مقالات وآراء سياسية

محاكمة التاريخ ودولة الخليفة عبدالله 

يوسف السندي

ينتقد البعض التاريخ انطلاقا من منظور ومفاهيم العصر الحالي، ينتزعون الحدث التاريخي من سياقه الزماني والمكاني ويحاكمونه نقدا بسياق الراهن، وهذا اجحاف وعدم موضوعية، وبدل أن يكون هذا نقدا للتاريخ للاستفادة والعظة يصير تشويها لحقائق التاريخ. كمثال على هؤلاء من يحاكمون فكرة الخلافة في العصر الإسلامي الأول بناءا على فكرة تبادل السلطة الانتخابي في العصر الحالي، ومن يفسرون التوسع الإسلامي وكانه غزو للعالم لإجبار الناس على الدخول في الإسلام، وإنما هي غزوات تاريخية فرضها واقع ذلك الزمان الذي يحكمه قانون الغزو، وان حماية الدولة الاسلامية الوليدة يتم من خلال إزالة المهددات التي كانت تتمثل في امبراطورية الروم وامبراطورية فارس وغيرهما من الإمبراطوريات والدويلات التي كانت تمثل تهديدا مستمرا للدولة الإسلامية وتعد العدة وتتحين الفرص للانقضاض عليها.
كذلك كان الحال في عهد دولة المهدية التي قامت في ظل وضع عالمي مغاير للوضع العالمي الحالي، وضع تستعمر فيه الدول العظمي الدول الضعيفة من أجل نهب ثرواتها وإقامة امبراطورياتها ودعم نفوذها عالميا، وهي حقبة كان فيها الاميركيون البيض يمارسون عنصرية على السود بنص القانون، و يتاجر فيها العالم شرقا وغربا بتجارة العبيد وفق قانون عالمي غير مكتوب. ظهرت المهدية في هذه الحقبة التي يناضل فيها المستضعفين من أجل التحرر من نير الاستعمار والعبودية، كان التحرر هو المشروع الأول والنهائي للمناضلين في تلك الحقبة، ولم تكن من مشاريعهم إقامة دولة ليبرالية او ديمقراطية كما هو الحال في عصرنا الحالي .
استطاعت الدولة المهدية ان تحقق مشروعها الاساسي وهو التحرر من الاستعمار، وكعادة الدول في ذاك العصر سعت المهدية إلى التوسع بحسبانه منطق التاريخ في ذلك الوقت، ولذلك لم تحمل الوثائق التاريخية اهتمام دولة الخليفة عبدالله بقضايا السياسة التي نناضل من أجلها نحن اليوم مثل حرية التعبير والديمقراطية فهذه قضايا لم يكن لها وجود بشكلها الراهن في كل العالم في ذلك الزمان، وليس من المنطق اصلا محاكمة دولة الخليفة على أغفالها لها في ظل قيادته لدولة وليدة خارجة لتوها من استعمار، وشعب امي يخرج لتوه من استعباد دولة عظمى، وعالم لا تحكمه سوى قوانين الاستعمار والغزو.
لذلك مهم تأطير النقد للتاريخ في إطاره التاريخي من أجل الموضوعية والحقيقة، وذلك يستلزم من الناقد المعرفة بحقائق ذاك التاريخ وبظروفه، ففي كل حقبة عالمية هناك سمات عامة ومفاهيم مشتركة عليها يمكن نقد ومحاكمة الأحداث فيه. الحقبة التي كانت فيها دولة الخليفة عبدالله هي حقبة الحروب والامبراطوريات الاستعمارية الضخمة، وكانت البلاد مستعمرة قبل أن تحررها المهدية في ١٨٨٥ ثم أصبحت تحت خطر الاستعمار مجددا باستمرار حتى حدث ذلك في عام ١٨٩٩، لذلك يمكن لكل عاقل قاريء للتاريخ أن يقر بأن دولة الخليفة عبدالله كانت تواجه بتحديات جسام وأنها رغم ذلك كانت الدولة المستقلة الأولى التي قامت على مجد وفخر بطرد المستعمر بالسيف، لذلك حق لنا أن نفتخر بتلك الدولة وذلك التاريخ المهيب لاجدادنا السمر ثوار السودان العظماء.

