القاضي: النعمة بت صالح أبو البشر .. أنت متهمة بالإساءة إلى رأس الدولة و رميه بصفات لا تليق به. ماذا تقولين في التهمة الموجهة لك؟
النعمة: ياتو تهمة؟ إني اتخطفت من قدام بيتي بدون سبب؟
القاضي: تهمة الإساءة إلى رئيس الجمهورية
النعمة: أسأت ليهو كيف يعني؟
القاضي: يعني وصفته بألفاظ لا تليق به
النعمة: و الله يا أخواتي ياهو ده الفضل .. دنيا آخر زمن .. و أنحن ما قاعدين يشتمو فينا عشرين سنة؟ قدمنا ……..
القاضي: يا حاجة جاوبي على السؤال لو سمحتي .. بتعترفي إنك أسأتي ليهو ولا لأ؟
تنهار الحاجة النعمة و يغمى عليها. (ترفع الجلسة)
في الجلسة التالية
القاضي: ضعي يا حاجة النعمة يدك على المصحف و أقسمي: اقسم بالله العظيم أن أقول الحق كل الحق و لا شيئ غير الحق.
النعمة: أقسم بالله أن أقول الحق كل الحق و لا شيئ غير الحق.
القاضي: عندك ترخيص بالبيع أمام بيتك؟
النعمة: ترخيص يعني شنو؟
القاضي: يعني رخصة من الوحدات الصحية
النعمة: يعني عايزني أمشي ليهم و أقول أسمحوا لي أبيع شطة و ويكة و بيض قدام بيتي؟
القاضي: عندك الترخيص ولا ما عندك؟
النعمة: ما عندي
القاضي: عندك ما يثبت صلاحية البيض الذي قمت ببيعه للمدعو جبريل؟
النعمة: ما فهمانة حاجة
القاضي: عندك ورقة تثبت أن البيض و الشطة و الويكة الذي تقومين ببيعه صالح و غير فاسد
النعمة: أنا ببيع في البيض و الحاجات دي من خمسة سنين .. مافي يوم زول جا و قال برجع البيض غير زولكم جبريل التمتام ده
القاضي: ماذا قلت لجبرين عندما قال لك إنه سيصعد القضية؟
النعمة: قلت ليهو صعدها لعمر البشير زاتو
القاضي: يا حاجة إنت أقسمت على المصحف أن تقولي الحق
النعمة: و أنا بقول الحق
القاضي: بس إنت و على حسب الشهود العندي قلت غير ذلك
النعمة: يعني قلت شنو؟
القاضي: عايزنك تقولي قلتي شنو
النعمة: العندي قلتو و ما عندي غيرو
القاضي: هل تنكري أنك قلت إن البشير زاتو فاسد؟
النعمة: أبدا ما قلت كده .. لكن إنت يا القاضي القريت القانون .. رأيك شنو في فسادو؟
القاضي: عندك أقوال أخرى
النعمة: لا ما عندي
القاضي: بما أن المتهمة خالفات الأنظمة المتبعة في الحصول على ترخص لبيع الأطعمة في بيئة غير صحية مما يعرض حياة المواطنين للخطر و بما أنها اعتدت لفظيا على المواطن جبريل و رئيس اللجنة الشعبية و بما أنها أساءت إلى رئيس الجمهورية و وصفه بالفساد دون أن تكون لديها البينة الواضحة فقد حكمت المحكمة على الحاجة النعمة بالسجن سبعة سنوات و حرمانها من البيع إلا بترخيص بعد قضاء مدة العقوبة. رفعت الجلسة.
قام القاضي و خرج .. وقفت الحاجة النعمة ممسكة بخشب قفص الإتهام .. شاخصة ببصرها … و عندما أمسك بها الشرطي ليقودها خارج قاعة المحكمة كانت قد فارقت الحياة.
في اليوم التالي و بينما الناس في العزاء .. جاءت سيارات مظللة و نزل منها رجال على ثياب بيضاء و يضع أغلبهم نظارات سوداء .. إنه البشير و وفده المرافق .. يقدمون واجب العزاء .. لم يتحرك إليهم أحد .. لم يصافحهم أحد .. قام ابن الحاجة النعمة و دخل بيته و أغلق عليه الباب .. رجع الوفد إلى سياراتهم و انطلقوا تتبعهم قذائف البيض من أيدي الصغار.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والله ياهو واقع السودان يا أستاذة
    الحاجة النعمة ليست سوى بلادنا التي اغتالها الكيزان ومشوا في جنازتها

  2. القاض : انت قلتي عمرالبشير اكل الحرام لحدي ضرصو اتخلا
    الحاجه : نعم لو مامصدقني اسال شريفه شرف الدين
    القاضي: شريفه دي منو
    الحاجه: دي الجنن ناس دعوني اعيش

  3. استاذة شريفة ما اجمل كتاباتك روعة ولها معني كبير كبير جدا الله يكون في عون السودان انا لله و انا اليه راجوان الهم ارحم ميتنا ( السودان ) .

  4. والله قصة جميلة نتمنى ان يطلع عليها بقية الاخوة رواد الراكوبة ، لانها تعبر عن ملخص لكثير من المظالم والمهازل التى اصابت السودان من قبل تلك المجموعة الظالمة

  5. الصحيح فى نهاية القصة انهم رسلو طيارة قصدى سيارة اسعاف جابت الجثمان وبعد داك بقو اسياد البكاء ومافى زول فى البكاء الا يشكر فيهمواولهم ولد المرحومة .. وفى مروتهم بل ذهب البعض الى تدبيج قصيدة عصماء يقول مقطعها ديل القبضو النسوان ديل السترو الجثمان ..

  6. روعة والله غايتو من ناحية حبكة درامية ومفردات الحوار أضحكتنى شدييد….وابكتنى الوقائع المتمثلة فى الظلم الذى وقع على الضحية والتى تمثل الفئة الصابرة القابضة على جمر القضية المقدسة وهى مكافحة الظلم والظالمين…..تسلمى يا حواء السودان الصامدة

  7. حيكومات تجى
    وحيكومات تغور
    تحكم بالحجي
    بالدجل الكجور
    ومرة العسكري
    كسار الجبور
    يوم بإسم النبي
    تحكمك القبور
    تعرف يا صبي
    مرة تلف تدور
    ولا تقول بري
    أو تحرق بخور
    هم يا الفنجري
    يا الجرف الصبور
    كل السقتو ما باقي
    على التمور
    وأرضك راقدة بور
    لا تيراب وصل
    لا بابور يدور

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..