مقالات وآراء

 ومضات قرانية حول منعطفات و انجازات صاغت تطور الانسان!

حسين عبدالجليل

لست من المغرمين بتركيز بعض الدعاة المسلمين علي مايسمونه بالاعجاز العلمي في القرآن الكريم . فالقرآن في البدء كتاب هداية لدين يهدي للتي هي أقوم , و يتطلب ذلك الايمان بالغيب الذي لايحتاج الي دليل سوي الايمان بأن الله علي كل شيء قدير .

كما وأن اعجاز القرآن حسب قول العالم الفرنسي موريس بوكاي في كتابه ( التوراة , الأنجبل, القرآن و العلم ) لاينحصر فيما احتواه من حقائق علمية بل ايضا فيما لم يحتويه مما كان سائد و مسلما به قي عصره . فالكاتب موريس بوكاي و بصفته طبيبا , لفت نظره عدم ذكر القرآن لاي من طرق التطبيب و العلاج التي كانت سائدة في عصر نزول الوحي قي معظم اتحاء العالم والتي ثبت عدم جدواها لاحقا في العصر الحديث , مثل الكي بالنار و الحجامة …الخ , ويذكر بوكاي لقارئه الغربي غير المسلم بأن الوصفة الطبية الوحيدة المذكورة في القرآن هي العسل و التي مازال الطب الي يومنا هذا يؤكد ماذكره القرآن في أن فيه شفاء للناس .

الحقائق العلمية لاتأتي في آيات مفصلة في القرآن الكريم , بل تأتي في ومضات سريعة يتم فهمها مع تقدم العلم. فمثلا قوله تعالي عن قسمه بمواقع النجوم ” وأنه لقسم لو تعلمون عظيم ” نفهمه نحن اليوم قهما أفضل مما فهمه الصحابه , فنحن اليوم نعلم أن المساقه بين بعض النجوم (مواقع النجوم) ربما تكون مليارات السنين الضوئية وهذا مما لم يقهمه مسلمو القرن السابع الميلادي .

غرضي من هذه الخاطرة القصيرة هي النظر و التفكر في كيفية ذكر القرآن الكريم لبعض المنعطفات والانجازات التي صاغت حياة البشرية . يتفق علماء الانثربولجيا بأن أهم ماجعل الانسان يتفوق علي غيره من الرئيسيات Primates, هي:
– مقدرته اللغوية (مقدرته علي التخاطب الصوتي , استخدام الرموز , التصنيف ومن ثم الكتابة في مرحلة لاحقة ) ,
– اكتشافه لطرق اسنخدام النار و تطويعه لها في طبخ غذائه.
– استئناسه للدواب .
– وقبل كل ذلك تفرد البشر , علي غيرهم بدفنهم لموتاهم .

كل مااكتشفه و اخترعه الانسان حتي عصرنا الحاضر يأتي في مرتبة أقل اهمية من تعلم لغة للحديث/و الترميز/التصنيف/والكتابة , اكتشاف النار و استئناس الدواب (و تعلم الزراعة في مرحلة تالية).

لنتفكر كيف تطرق القرآن الكريم لهذه المنعطفات الهامة التي صاغت حياة البشرية . فتعلم دفن الموتي أتي ذكره في ألآية 31 من سورة المائدة وهي تتناول ماحدث للجيل ألآول من البشر “فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ” .

