مقالات وآراء سياسية

الانقلابات العسكرية (1)

د. السموءل محمد عثمان

يقول السياسي والمفكر والشاعر الأديب محمد أحمد المحجوب : ( عشت لأعاني الألم المبرح من رؤية الديمقراطية يغتصبها العسكريون مرتين في بلدي ) هذا المحجوب العاشق للديمقراطية الذي قالت التايمز عنه ( أنه ظل محتفظاً بإيمان عميق بالديمقراطية ) لم يشهد التجربة الثالثة للاعتداء على الديمقراطية ، التي كانت أشد وأكثر تنكيلاً بالسودانيين نسبة لسواد صفحتها وطول فترتها الزمنية.

درس المحجوب الهندسة ثم القانون ، وأُختير وزيراً للخارجية في يوليو 1956وعاد مرة ثانية بعد ثورة أكتوبر 1964م ، ثم أُنتخب رئيساً للوزراء في يونيو 1965موعاد مرة ثانية في مايو 1967م وحتى 25 مايو عام 1969م عندما أطاح انقلاب مايو بالحكومة الديمقراطية .

يتساءل المحجوب الذي تعرض للمحن الثلاث كما يسميها الاعتقال والحجز في البيت والنفي : ( ما الأسباب التي جعلت الدبابات تقعق في الشوارع ، وتطيح بالحكومات ، وتقضي على رجال الدولة الذين ناضلوا في سبيل حرية بلادهم ) . ويصف المحجوب حال العسكر دوماً في تلك الانقلابات فيقول : ( يؤكد العسكريون جميعاً ، حين يستولون على الحكم ، أن هدفهم استئصال الجشع والفساد ، ويتعهدون بإرجاع الحكم إلى المدنيين بأسرع وقت ممكن ، لكن ما أن يتذوقون السلطة حتى يستبد ولعهم بها ، فيسعون إلى البقاء في الحكم مهما تكن النتائج بالنسبة إلى اقتصاد بلدهم ) ويضيف حين تطرد الحرية يزول الوعي وتخرس الجرأة.

فهل كان غياب المحاسبة من بعد ثورة اكتوبر 1964 م بالنسبة لمدبري الانقلاب العسكري 1958م برئاسة عبود، وإعفاء منفذو الانقلاب من الحساب ، لتنازلهم عن السلطة طواعية ، وغياب العدالة الانتقالية بعد انتفاضة أبريل 1984 ، واكتفاء الناس ببعض المحاكمات لمدبري انقلاب مايو ، سبباً في تكرار هذه السيناريوهات لتقويض الديمقراطية بالانقلابات العسكرية .

لأشك أن أهم المشاكل التي عانت منها القارة الأفريقية كان بسبب طمع جنرالاتها في الحكم وإقدامهم على المغامرة و الانقلابات العسكرية ، فكانت مسرحاً للنزاعات والحروب الأهلية ، والتخلف والفقر والمرض ،مما جعل الاتحاد الأفريقي الآن يعمل على تجميد عضوية الدول التي يستولى فيها على الحكم بانقلاب عسكري وكأنه يقول لامكان لأي نظام وصل للحكم عن طريق الانقلاب على الشرعية بين دول الاتحاد الأفريقي.

ظلت هذه الأنظمة المستبدة وراء انتهاك حقوق الإنسان ، ومصادرة الحريات خاصة حرية التعبير ، والسبب في قضايا الفقر والعوز والمسغبة لمجموعة كبيرة من السكان ، نسبة للفساد والمحسوبية والتلاعب بأموال وثروات البلاد وتحويلها للمنفعة الخاصة ، وترتبط ارتباطا وثيقاً بمشاكلنا في السودان بالظلم والقهر وانتهاكات حقوق الإنسان ، وقضايا الفساد والمحسوبية ، التي أدت إلى إفقار كثير من المناطق .

الثابت أنه كلما انتفض الشعب وكانت الثورة ، عملت فئة من الناس على هزيمة الديمقراطية وهم رواد الانقلابات العسكرية ،فيعملون على خنق الديمقراطية بالأزمات الاقتصادية الطاحنة والفوضى ، ليجدوا المبرر للانقلاب على الحكم ، فكان مشروع الديمقراطية دائما ً مهزوم منا ،هزمناه في نظم حكمنا فلم نعطيه الفرصة الزمنية المناسبة ، ربما لم يكن لنا النفس الطويل للصبر علي الديمقراطية حتى تنمو وتتطور ، واعتبرناها نظام جاهز للتطبيق في أي مكان . ويكون مكتمل منذ البداية فالديمقراطية مسيرة طويلة ومستمرة وليس نظاماً يقوم من أول مرة كاملاً . وكما يقولون أن الديمقراطية لاتكون نتاجاً لحلم في اتكاءة وثيرة ، ولكنها خلاصة منطقية لتجربة إنسانية تبلورت في شكلها الحالي بعد محاولات مختلفة لسنوات طويلة .

د. السموءل محمد عثمان
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..