مقالات وآراء سياسية

ثورة ديسمبر الفتية وتصحيح الأخطاء الكارثية

منير التريكي

مدخل وتهنئة مستحقة :
( كنا محاربين من أجل الحرية ولم نكن رجال دولة).we were freedom fighters.
الراحل المسلم من أصول هندية عبدالله عمر رفيق مانديلا وزير العدل في أول حكومة ديمقراطية في جنوب افريقيا1994
تحية خالصة لمانديلا ورفاقه الكرام الراحلين والأحياء والتقدير العميق لنضالاتهم التي ولدت حرية وكرامة وعدل وألهمت الكثيرين من المضطهدين وحفزتهم للنضال من أجل حقوقهم .

وزير العدل الراحل (دولا أومر) كما ينطقها الجنوب أفريقيون كان يتحدث في حشد كبير من انصارANC (الأيه ان سي)  عن معركة الحكومة الجديدة ضد الجريمة . الإعتراف الصريح هذا كان خطوة مهمة لوضع خطة جيدة لمكافحة الجريمة التي اغراها مناخ الحرية الجديد .
نعترف بأخطائنا لنمضي قدما. لنحاول أن نناقش بهدوء ربما استطعنا الأفادة من تجربتنا الوليدة. هذا سيساعدنا في إستعادة زمام المبادرة . ووضع خطط  قادمة تحقق لنا طموحاتنا المشروعة في السلام و الكرامة والعدل والتنمية .

