
لماذا يدور الحديث عن الانقلاب العسكري ؟ هل هناك بوادر لذلك أم أن الناس اعتادوا كلما انتفض الشعب و كانت الثورة ، خنقت لتخرج الدبابات تقهق في الشوارع مخرجة ألسنتها للديمقراطية ؟.
أعداء الحرية والمدنية المتربصين بالشعب ، يرفعون شعارات الثورة ، ويمشون بين الثوار يتغزلون في الثورة ، ولكنهم يعدون سراً للانقضاض عليها ،بعد أن يتم خنقها بالأزمات الاقتصادية والفوضى ، ليكون غياب الأمن ومعاناة الناس والصفوف والطوابير هي المبرر لذلك ،هم يعرفون كيف يسرقون فرحة الشعوب بحلاوة الانتصار ويعلمون أن الشعوب لامحال ستدرك مبتغاها إذا عاشت حرة ، وكيف ستبني أوطانها ، وأن الشعب سيرفض الظلم والتجبر والخذلان ، متى ما تسلح بالعلم والوعي ، و سيحارب الفساد ويصون موارده وثرواته ، ويلحق بركب كثير من الشعوب التي اختارت أن تبحث عن كرامة ورفاهية أفرادها .
شهدت البلاد في الفترة السابقة الفتن القبلية والاقتتال وسط دهشة المتقاتلين أنفسهم نسبة لأنه لايوجد مايستلزم كل ذلك ، حدث هذا في مناطق عُرفت بسماحة مكوناتها السكانية في التعايش والترابط ، ولكن أهل العنصرية استطاعوا بمكر وخبث أن ينجحوا في زرع بذور الفتنة حتى سارت الفتنة تمشي بين الناس بقدمين ، فهم دوماً يبحثون في مايفرق بين الناس ، وليس في الذي يجمعهم .
كان هولاء يعلمون أن عودة الانقلاب هذه المرة تسبقه المارشات العسكرية من الصعوبة بمكان ، وإن الشعب مهما جاع وضاقت به السبل وصل درجة من الوعي والإدراك ، لن يكون من السذاجة أن يقبل ذلك ، وهو الذي قدم الشهداء والتضحيات من أجل ازاحة التعنت والفساد والجبروت ، ولن يرضى دولة الظلم مرة أُخرى ، فكان لأبد من بعض المساحيق والألوان لذلك ، لأعادتنا مرة أخرى لدهاليز وعُتمة الظلم والكبت والتسلط والفساد والمحسوبية .
لأشك أن مجزرة فض اعتصام القيادة العامة ، كانت هي محاولة الانقلاب الأولى على الثورة والديمقراطية ، ولكن كان حجم الجرم أكبرو الماسأة أدهى ، لتخرس الجاني والضحية معاً ، ستظل مجزرة فض اعتصام القيادة العامة من القبح بمكان حتى أنها لن تفارق مخيلة كل إنسان بسهولة ، وتحتاج لفترة زمنية طويلة حتى تنسى إن نسيت ، و الصورة الأوضح للغدر والكراهية وروح الانتقام ، و لما يتمتع به البعض من القدرة على سفك الدماء وزهق الأرواح ، وستظل هي الجريمة التي تؤلم وجدان كل سوداني .
ثم تلك الحملة الممنهجة على وزراء الثورة ، وأولهم وزير الصحة د. أكرم ، للبحث عن ديباجة للفشل يضعونها على قامة الوزير الذي جاء بعد المتاجرين بصحة الإنسان ، وأراد أن يوقف البيع والشراء والاستثمار على حساب صحة الإنسان ، ولم يكن الوزير دكتور أكرم مقصود في ذاته ، بقدر ماكانت المقصودة هي الثورة السودانية ،ووزراء الحكومة المدنية ، كانت الحملة على الدكتور أكرم من أشرس الحملات وأُعد لها بترتيب كبير، وبمجرد أن أُعفى الوزير من منصبه صمتت تلك الحملة وتوقف الانتقاد لتدهور المرافق الصحية وسوء المستشفيات وحكايات الناس الذين يموتون بالإهمال .
لتتوالى الحملات في شيطنة لجان المقاومة وكل ناشط وناشطة ، والحرية والتغيير ثم الهجوم المتوالي على الحكومة المدنية ، وكأنها هي وحدها التي تحكم السودان ، كل هذا من شأنه ربط المدنية بالفشل والضياع ، وصار التندر بعد كل إخفاق هذه هي المدنية التي ثورتم من أجلها .
د. السموءل محمد عثمان
[email protected]