المحاصصة القبلية في تولي الوظائف السياسية وأثرها على عملية الإندماج الوطني
د. مهدي تاج الدين

– السودان مثله مثل العديد من الدول الأفريقية ؛ لم تتخطى بعد مرحلة القبيلة والعشيرة.
– تسييس القبائل:
– لم تخف الحكومة السابقة أنها اتخذت من الكيانات القبلية والعرقية مواعين للعمل السياسي في محاولة منها على الإنفراد بالتأييد القبلي والعرقي في مناطق نفوذ الأحزاب التقليدية،مقرنةً منح الوظائف القيادية بالولاء القبلي أو العرقي، سمحت بتكوين مجالس شورى للقبائل والعشائر وتلقت منهم البيعة.اتضح فيما بعد أن بعضها كان ضالعاً في استنفار القبائل للاحتراب حيث تخلت الدولة عن الحياد المفترض في أي دولة قومية لتكون حكماً في فض النزاع بين المواطنين.لم تتحول الدولة فقط لتكون طرفاً في نزاع القبائل والعشائر بل تحالفت صراحةً مع بعض الكيانات لتحارب تلك الكيانات نيابةً عنها، فزودتهم بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة وعربات الدفع الرباعي ، فتحولت تلك الكيانات إلى مجموعات صديقة للدولة بينما أصبحت الكيانات الأخرى معادية لها،بعا لذلك أكثرت الدولة من الوحدات الإدارية (المجالس المحلية) وتقسيم دارفور مثلا لخمس ولايات يتطابق أيضا مع الحدود الجغرافية للكيانات العشائرية مما أدى إلى الاستقطاب القبلي للسيطرة على هذه الوحدات.
– من نتائج هذا التسيس القبلي والعرقي ما هو حادث في السودان اليوم( سودان ما بعد الإنقاذ) من استقطاب قبلي مريع وعندما يتدلى للجهلاء على المستويات القاعدية فإنه يعني الإستعلاء العرقي والعداء الإنتقامي، وهو المسئول بدرجة كبيرة عن القتال الدامي بين القبائل والعشائر التي يحكي تاريخها القريب عن تعايش سلمي بينها، إن الدولة اليوم وحكومتها الإنتقالية بحاجة إلى قرار شجاع تتخلى بموجبه عن اتخاذ القبيلة أو العرق كياناً للولاء السياسي وبالتالي أهلاً للمكافأة السياسية.
– وهي بحاجة كذلك إلى التحول الحقيقي إلى التعددية السياسية، إن السير في درب الحزب الواحد أو الحزب الحاكم لا ينتج عنه إلا ديمومة المحورية القبلية والعرقية والجهوية.بعد أن يتساوى الناس في انتمائهم للحزب الواحد أو الحزب الحاكم لا يبقى لهم إلا تنشيط الفوارق القبلية والعرقية والجهوية للفوز بالمواقع القيادية.
الإندماج الوطني:
وتتمثل أزمة الاندماج الوطنى فى السودان فى عجز النظم السياسية المتعاقبة على الحكم عن التعامل مع الواقع التعددى للمجتمع (بالاغراء ، أو الاكراه)، بشكل أدى إلى علو الولاءات دون الوطنية على الولاء الوطنى ، الأمر الذى أفسح المجال أمام الصراع بين الجماعات المختلفة بعضها البعض ، أو بين هذه الجماعات والنظام السياسى ، على نحو حال دون خلق ولاء وطنى عريض يؤدى إلى التماسك الوطنى .. وبعبارة أخرى فإن أزمة الاندماج الوطنى تبدو واضحة حين يظهر النظام السياسى عجزا عن بناء الدولة الوطنية ، وحيث تنعدم الرغبة فى العيش معا لدى الجماعات المشكلة للمجتمع كشركاء متساوين ، بشكل يجعل من الصعوبة بمكان اطلاق مصطلح “شعب” على تلك الجماعات التى تعيش على إقليم هذا المجتمع ، بل ويجعل من الصعوبة حتى اطلاق مصطلح “دولة” على ذلك الكيان.
لقد عجزت الحكومات الوطنية عن إدارة هذه الأزمة، إما لفساد هذه النظم وتحيزاتها لجماعة إثنية على حساب أخرى مما أضعف قدرتها التوزيعية على الوفاء- ولو بالحد الأدنى- بمطالب مختلف الجماعات الإثنية ، وإما لاتساع مساحة إقليم الدولة السودانية ، وسيادة الطابع الصحراوى والغابى الوعر عليها ، وهو ما أقعد هذه النظم عن تحقيق السيطرة على كامل الإقليم ولو كرها ، وذلك لتخلف طرق ووسائل النقل فيها ، وإما نتيجة لتداخل الجماعات الأثنية عبر الحدود مع الدول المجاورة بشكل حال دون إمكانية تحقيق السيطرة على كامل الشعب ، وإما نتيجة لتدخلات قوى إقليمية ودولية رأت من مصلحتها تقويض الاستقرار فى هذه الدولة لاعبة على أوتار الاختلافات الأثنية .
هذا الأمر يجب أن تمثل نقطة البداية لحكومة الفترة الإنتقالية إذا أرادت أن تصحح المسار وتقود البلد لبر الأمان.
د. مهدي تاج الدين عبدالنور
[email protected]
اتجاه هام غير مطروق كثيرا يقع في دايرة الفكر و السياسة و الامني القومي للبلاد و بالتالي الاستراتيجي ارجو ان لا تتوقف حتي باصدار ورقة او كتيب
إن شاء الله سنعمل على ذلك وشكرا جزيلا على تشجيعك لنا