‫3 تعليقات

  1. حتى بمقاييس ذلك الزمان كان الخليفة فظا عنيفا لا إنسانيا لا تحكمه قيمة إنسانية أو يتورع في مخالفة أوامر الإسلام وقيمه ونواهيه، هل سمعت بالأتي:
    * التطويب: وضع السجين في غرفة صغيرة ضيقة (زنزانة) وإغلاقها ببناء مدخلها بحائط سميك من الطوب فيموت السجين داخلها عطشا وجوعا ولا يبلغ صراخه من هو بالخارج (قتل بها الزاكي طمل وعديد من قادة المهدية)
    * الحاجة فاطمة: قيد من حديد على القدمين واليدين مع سلسلة حول الرقبة وتقل عدد سلاسله كلما كان أشتد غضب الخليفة على المسجون وأحيانا تصبح سلسلة أو سلسلتين مرتبطين بوتد مغروس في الأرض ولا يمكن نزع القيد إلا عن طريق حداد وكثيرا ما كانت أيدي وأرجل المساجين تشل عند نزع أو وضع القيد ( قيد به أبناء أبو سن الثلاثة وسلاطين ونيوفلد والعديد من معارضي الخليفة)
    * الرجاف: منفي الخليفة المفضل لمعارضية حيث يموت المنفيين بالجوع والمرض (نفي اليه قادة الجعليين -الذين نجوا من القتل أو الصلب من خلاف – وبعض قادة الدناقلة والعديد من المثليين في أم درمان)
    * الساير: بشاعة هذا السجن وعنف ولا إنسانية القائم عليه (إدريس الساير) من اغتصاب المسجونين وابتزازهم وتخويفهم باغتصاب حريمهم وتجويعهم وتصفيتهم جسديا يعتبر المجال الوحيد الذي تفوقت فيه المهدية على كل من سبقها وصارت رائدة لكل نظام قمعي جاء بعدها.
    * الكتلة: غزوة مفاجئة غادرة على معاقل قبيلة ما يعقبها مصادرة كل أموال القبيلة وحلالها وسبي كل نسائها ومقتل قادتها، كثير من سبايا -جواري- المهدي والخليفة كانوا من المستعبدات عقب هذه الكتلات (أهم الكتلات الرئيسية والتي ترقي للتطهير العرقي تعرض لها الشكرية والجعليين والبطاحين والكبابيش والدناقلة)
    لم تعد الدنيا مهدية يا صديقي ولو عايز ندرس تاريخ المهدية خلينا ندرسوا كله بحروبه التحررية ضد المستعمر وبعنفه وقسوته وتخلفة وأوهامه الدينية وخزعبلاته المهدوية

    1. ألا تتفق معنا أن المهدي إستغل إسم الدين كذباً فهو يدري أنه ليس المهدي المنتظر و رغم ذلك إدعي أنه المهدي ، و قد مارس الرق و تجارة الرقيق و هذه كارثة كبري فمن المفترض أن يبسط المهدي المنتظر العدل و المساواة لا أن يمارس تجارة الرقيق !!
      وكما قال جون قرنق أن أحفاد المهدي يجب أن يدفعوا تعويضات لكل الذين إستعبدهم المهدي و أحفاده من بعده .
      أما عن الأفكار التي تدرس علي أساس أنها أفكار المهدي 1885 – 1899 ، فإنها أفكار مزروعة قام بصياغتها جون فلييني فأنشأ الوهابية 1703 – 1792. حيث كان الهدف من تأسيس الوهابية هو محاربة الدولة التركية و وجدت الوهابية هوي في نفوس شعوب المنطقة لمحاربة الأتراك الذين مارسوا الفظائع علي الشعوب ، حيث قاموا بإحتلال الدول العربية عام 1516 و إستمر إحتلالهم 400 عام .

      1. يا احمد خلي السندي يعربد فالمخازي التي اتت بها هذه المهدية يندي لها الجبين “جهادية حاربونا سلوا سيوفن جونا” اسوأ فترة حكم كانت المهدية وتلتها الانقاذ التي سارت علي دربها والعياذ بالله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..