مقالات سياسية

لا خير فينا إن لم نقلها

الباقر علي محمد الحسن

في مقالات سابقة أشرنا الى الوضع الصحي عموما في البلاد ، والتدمير الذي رافق المؤسسات الصحية الحكومية من مستشفيات ومراكز صحية ووحدات علاجية في أرجاء السودان عموما نتيجة لشح في المخصصات والتي لم تتجاوز في الغالب نسبة 2%  من الميزانية ، مما دفع بالقطاع الخاص على السيادة والإنتشار ، وكلما ضعف أداء المؤسسات الصحية كلما إستعرت كلفة الدواء في المستشفيات الخاصة  ، حتى لا تصدر بحقي أحكاما قاسية على الآراء والمقترحات التي سأطرحها في متن هذا المقال، تجئ هذه المقترحات من منطلق المناصحة والمشورة ، وليس من منطلق سياسي ، وهذا شرف لا ندعيه  ، مقترحات ورؤى  تتعلق في شكلها ومضمونها ومعانيها بالذين هم الآن بداخل سجون الدولة وغيرها من المواضيع التي تمثل  هموم الساحة الصحية والعلاجية ، التي تؤرق البال والضمير الإنساني  ، أنا ليس في مقام جدل سفسطائي سياسي ، لأنه لا يعنيني في هذه العجالة ، بل الذي يهمني الجانب الديني والإخلاقي والإنساني بغض النظر عن القوانين التي تتعلق بحقوق الإنسان والحيوان على حد سواء .
في هذه الأيام تعصف الموجة الثانية من كوفيد_ 19 ( كورونا ) بالعالم أجمع ، كما أنها تهدد الإنسانية في دول العالم الثالث بالذات ، لضعف الإمكانيات ولعدم جاهزية الأنظمة الصحية  لمكافحة وباء ينتشر بسرعة النار في الهشيم ، بدت نتائج هذا  الوباء القاتل وخيمة ، وضحاياه في تزايد أربك الناس وأدخل الفزع في القلوب وأقلق المضاجع .
لا خير فينا إن لم ننصر أخانا ظالما أو مظلوما ،حديث أنس رضي الله عنه  قال: قال رسول الله ﷺ: انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره[1]، رواه البخاري.
فاليوم نحن في مقام نصرة إخواننا الذين قدر الله لهم إن يكونوا  رعاة مسؤولين عن هذه الأمة السودانية  في مجالسها العليا والشعب  السوداني يعاني ويلات الجوع والمسغبة ، شعب يبحث عن جرعة الدواء فلا يجده أنا كان البحث ، أمة فقدت بوصلة حياتها في خضم ألف معاناة ومعاناة في البحث عن الخبز والوقود والغاز وحتى سرير في طوارئ مستشفي ، وإن وجد فيها  تقايضك المستشفيات  بالملايين الملايين،  تلك الأموال تقعد الأسر و إن تيسر الحال .أما  هؤلاء الذين ضاق بهم الحال يكون مصيرهم المحتوم الموت أمام أعين ذويهم ( العين بصيرة والليد قصيرة ) ، هم في زنازين السجن الكبير في وطنهم وفي أقاليمهم  وفي دورهم التي تضيق بهم يوما بعد يوم فما بالك بأولئك الذين يقبعون خلف القضبان وهم في ضيق من سعة المكان  وشح في إحتياطات طبية علاجية وصحية تضمن بقاء فيه شئ من الكرامة الإنسانية و يراعى فيه الحق الديني  أو أن يتم  منحهم حقا تكفله لهم  القوانين الدولية ،في توفير مناخ صحي آمن وتوفير عناية صحية تطبق فيها كل الإشتراطات الصحية والوقائية والعلاجية  ، الوفيات المتزايدة تؤكد القصور في عمل الواجب واللازم في الحفاظ على أرواح المعتقلين  والمسجونين في الفضاء الضيق  مثلهم مثل المسجونين في الفضاء الواسع ، عليكم أيها المتسنمون على إدارة البلاد أن توفروا لهذه الشريحة كل الظروف التي تؤمن لهم بيئة صحية تباعد بينهم وبين فتك الموجة الثانية من كورونا .

