مقالات وآراء سياسية

الحكومة الجديدة واحتمالات التغيير القادم!

محمد التجاني عمر قش
كنا ننتظر من الدكتور حمدوك ومجلس الشركاء أن يقدموا لنا حكومة كفاءات أو تكنوقراط، بعيداً عن المحاصصة وتوزيع كعكعة المناصب الدستورية! ولكن خاب فألنا، إذ أعلن السيد رئيس مجلس الوزراء، “الرصة” الجديدة، على حد قوله، بذات الملامح والشبه واللبسة والتوب والقوام والمشية ذاتها وقدلتو. ومن المتوقع أن تصل الأمور في السودان إلى طريق مسدود في الجوانب كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية؛ لأن قحت لم يعد لديها ما يمكن أن تقدمه. ولذلك فإن تغييراً وشيكاً قد يطرأ على الساحة، إذ ليس من طبيعة الأحوال الركود!
أولاً الوضع الاقتصادي قد بلغ أقصى مدى من التردي بشهادة أهل الحكم أنفسهم، ولهذا السبب فإن لجان المقاومة ومجموعات الشباب، أي الرافعة التي أوصلت قحت إلى سدة الحكم، هي التي تقود المظاهرات في العاصمة وكثير من مدن البلاد الأخرى، مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، بينما الدولار، بحسبان أنه المؤثر الأقوى على الأسعار، قد انفلت وليس من الممكن السيطرة عليه؛ نظراً لانعدام الإنتاج ومن ثم الصادر لكي يدر علينا عملة صعبة!
وثانياً، هنالك خلاف سياسي بين مكونات مجلس الشركاء نفسه، وكل طرف يريد أن “يتخارج” ويترك جنازة البحر لغيره؛ حتى يتفادى تبعات الموقف لاحقاً. ويضاف إلى ذلك التربص الواضح من قبل المكون المدني للحكومة بالعسكر في المجلس السيادي، وانتقادات الأخير المتكررة للحكومة ومجلس الوزراء، واصماً إياه بالفشل في تصريف الأمور. مما يعني غياب التوافق بين الأطراف الحاكمة سواء في ذلك السيادية والتنفيذية. وتأكد هذا التشاكس بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي ضمت عناصر من الحركات المسلحة، رغم عدم حرصها المعلن على الكراسي، بينما تحاول أن تجد لنفسها موطئ قدم وسط الجمهور، ريثما تتحول إلى أحزاب، فهي ليست مستعدة لتشويه سمعتها السياسية، إن وجدت.
الآن هنالك أطراف دولية وإقليمية تراقب الأوضاع في السودان؛ خاصة بعد اندلاع القتال والنزاع القبلي الشرس في دارفور وغيرها مما يشي بانزلاق البلاد نحو الفوضى التي لن تكون خلاقة بأي حال من الأحوال. وفي حال حدث ذلك فإن السودان سوف يتحول إلى مرتع خصب للحركات المتطرفة من شاكلة بوكو حرام والقاعدة القادمة من شمال إفريقيا وغربها وسوف تزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة الإفريقية برمتها وهذا مهدد مباشر لأمن أوروبا، الأمر الذي جعل وزير خارجية بريطانيا يهرع إلى الخرطوم محذراً الحكام من مغبة تدهور الأوضاع أكثر، كما حثهم على الإسراع بمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية بأسرع وقت ممكن حتى لا يضطر مزيد من الشباب إلى عبور البحر المتوسط باتجاه أوروبا التي ليست على استعداد لتحمل مزيداً من أعباء الهجرة غير المشروعة.
أما الموقف الأمريكي فقد عبر عنه نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) أندرو يانع بقوله إن: “جزءاً من جهود أميركا مع السودان تعزيز الأمن والحماية في المنطقة”. لأن الولايات المتحدة تنظر إلى السودان باعتباره القبلة الأولى لاستثماراتها؛ خاصة في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والمعادن؛ ولذلك دفعت بوزير خزانتها، الذي لا يخرج من واشنطن إلا نادراً، إلى زيارة السودان مؤخراً وسوف تدخل عشرة شركات أمريكية كبرى إلى البلاد. ومن المعلوم أن أمريكا لا تطمئن مطلقاً للتعامل مع اليسار بما في ذلك الحزب الشيوعي والأحزاب البعثية الأخرى، ولعل هذا ما جعل الأمريكان يوعزون إلى حمدوك بضرورة تقليص دور الشيوعيين والبعثيين في حكومته. وقد طالبت أمريكا بحكومة تحقق الاستقرار في السودان حتى تضمن لها بيئة آمنة تمكنها من ممارسة النشاط الاستثماري بحيث تبعد خصمها الصين من هذا البلد الذي يتمتع بمصادر طبيعة مغرية، والشرط الوحيد للاستفادة من ذلك هو الأمن والحماية!
بالطبع هنالك بعض دول الجوار وبعض دول الإقليم التي لها أجندة خاصة تتعلق بالسودان؛ فهنالك مجموعة همها الأكبر هو ضمان أمن إسرائيل عبر اتفاقيات إبراهيم، وهذه الدول تلقت تعليمات صريحة بعدم التدخل في الشأن السوداني إلا عن طريق الوكالات والأجهزة الأمريكية ذات الصلة حتى لا تتضرر المصالح الأمريكية في السودان. أما دول مثل مصر وأثيوبيا فهذه منشغلة الآن بما لديها من مشكلات داخلية تحد من تأثيرها على مجريات الأحداث في السودان بشكل كبير.
وفي حال فشل الحكومة الجديدة في إحداث تحسن في الأوضاع، فإن ذلك سيفتح المجال لتغيير وشيك حسب المعطيات أعلاه. فقد تتصاعد الاحتجاجات حتى تجبر الحكومة على تسليم الحكم إلى العسكر. وهذا الاحتمال، في حال تحققه، يختصر الطريق نحو انتخابات مبكرة تفضي إلى حكومة منتخبة، ائتلافية في الغالب؛ إذ يصعب على أي من الاحزاب تحقيق أغلبية. وربما يضطر الجيش لاستلام زمام الأمر إذا استمرت الأوضاع في التدهور بهذه الوتيرة؛ حفاظاً على سلامة الوطن وأمنه القومي. وهذا الاحتمال لا يجد مساندة دولية؛ خاصة بعد الموقف الدولي مما حدث في ميانمار. وربما يستولي الجانب العسكري في المجلس السيادي على مقاليد الأمور ويفرض سيطرته! ولكن يظل المخرج الأمثل هو توافق الجميع على انتخابات مبكرة حرة ونزيهة.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..