مقالات وآراء سياسية

من سيخلف الامام الصادق المهدي في الامامة

علي الجربندي

الكارزما مفهوم صار يستخدم بعمومية شديدة. وسائل الإعلام والجمهور يسارعون في الإشارة إلى سياسي، نجم سينمائي أو فنان كشخص كارزمي. بهذا فهم عادة ما يعنون أن الشخص المعين يتمتع بمقدرات غير عادية . مفهوم الكارزما يلعب دوراً هاماً في أعمال ماكس فيبر لكن يعني له شيئاً مختلفاً جداً عن مفهوم معظم العامة اليوم . بالرغم من أن فيبر لم ينكر أن الزعيم الكارزمي قد يمتلك خواص مميزة ، فإن فهمه للكارزما يعتمد أكثر على مجموعة التابعين والطريقة التي يعرّفون بها الزعيم الكارزمي . لوضع موقف فيبر بوضوح تام ، إذا عّرف التابعون زعيماً ككاريزمي، فإنه غالباً ما يصبح زعيما كارزميا غض النظر عن امتلاكه حقيقة لمقدرات مميزة . الزعيم الكارزمي إذاً من الممكن أن يكون شخصا عادياً جداً. المهم هو العملية التي عن طريقها يبتعد ذلك الزعيم من الناس العاديين ويعامل كانما يتمتع بقوي فوق طبيعية أو فوق إنسانية أو على الأقل استثنائية أو مقدرات لا يمكن الوصول اليها بواسطة الشخص العادي .
بالنسبة لفيبر، الكارزما قوة ثورية وواحدة من أهم القوي الثورية في العالم الاجتماعي. في حين أن السلطة التقليدية في الأصل محافظة فإن نشوء زعيم كارزمي ربما يمثل تهديداً لذلك النظام (وأيضاً للنظام القانوني العقلاني) مما يؤدي إلى تغيرات هائلة فيه. إن الذي يميز الكارزما كقوة ثورية أنها تؤدي إلى تغيير في عقول الفاعلين، إنها تسبب ” إعادة توجيه ذاتي أو داخلي” . مثل هذه التغيرات قد تؤدي إلى “تغير جذري للسلوك المركزي واتجاه الفعل مع توجه جديد تماماً لكل المواقف تجاه مختلف مشاكل العالم”99.
بالرغم من أن فيبر يتناول هنا التغيرات في أفكار وأفعال الأفراد فإنهم اختزلوا بوضوح إلى عوامل متغيرة. ما هو مهم لفيبر هي التغيرات في بنية السلطة أي نشوء السلطة الكارزمية. عندما تظهر هذه البنية الجديدة فغالباً ما تغير أفكار الناس وأفعالهم بطرق ملحوظة .
القوة أو الفاعلية الثورية الأخري في نسق فيبر النظري، والتي أفرد لها الكثير من الاهتمام هي العقل أو أكثر تحديدا العقلانية الهادفة. في حين أن الكارزما قوة ثورية داخلية تغير عقول الفاعلين اعتبر فيبر العقل فاعلية ثورية خارجية تغير أولاً بنية المجتمع وبعد ذلك أفكار وأفعال الأفراد. لدينا الكثير الذي نقوله لاحقاً عن العقلانية كفاعلية ثورية لكن هذا ينهى نقاشنا عن الكارزما كعامل ثوري بما أنه كان لفيبر القليل الذي يقوله عنها. ما كان مثيراً لاهتمام فيبر عن الكارزما ليست خاصيتها الثورية وإنما بنيتها، والضرورة لتحويل ميزتها الأساسية، وتكرارها من أجل بقائها كنسق للسلطة . ماكس فيبر، الاقتصاد والمجتمع، ص.245