يؤكد القرأن أن البشر عرف النار و تعلم طرق استخدامها اولا بملاحظته للنار التي تشتعل في الاشجار “الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونََ ” . نحن اليوم , عن طريق اجهزة الاعلام , نعلم و نري صورا لظاهرة طبيعية معروفة في كل مناطق العالم التي توجد بها الغابات الا و هي حرائق الغابات التي تشتعل طبيعيا بفعل البرق .. لا أعتقد أن هذه الظاهرة كان يعلمها سكان الجزيرة العربية القاحلة في القرن السابع الميلادي . يوافق علماء الانثربلوجيا ماذكره القرآن بأن الانسان الاول أكتشف و طوع النار عن طريق استخدامه لنار حرائق الغابات اولا . يقول صاحب الوكبيديا في أهمية اكتشاف النار للبشر (لقد كان تحكم البشر الأوائل في النيران بمثابة نقطة تحول في الجانب الثقافي للتطور البشري مما سمح للبشر طهي الطعام والحصول على التدفئة والحماية. كما سمح إشعال النيران كذلك بتوسيع أنشطة الإنسان إلى الساعات الباردة أثناء الليل، كما وفر له الحماية ضد الحيوانات المفترسة والحشرات.)
بل أن دارون صاحب نظرية التطور و أصل الانواع يقول بأن اكتشاف النار هو أهم اكتشاف للبشر و لايسبقه الا تعلم استخدام اللغة .

(وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون( 33 ) )

– الاية تشير الي أن آدم و بنيه سيكون لهم ميزة تفضيلية علي الملائكة والجن .
– هذه الميزة التفضيلية هي نتاج علم علمه الله لادم وسيكون مغروسا او كما يقال بالانجليزية build-in في ذريته .
– اول تعبير عن هذه الميزة تم ابرازه بصيغة صوتية (فلما أنبأهم ).
– يمكن فهم المعني ب “الاسماء كلها” أن ذلك هو المقدرة علي التصنيف (أول من سمعته يقول بذلك هو الدكتور محمد شحرور) . فمثلا كل مارأه وما لم يره الانسان من أي  مخلوق يمشي علي اربع يمكن وضعه في صنف الحيوان . لو لم يكن للأنسان المقدرة علي تصنيف الاشياء لتغيرت نظرتنا للعالم و لاصبح العالم اكثر فوضوية (فمثلا كل طائر نراه بلون مختلف و حجم مختلف كنا سنظنه كائنا جديدا ). ولا أعتقد أن معظم العلوم الانسانية و الطبيعية كانت ستنشأ لو لم يكن للبشر المقدرة علي تصنيف الاشياء .

وقد اقترب بعض المفسرين القدامي من هذا الفهم للأية الكريمة (رغم عدم استخدامهم المباشر لكلمة “تصنيف” ) فقد قال الضحاك عن ابن عباس : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) قال : هي هذه الأسماء التي يتعارف [ ص: 223 ] بها الناس : إنسان ، ودابة ، وسماء ، وأرض ، وسهل ، وبحر ، وجمل ، وحمار ، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها و قال مجاهد:, .وعلم آدم الأسماء كلها) قال : علمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء. (https://islamweb.net/ar/library/inde…k_no=49&flag=1)

اذن مايمكن استخلاصه هو أن الآيات الكريمة تشير بوضوح الي أن استخدام اللغة و مايتبعها من مقدرة علي التصنيف و استخدام الرموز هي من أهم الميزات التي جعلت البشر يتفوقون علي غيرهم من مخلوقات الله , وهذا مايقوله حتي اعتي الملاحدة من علماء الطبيعيات .

ذكرت أعلاه بأن استئناس الدواب هو من اهم المنعطفات التي ساهمت في تطور الانسان الاول , فكيف تطرق القرآن الكريم لهذا الأمر الهام في تطور البشر ؟

القرآن الكريم به كثير مما يدل علي اهمية استئناس الانسان للدواب رغم عدم وجود كلمة “اسئناس” بالمعني الذي نستخدمه لها اليوم (اي بمعني “التَّدْجِينُ” to domesticate) . فهناك سورة كاملة باسم الانعام في القرآن الكريم , كما وان أطول سورة في القرآن هي سورة البقرة المسماة علي أهم حيوان استأنسه الانسان في كل انحاء المعمورة .

في اية ذات دلالة كبيرة ورد ذكر “انزال” الانعام بعد خلق الانسان وذلك في قوله تعالي في ألاية السادسة من سورة الزمر “خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ. “ . من يراجع كتب التفسير يلاحظ حيرة المفسرين في فهم معني “أنزل” الواردة بخصوص الانعام , فكلمة الانزال استخدمت في القرآن الكريم ايضا بخصوص معدن الحديد ” وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ.”