أولا قادة الثوار لم يعدوا خططا واضحة وعملية يمكن تطبيقها حال سقوط النظام الشمولي. والأرجح ان الثوار كانوا غارقين تماما في الهدف الأكبر وهو سقوط النظام ثم التفكير لاحقا فيما يجب عمله. وللأسف فإن سارقي الثورات وأثرياء الأزمات ضعيفي الوطنية من الإنتهازيين كانو يضعون كل إحتمالات المستقبل القريب ويدرسون سيناريوهات مابعد الثورة  نجاحا وفشلا وهدنة وهبوط ناعم وتدخلا خارجيا و انهيارا كليا و حرب اهلية و..هولاؤ كانوا جاهزين بالخطط الأنسب لمصالحهم لكل حال من الحالات السابقة .
ثانيا  حتى بعد أن إجتمعت فصائل الثورة ووضعت خططها كان التفكير مثاليا والتنفيذ بطيئا . نشوة الإنتصار لم تدع البعض ليركز في فخاخ أعوان النظام السابق والمتضررين من قيام الثورة والمغتنين بمعاناة الشعب . وأيضا بعض الذين غبش (بتشديد الباء) عليهم النظام الرؤية . ضخ في عقولهم عبر سنوات طويلة معلومات خاطئة لدرجة ان البعض لا يزال يفضل الديكتاتورية التي تذله وتسلبه حريته على الديمقراطية التي تعيد له حريته وكرامته وتتيح له مقاضاة أعلى فرد في السلطة التنفيذية . وهو أمر كان مستحيلا في ظل نظام ديكتاتوري  سلب الحقوق وصادر الحرية واعتقل وقتل وعذب ونهب الأموال العامة والخاصة . وهؤلاء استمروا في ترديد مقولات مسربة بخبث للطعن في الثورة والترويج لديكتاتورية جديدة .
ثالثا شغل قادة الثوار بقضايا ثانوية وأغراقهم في تفاصيلها فقل مردودهم في القضايا الكبرى . ويمكن ملاحظة ذلك بإغراق كل السطة التنفيذية في أمور كان من صميم عمل إدارات في وزارات . والأكثر شغل الثوار أنفهم بقضايا ثانوية أبعدتهم لفترة عن قضايا ثورتهم  وتحقيق أهدافها و الأخطر من ذلك هو محاولات شق صف الثوار بعاطفة التدين والتحزب والسودانوية و..  إنشغل قادة الثورة بالنفي والتفنيد وإثبات العكس .هذه مقروءة مع التشكيك في الأشخاص أنفسهم ومهاجمة الوضع الجديد بدل من مساندته . انتج هذا مسارا جديد شغل والثوار عن التركيز في أهداف الثورة السامية. وهذا أمر مقصود لتشتيت الجهود وشغل الناس بما لا يفيد أو بما تقل فائدته على أفضل الأحوال .
مثال ذلك نصب تمثال وحرية مستفذة لبروفات مسرحية ما ودفع بقضايا المثلية والترويج لها كأنها ولدت مع الثورة تماما مثل كولمبيا التي كانت أهلها مواليد و ضحايا سياسات النظام وفساده لسنوات طويلة .
رابعا خدعة الكفاءات التي سربها أعوان النظام السابق وابتلعها قادة الثورة . لا تحتاج الثورة إلى كفاءات وشهادات  أكاديمية عليا . الثورة تحتاج إلى ثوريين مشبعين بقضايا الشعب مهمومين بتحقيق أهدافها بأفضل وجه ممكن . أما الكفاءات فيمكن الإستعانه بهم كمستشارين . ونكن لهؤلاء الكفاءات كل تقدير لمثابرتهم ونجاحاتهم التي شرفت السودان ولوطنيتهم وسرعة إستجابتهم لنداء الوطن. لكن المرحلة تتطلب تنفيذيين عاشوا في السودان في السنوات الأخيرة وواكبوا ما حدث وخبروا معاناة أهله وتشبعوا بتطلعاتهم . وقد كتبت سابقا عن تسليم الأمر للمكتوين بنار هزأي اخوان الشهداء واصدقاءهم والذين تعرضوا للإعتقال والسجن  والإهانة والتعذيب. والذين عانوا من سياسات النظام  وتضرروا من وعسفه وفساده هؤلاء لديهم قوة دفع ضخمة ومتوهجة. كانت ستمكنهم من تحقيقي أهداف الثورة إن وضعوا في الأماكن المناسبة في هذا الوقت المناسب .
خامسا يجب التفكير في إدارة الدولة  كسياسيين – راجع ما إبتدرنا به المقال- طريقة تفكير الثوري تختلف عن طريقة  تفكير السياسي الديمقراطي يختلف تفكير الديكتاتوري وتفكير الباحث يختلف عنهم كلهم . تفكير السياسي هو دراسة الممكن على االصعيد العام لتحقيق لأفضل لبلده . أي يستخرج من الفسيخ شربات كما تفيد المقولة المتداولة . وكل متجرد متفان صبور محب لغيره فرصة كبرى في تحقيق الأفضل حسب نواياه . لكن للأسف بعض السياسيون يضعون مصلحة الحزب قبل مصلحة الوطن والأسواء بعضهم يضع مصلحته الشخصية قبل الوطن والحزب .وللأسف غالبا ما يتم إكتشاف ذلك متاخرا. لكن ذلك ممكن بدراسته سيرته ومواقفه وأحواله قبل تسليمه منصبا مهما . بالتفكير كسياسيين نستطيع وضع الأولويات بطريقة صحيحة تحديد الشريك الإستراتيجي لإنجاز كل هدف . تحديد الموارد مناقشة العقبات المحتملة. اإختيار الحل الحل الأنسب . وغير ذلك. لكن الثوري يريد حسم الأمور كيفما اتفق وبسرعة. وهو أمر جيد لكن هذا التسرع عادة ما يزيد القضايا تعقيدا بدل من حلها بصورة جذرية .
التفكير الثوري السليم هو إختيار من يمثلهم بصورة صحيحة من داخل صفوفهم. تزويده بالأهداف ومساندتهم بصورة يومية والصبر عليهم حتى تتحقق الأهداف وفق أولويات تمرحلها .
لكن محاولة تحقيق كل الأهداف في ذات الوقت وبموارد قليلة والطلب من الشركاء أن يفكروا بنفس طريقتنا  والتفكير بطريقة المؤامرة وإستعداء الحلفاء. هذه طريقة تفكيرمثالية لن تقود إلا لمزيد من التشتت والتعطيل وفقدان الحلفاء وهذا بالتحديد مايريده أعداء الثورة ليحققوا أهدافهم غير المشروعة .
بعد  ما أوردنا ما أعتقدنا انه أهم أخطاء ما بعد الثورة  لنحاول ايضا البحث عن حلول حتى تحق الثورة السلمية اهدافها النبيلة.

[email protected]

تعليق واحد

  1. شكرا جزيلا الأخ منير
    على هذا النقد الهاديء البناء الهادف الى تصحيح مسار الثورة
    فهو بخلاف ما اعتدنا عليه من كتابات أولئك
    الذين يوجهون سهام نقدهم الهدام لكل من شغل منصبا في السلطة بعد الثورة والكتابة عن كافة الأوضاع في البلد بأسلوب العدو الشامت وليس بأسلوب المؤيد للثورة الحريص على اصلاحها ونجاحها بتقديم المقترحات وإبداء الآراء لإصلاح العيوب وتصحيح الأخطاء . هذا بالرغم من ادعائهم تأييد الثورة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..