في تحليله للكارزما بدا فيبر – مثل ما فعل مع السلطة التقليدية بالنموذج المثالي البيروقراطي. حاول أن يحدد إلى أي مدي تختلف السلطة الكارزمية بتابعيها وكادرها عن النسق البيروقراطي. في مقارنة مع النموذج المثالي للبيروقراطية فإن كادر الزعيم الكارزمي يفتقد العديد من الجوانب. أعضاء الكادر لا يتم تدريبهم فنياً وإنما يتم اختيارهم لامتلاكهم خواص كارزمية أو على الأقل خواص شبيهة بتلك التي يمتلكها الزعيم الكارزمي. المكاتب التي يحتلونها لا تشكل أي تسلسل. عملهم لا يتضمن مهنة، كما أنه لا توجد ترقيات، تعيينات واضحة أو فصل . للزعيم الكارزمي الحق في التدخل في أي وقت يري فيه أن الكادر لا يستطيع التعامل مع موقف. ليس للمنظمة قوانين رسمية، ليس هناك وحدات إدارية مؤسسة كما لا توجد صلاحيات لتوجيه الأحكام. لكل هذا وجد فيبر أن كادر الزعيم الكارزمي أدني مرتبة مقارنة بالشكل البيروقراطي للتنظيم .
اهتمام فيبر  بالمنظمة التي تتبع الزعيم الكارزمي والكادر الذي يشغلها قاده إلى السؤال عن ماذا يحدث للسلطة الكارزمية عندما يموت الزعيم؟ . بعد كل ذلك، النسق الكارزمي في الأصل هش جداً ، ويبدو أنه يبقي فقط مع بقاء الزعيم الكارزمي حياً. لكن هل من الممكن لتلك المنظمة أن تبقي بعد موت الزعيم ؟ الإجابة على هذا السؤال تحمل تبعات كبرى على أعضاء كادر الزعيم الكارزمي لأنهم يعيشون بعد موته، وغالباً ما يكون لهم مصالح متأصلة في استمرارية وجود المنظمة : إذا فنيت المنظمة يصبحون بدون عمل . لذلك فإن التحدي للكادر هو أن يخلق وضعا تبقي فيه الكارزما بشكل مزيف حتى بعد موت الزعيم . هذا صراع صعب لأن فيبر يري أن الكارزما بطبيعتها غير ثابتة وتوجد في شكلها النقي فقط أثناء حياة الزعيم الكارزمي.
لتلافي آثار غياب الزعيم الكارزمي فإن الكادر وكذلك التابعين ربما يتبعون استراتيجيات مختلفة لخلق منظمة أكثر استمراراً. ربما يبحث الكادر عن زعيم كارزمي جديد ، لكن حتى إذا كان البحث ناجحاً فإنه لا يبدو أن الزعيم الجديد سيحقق نفس الهالة كسابقه. أو ربما تطور حزمة من القوانين لتسمح للمجموعة بتحديد زعماء المستقبل الكارزميين. لكن سرعان ما ستصبح هذه القوانين تقليداً وما كان زعامة كارزمية يصبح في طريقه إلى التحول إلى سلطة تقليدية. لكن طبيعة القيادة تتغير جذرياً مع إزالة الخاصية الشخصية الصرفة للكارزما. طريقة أخري هي السماح للزعيم الكارزمي باختيار خلفه، وبذلك تحويل الكارزما رمزياً إلى الذي يليه. مرة أخري يكون التساؤل عن هل هذه طريقة ناجحة دائماً وعلى المدى الطويل. طريقة أخري هى أن يترك للكادر أن يحدد الخلف على أن يجد اختياره قبولاً من المجتمع العريض.  يمكن للكادر أيضاً عمل اختبارات طقوسية على أن يكون من ينجح في تلك الاختبارات هو الزعيم الكارزمي الجديد. لكن كل هذه الجهود محكوم عليها بالفشل. في المدى البعيد لا يمكن تكرار الكارزما ويجب أن تتحول بالضرورة إما إلى سلطة تقليدية او سلطة قانونية عقلانية .
علي الجربندي <[email protected]>
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..