لعل المقصود بالانزال هنا هو “جعلها قابلة للاسئناس , للتطويع , للسيطرة بواسطة الانسان”  . و للتشديد علي أهمية الانعام في تطور حياة البشر نجد استخدام تعبير ” عَمِلَتْ أَيْدِينَا ” في الاية الكريمة بخصوص خلق الانعام ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ” علما بأن هذا التعبير لم يرد في القرآن الكريم الا في أية ثانية فقط حول خلق الانسان وذلك في ألاية 76 من سورة “ص” (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ )

ماقلته في هذا المقال ليس بتفسير لآيات القرآن , فقامتي تقصر عن فعل ذلك بل هو تفكر في بعض آيات القرآن الكريم و محاولة مني لفهم مااستعصي علي فهمه وقد اردت أن اشرككم في هذا التفكر .

حسين عبدالجليل

__________________
مدونتي:
https://hussein-abdelgalil.blogspot.com

‫9 تعليقات

  1. ياخي انت زول رائع بمعنى الكلمة …..اتابع بشغف واهتمام مقالاتك المتفردة …اذكر انك نشرت مقال عن سبب عدم قدرتنا على رؤية الجن …اتمنى اعادة نشره للفائدة العامة ….ولنسخه …ولك خالص تقديري

    1. الاستاذ فضل السيد :
      ممتن جدا لكلامك الطيب حول ماأكتب . و لتشجعيك الذي أقدره جدا .
      المقال الذي تبحث عنه بعنوان “فهم مغاير لقوله تعالي “إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ”” وتجده في الرابط التالي بالراكوبة:
      https://www.alrakoba.net/900802/%d9%81%d9%87%d9%85-%d9%85%d8%ba%d8%a7%d9%8a%d8%b1-%d9%84%d9%82%d9%88%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%a5%d9%90%d9%86%d9%91%d9%8e%d9%87%d9%8f-%d9%8a%d9%8e%d8%b1%d9%8e%d8%a7%d9%83%d9%8f/

      كل مقالاتي التي تفضلت الراكوبه بنشرها تجدها في الرابط التالي :
      https://www.alrakoba.net/author/hussainabdelgaleel/

      ايضا احتفظ بمقالاتي الدينية في مدونة لي علي الرابط التالي :
      https://hussein-abdelgalil.blogspot.com/

      مودتي واحترامي .