نتابع بألم وحزن شديدين فقدان كوكبة نيرة من علمائنا في الجامعات من جراء هذه الهجمة الشرسة اللعينة من كوفيد _ 19_ 2 وعددا ليس بالقليل من أطبائنا الذين كانوا في مقدمة صفوف المحاربين لهذا الوباء ، كانوا يعملون في ظل ظروف قاسية لم تتوفر فيها أبسط الوسائل لحمايتهم  ، الكمامات والمعقمات والملابس الطبية الواقية ، جراء ذلك فقدوا أرواحهم وفقدتهم أسرهم ، عليه  تتحمل الدولة جزءا غير يسير من المسؤولية في فقدانهم  ، ذلك لعدم القيام بالحد الأدنى من مسؤوليتها في حمايتهم وهي تدرك الحال الذي هم فيه وعليه.
نرى أن على الدولة وعلى وزارة التعليم العالي أن تغلق الجامعات كل الجامعات حتى نسهم في التقليل من الإصابة بهذا الوباء والتقليل من وسائط نقله لقطاعات عريضة من مجتمعنا الضعيف الواهن قليل المناعة ، وأن تضافرت وتكاملت جهود الجامعات وهيئة الإتصالات بشركاتها المختلفة في توفير آلية للدراسة عن بعد ، نقول يادار ما دخلك شر .
على كافة أجهزة الدولة السيادية ومجلس الوزراء واللجان الملحقة بهم والأجهزة الأمنية  ، والعائدين ضمن إتفاق السلام ، أن يكون التقشف هاديهم ، على أن يخصص جزء من إمتيازاتهم لرفد خزينة وزارة الصحة ، ونحن في إمس الحاجة لمبادرات حية تحي سنة التجرد والمروءة والجود بفضل الزاد .
مطلوب من وزارة المالية ووزارة الدفاع والشؤون الإجتماعية وديوان الزكاة وشركات الإتصالات ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات العاملة في السودان ، عليهم أن تتكامل جهودهم  وتحويل جزء من قدراتها المالية لوزارة الصحة لتمكينها من مواجهة هذا الوباء الشرس حتى لا تقف وحيدة في الميدان  لمحاربة الداء ، على أن تتظافر كل الجهود في الإسراع في توفير كافة المعينات من أجهزة التنفس الإصطناعي والإسعافات كاملة التجهيز وأسطوانات الأكسجين لوحدات الطوارئ وتأمين أجهزة الشفط والصدمات الكهربائية ( اذا توفر المال ليس هناك محال ) ، تنقصنا العزيمة والإرادة والتوكل على الله .
على وزارة الصحة والمجلس الطبي للتخصصات أن يعالج المشاكل المزمنة المتجددة مع نواب الإخصائيين حتى لا تتكرر مأساة الإضرابات عن العمل ، فلا يعقل أن يطلب من نائب أخصائي العمل والمداومة عليه ،وأن لا يؤمن له الحد الأدنى من حق الحياة ، هم كنواب يديرون دفة العمل في ظل هذه الظروف العصيبة  وهم في حال تجرد تام وعلى أن يكون مقابله المادي يغطي تكلفة ترحيله ومعاشه  ناهيك عن إحتياجاته الخاصة ، على إدارة المستشفيات أن تسهم في إيجاد الحلول المنطقية التي تضمن للنواب أداء عملهم وتدريبهم بما يتناسب مع أدائهم ومؤهلاتهم وتضحياتهم .
كما على وزارة المالية العمل على وجه السرعة في إنهاء الإجراءات القانونية الخاصة  بالدور التي تم تحويلها الى ولايتها بواسطة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وتحويلها الى مستشفيات طوارئ ،وأن يتم  تجهيزها بالكوادر الطبية والأجهزة التشخيصية والخدمات المساندة لأداء دورها بكفاءة وفعالية ، والله من وراء القصد ولا خير فينا إن لم نقلها .

الباقر علي محمد الحسن <[email protected]

تعليق واحد

  1. لو سحب أى واحد فيهم (الجاز أو نافع أو البشير أو ..أو..) من حسابه فى ماليزيا أو تركيا أو……. ليدعموا بها الصحه لنالهم من ذلك أن تحسنت أوضاعهم فى السجون ..ولكن هيهات فهولاء لن يتصرفوا كبشر…لذلك ليعيشوا مع بقية الشعب نفس المصير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..