
كثرت في الاونة الأخيرة الأضطرابات الأمنية بين القبائل ، وراح ضحيتها أعداد كبيرة من القتلي والجرحي، ولا زال الغبن يغلي في الصدور وينتظر فرصة الفوضي وتراخي هيبة الدولة.
وحتي خروج الانجليز من السودان ، كان تأريخ الأدارة الأهلية مشرفا .كانت للنظار والعمد والمشائخ هيبة ومكانة واحتراما لدى المواطن والدولة، وتلجأ اليهم السلطات المحلية عند الحاجة، خاصة في تتبع أثار الجريمة..وملاحقة الهاربين من وجه العدالة وحل المشاكل وفض النزاعات الداخلية من خلال المحاكم الاهلية فضلا عن تحصيل الضرائب والقطعان وامور محلية كثيرة تعجز السلطات الحكومية من تحقيقها الا بمساعدة الادارة الاهلية.
وكانت هناك أسماء كبيرة ومشهورة حتي خارج مناطق نفوذها القبلي ولازالت لها أصداء كلما جاء ذكر الادارة الأهلية، منهم بابونمر في غرب كردفان، والشيخ ود أبوسن في مناطق رفاعة وحكاويه ونوادره اللطيفة، والناظر حاج محمد ود البي ، ناظر عموم ااجعليين …كانوا أصحاب هيبة واحترام لأن افعالهم تجبر الاخرين علي احترامهم..
ولكن، وبعد نيل الاستقلال ،مرت الادارة الاهلية بفترات عصيبة منها فترة حكم مايو الذي اقدم علي حل الادارة الاهلية واحلال الضابط الاداري محل السلطة المحلية بموجب قانون الحكم الشعبي المحلي عام (1972)…ثم كانت النكبة الكبري خلال فترة حكم( الانقاذ) فاصبحت مسيسة تماما فضلا عن ( لعبة) قادة الانقاذ في خلق العداوات بين القبائل فاصبح للقبيلة الواحدة عشرات السلاطين والأمراء والشيوخ والعمد، وكانت تلك هي بداية الانقسامات فأصبحت القبائل تصارع بعضها البعض بل داخل القبيلة الواحدة وتتمرد علي قياداتها التأربخية.
: وما يحدث الان من صراعات قبلية في الشرق او الغرب او الشمال ، ما هو الا نتاج لغياب الدور الوطني الذي كان يمكن أن تضطلع به نظارة القبيلة …ويمكن القول أنه ومنذ ( قانون المشائخ ) الذي أصدره الانجليز في عام ( 1922) فانه لا يوجد حتي الان قانون خاص واضح المعالم والسمات يحدد دور الادارة الاهلية كجهاز شعبي أصيل من أجهزة الحكم المحلي…يحددالصلاحيات والواجبات وتفويض السلطات والصلاحيات خاصة في ممارسة الاجراءات واصدار العقوبات نيابة عن السلطة القضائية بشأن الجنح والمخالفات والجرائم التي يمكن للادارة الاهلية القيام بها..
ان مشكلة الصراعات القبلية من أكثر وأخطر المشاكل تهديدا لأمن واستقرار السودان…وتستطيع الادارة الأهلية ان تلعب دورا فاعلا في تهدئة الاوضاع داخل القبيلة الواحدة وفي مابين القبائل …ولكن يتطلب ذلك اتخاذ عدة خطوات منها اعادة هيكلة الادارة الاهلية من السلطات والصلاحيات والمساحات الجغرافية للمنطقة والتوزيع السكاني الذي يحدد مناطق النفوذ فضلا عن حسم موضوع الوراثة في ادارة القبيلة اما بالتراضي او الانتخاب مع عدم تجاهل الارث التأريخي للقبيلة الذي تشكل عبر سنوات طوال مما أكسب القبيلة تميزها ووحدة نسيجها الاجتماعي.
وحتي لا نقع في الأخطاء السابقة، فان قيام ( اامفوضية العليا للادارة الاهلية) او( مجلس الادارة العليا للادارة الاهلية) قد يكون مفيدا لحل كل المشاكل والعقبات التي تقف في طريق الادارة الأهلية وتجعلها عاجزة عن لعب دورها القديم في منظومة الحكم الولائي.
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@ hotmail.com
الادارة الاهلية في السودان من المواضيع الشائكة والمعقدة وهي تحتاج الى اعادة تقييم ودراسات مستفيضة حول الادوار التى لعبتها في السابق وجدواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في زماننا هذا. فيما مضى، استخدم الانجليز الادارة الاهلية لبسط نفوذه وإحكام قبضته على السودان الشاسع والمترامى الاطراف بواسطة هؤلاء العمد والنظار والسلاطين المحليين وكان هدفه الاوحد استتباب الامن واخماد الثورات المحتملة دون ادنى اعتبار لما سيؤول اليه امر مواطني تلك المناطق وإمكانية تعرضهم للظلم والاجحاف من هؤلاء الزعماء العشائريين. أغدق الانجليز على رؤساء الادارات الاهلية ومنحوهم الهبات والعطايا مقابل الولاء الاعمى للسلطة الحاكمة، هذا ما كان في شأن الانجليز، ولكن ماذا حدث في الطرف الآخر من المعادلة، وأعني هنا رعايا هؤلاء النظار والعمد والشراتى، هل انصفوهم وقاموا بخدمتهم وتعليمهم وتنميتهم ام استغلوهم شر إستغلال لمنافعهم الخاصة وتوسيع نفوذهم وزيادة ثرواتهم. لم تكن كل الادارات الاهلية مشرفة فقد تملك بعضهم الجشع والطمع وحب السلطة وعملوا
على إبقاء رعاياهم في الظلام الدامس حتى يطيب لهم المقام لأطول فترة ممكنة. ولعلي لن أكون مبالغا اذا قلت ان الادارات الاهلية في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق والشرق، -حتى التي كانت قبل الانقاذ- كان لها القدح المعلى والسهم الاكبر في كل المآسي والحروب التي حلت بهذه المناطق فقد كانت هي السبب الرئيسي في تخلفها.