  2. تصحيح
    أستاذنا حسين عبد الجليل،
    قولك بأن القرآن كتاب دين يهدي للتي هي أقوم هو في حد ذاته دليل على العقلانية والعلمية في الخطاب القرآني ولا يشمل الغيب المقصود فيه فقط ما يتعلق بعلم الله الذي يستحيل عقلاً أن يشاركه فيه أحد من خلقه مالم يكشفه سبحانه وتعالى وأول الغيوب هو الحساب والعقاب أو الجنة والنار ويوم القيامة تحديداً بالسنة والشهر واليوم والساعة. أما فكرة يوم القيامة ذاتها أو نهاية أو خراب هذا الكون الذي فيه نعيش وقد خبرنا كثيراً من أسراره وأولها حتمية انتهاء حاله ووضعه الحالي، وهو حال متغير، كما يعرف علماء الكونيات، فهي فكرة عقلانية أي مقبولة عقلاً رغم أنها وردت نقلاً أو نصاً، وهنا إشارة إلى تكامل النقل مع العقل وإلا فما فائدة الإخبار بغيب يوم الحساب مثلاً إذا كان مفهوم الحساب نفسه أمراً غير معقول ولا يقبله المنطق العقلي. بالطبع هناك تفاصيل غيبية مثل كيفية أخذ أو جمع أو حشر الناس ليوم الحساب، وكيفية الحساب نفسه، فهذه تفاصيل لا نعلمها إلا إذا ورد النص بتفاصيلها، ولكنها مع ذلك مفهومٌ حصولها كوسائل منطقية تتبع أو تلزم فكرة الحساب كالنفخ في الصُور (أو الصور) والقيام من القبور والحشر وفتح أبواب السماء وإنزال الملائكة، إلخ تماماً كما ورد في النص، فهذه كلها “غيبيات” معقولة أو مفهومة عقلاً. أم الغيب المحض أو الذي لا صلة له بالحياة داخل هذا الكون والمتمثل في أسئلة مثل أين كان الله قبل أن يخلق المكان و أي أسئلة عن غيب خارج هذا الكون أو قبله أو لاعلاقة له بمعرفة الانسان للخالق وعبادته في هذا الكون، فهو الغيب غير المعقول بل غير المرغوب من العقل معرفته.
    عليه فصحح مفاهيمك يا ستاذ حسين لتسلم خواطرك! فكون القرآن كتاب هداية لدين يهدي للتي هي أقوم, ما قلنا حاجة، ولكنه كتاب معجزات كذلك وهو نفسه، أي القرآن، معجزة خاتم النبيين والمرسلين وهو معجزة ليست مادية كمعجزات الرسل قبله وإنما معجزة علمية لأنه كلام خالق الكون وبارئه وهو العالِم وحده بأسرار خلقه ولا يُعقل أن يكون كلامه تعالى في كتابه المسطور مخالفاً لحقائق كونه وهو كتابه المنظور! فالحقائق العلمية المثبتة إثباتاً قاطعاً ودونكم بعض حقائق الطب بشأن الحمل وتخلّقِ الجنين في الرحم هي جزء من هذا الكتاب المنظور والمُعاش – فهل قال العلم التجريبي بخلاف ما ورد به النص القرآني منذ قرون قبل نشأة علم الطب!
    كما أن قولك بأن القرآن ليس كتاب علوم ويتطلب فقط الايمان بالغيب الذي لايحتاج الي دليل سوي الايمان بأن الله علي كل شيء قدير، فنعم بقدرة الله على كل شيء ومن ذلك منحه بعض خلقه – الانسان – نعمة العقل تكريماً وتمييزاً له دون سائر خلقه ليدرك العقل عدل الحق عز وجل في تكليفه وابتلائه ومحاسبته يوم القيامة دون بقية خلقه، إن استنينا من ذلك الجن رغم أن علة تكليفهم وابتلائهم وحسابهم لا تختلف عما هي بشأن الانسان. (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) 56 الذاريات، ففي ببيان علة الخلق في نص هذه الآية مساعدة للعقل في فهم العدل الإلهي في محاسبة هذين الصنفين من الخلق دون غيرهما ومكافأتهما بالجنة أو النار حسب استخدام العقل لديهما في فهم التكليف ومن ثم تجنب عاقبة المخالفة نهياً أو أمراً. وعليه فلا بأس في منهج بيان الحقائق التي توصل إليها العلم الحديث إذا كان مستحيلاً معرفتها في القرن السابع الميلادي ووردت الإشارة إليها في القرآن الكريم.
    عموماً فكل ما ذكرت من مبررات وحجج تصلح لعكس هذه الخواطر تثبيتاً للمفاهيم التي تشككت فيها أو لم تحبذها كما قلت في الفقرة الأولى من مقالك و نواصل بيانها في بقية الفقرات.

    1. الاستاذ الكيك
      تحية و احترام :

      فهمي المتواضع هو ان القرآن الكريم في الاساس كما قال البارئ “هدي للمتقين” و هو يهدي للتي هي أقوم . كل قوانين و نظريات العلوم الطبيعييه والبيولوجية و غيرها ماهي الا سنن من سنن الله في الكون . يشير القرآن لهذه السنن اشارات عابرة يفهمها كل جيل حسب تقدمه المعرفي .

      كما قلت في بداية المقال (لست من المغرمين بتركيز بعض الدعاة المسلمين علي مايسمونه بالاعجاز العلمي في القرآن الكريم ) كما يفعله امثال الاستاذ زغلول النجار ولكني في المقابل أحب كتابات د .مصطفي محمود عن القرآن , وهذا بالطبع يعود لمزاج المتلقي لما يكتبه الآخرون .

      مودتي و احترامي .

  3. مواصلة لما سبق
    تقول ((في اية ذات دلالة كبيرة ورد ذكر “انزال” الانعام (بعد خلق الانسان) وذلك في قوله تعالي في ألاية السادسة من سورة الزمر “خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ. “ . من يراجع كتب التفسير يلاحظ حيرة المفسرين في فهم معني “أنزل” الواردة بخصوص الانعام , فكلمة الانزال استخدمت في القرآن الكريم ايضا بخصوص معدن الحديد ” وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ.”))
    وتقول: ((القرآن الكريم به كثير مما يدل علي (اهمية) استئناس الانسان للدواب رغم عدم وجود كلمة “اسئناس” بالمعني الذي نستخدمه لها اليوم (اي بمعني “التَّدْجِينُ” to domesticate) . فهناك سورة كاملة باسم الانعام في القرآن الكريم , كما وان أطول سورة في القرآن هي سورة البقرة المسماة علي أهم حيوان استأنسه الانسان في كل انحاء المعمورة))
    اتفق معك في كل ما ورد بالاقتباسن أعلاه ما عدا ما بين القوسين المفردين وهما قولك بإنزال الأنعام (بعد خلق الانسان) فليس لك دليل على تقرير حقيقة كبرى كخلق الأنعام قبل خل الانسان فلآية استخدمت م بالنسبة لخلق زوج النفس الواحدة المفردة فكان خلق زوج هذه النفس الواحدة بعد خلقها لأن التقس الزوج اشتقت من النفس المفردة وفي هذا سند لقصة خلق حواء من ضلع آدم وهذا هو الخلق الأول للإنسان. أما بخصوص انزال الأنعام فقد استخدم وهو حرف معية أو تعدد ولا يدل على الترتيب بالضرورة – وخلق الحيوان والنبات متصور في الغالب قبل خلق الانسان وذلك من باب تقدير أقوات الأرض قبل خلق الانسان بغرض تهيئتها له. كما يلاحظ أنك في العنوان تشير من طرف خفي لنظرية النشوء التطور، فإن تفسيرك هذا يفترض معارضتك لنظرية داروين التي تقول بأن الانسان تطور طبيعي للحيوان. وأنا اتفق معك إن كنت تعارض داروين ولكن يجب التنبيه على أن قولنا بعكس قولك بخلق الأنعام بعد خلق الانسان لا يعني قبولنا بنظرية داروين.
    والملاحظة الثانية: تقول (القرآن الكريم به كثير مما يدل علي (اهمية) استئناس الانسان للدواب..) ، ونقول أن ليس في هذه الآية حضٌ على استئناس الحيوانات ولا تحديد لـ(أهيتها) له كما تقول ولكن هذه الآية تشير فقط إلى نعمة استئناس الحيوانات الأليفة التي خلقها له وجعلها قابلة للتوليف والانتفاع بها. وهذا المعنى مستفاد من سورة يس (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)- لم تقل الآيات لتمتلكوها أو لتسأنسوها، أي ليس في الأمر حٌ أو أمرٌ وانما فقط بيان المنفعة من هذه النعمة.

    نواصل ،،،

  4. مواصلة لما سبق،،
    فيما عدا الملاحظتان في النص المقتبس أعلاه فإني أشيد بفهمك السليم لكلمة الإنزال في سياق سورة الزمر والحديد، فإنني أشيد باجنهادك وفهمك السليم تماماً لمعنى الانزال خلافاً لتفسير الأولين من السلف والخلف السلفيين المقلدين بلا فهم ولا عقل. ومع ذلك، نشيد بغالب المفسرين الذين قالوا أنزلَ بمعنى خلقَ أو جعلَ وغالبهم الذين استبعدوا معنى الإنزال من السماء أو من الأعلى أو من خارج الكون وغيرها من التفسيرات السخيفة من الذين قاسوا على إنزال المطر وإنزال ماء الذكر في رحم الأنثى ووقوف الذكر على قائمين للجماع!
    وباختصارفإنك وإن لم تسم ما قلت به تفسيراً، وبالتالي لم تبين أسانيد اختيارك لهذا الرأي واطراحك للآراء التقليدية، يسرني أن أبين لك بأن هذا الرأي يستند على تفسير مكتمل الأركانفي رأيِ الخاص. ففي قوله تعالى في سورة الحديد (فيه بأس شديد ومنافع للناس) هو مفتاح المعنى المقصود بالإنزال للأنعام والحديد معاً، وذلك بإضافة سبب الإنزال: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد‏:25]‏.
    فهذه الآية مقروءة أو مقرونة بالآية ٢٩ من سورة المؤمنون: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [المؤمنون:29]، و‏(‏إنزال‏) الله‏ تعالى‏ نعمه ونقمه على الخلق: إعطاؤهم إياها‏، أو وضعها موضعاً وتهيئتها في هيئة تؤدي الغرض من خلقها (إنزالها منزلة تقرب الانتفاع منها أو بها) وهو إن شئت، تسخيرها للانتفاع بها أكثر من غيرها أو جعلها أليفة أومستأنسة بلغة بالنسبة للأنعام دون سائر الثديات الأخرى، وقابلة للاستخلاص والتطويع للانتفاع بالنسبة للحديد دون سائر المعادن الأخرى.
    وعليه فإن شئت فقل إن معنى الإنزال في سورتي الزمر والحديد هو من باب الإنعام أي إنزال النعمة على الإنسان فالحق تعالى يخاطبنا لقد أنعمت عليكم بإنزال نعمتي الأنعام والحديد فاستعار لمفعول فعل الإنزال محل النعمة بدلاً من النعمة.
    وهناك ملاحظات أخرى متفرقة منها فهمك للآية 80 من سورة يس (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونََ).
    بإشارتك إلى الظاهرة الطبيعية المعروفة في كل مناطق العالم التي توجد بها الغابات الا وهي حرائق الغابات التي تشتعل طبيعيا بفعل البرق! ليس في هذه الآية إشارة لنار البرق وإلا فلا معني لإشارة الشجر الأخضر والتي يبدو أنك فهمتها كإشارة للغابات! على العموم حرائق البرق لا تميز بين الشجر الأخضر واليابس ولكن المقصود هو النار التي تتولد من احتكاك فروع الشجر الأخضر وسوقه بفعل الرياح وربما بفعل الانسان عن طريق الفرْك حيث تعني جملة جعل لكم (مثل أنزل لكم) أي أمكنكم من نعمة الحصول على النار من الشجر الأخضر.
    وملاحظة أخيرة وصفك لعبارة (فلما أنبأهم) في الآية 33 من سورة البقرة بأنها صيغة صوتتية! ولم تقل لنا كيف عرفت ذلك بخلاف ما (سمِعته) من قول شحرور، وسيبنا من حكاية دكتور دي فهي لا تزيد قوله وزناً إن لم يحمل قوله وزنه من الحجة والمنطق! (أول من سمعته يقول بذلك هو الدكتور محمد شحرور). ونرجوك كباحث ألا تعتمد على الألقاب ليس في التفسير وحده بل حتى في المقولات العلمية التي تصدر حتى من أصحاب التخصص ولابد من استنادها على الحج العلمية. والمفارقة أنك تقول سمعتُ من شحرور ولا مشاحةفي ذلك إن كنت فقط قرأت عنه ذلك، ولم تسمعه منه صوتاً إلا أن يكون شريطاً مسجلاً! من أدراك وأدرى شحرور أن آدم تكلم بصوته عندما أنبأ الملائكة بأسمائهم وكيف عرف لغة الملائكة حتى حدثهم بها؟! هل يستبعد أن إن كان التخاطب بينهم بلغة الإشارة مثلاً!؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..