أهم الأخبار والمقالات

متى تتغير العقلية العسكرية في السودان؟

نضال عبدالوهاب

من المعلوم أن أي إنسان أو مجتمع بشري من المفترض والواجب أن يتعلم من أخطاءه كي يتغير ويتطور ، وهذا بشكل عام ..

علي وجه الخصوص ومن خلال تجارب الحُكم في السودان ، بل وفي كل العالم ، أثبتت تجارب حُكم العسكرين أنها لا تقدم بلادها ، وعندما نتحدث عن مقاييس التقدم لا نقصد به فقط الجوانب الإقتصادية والعُمرانية ، وإنما مجموع التقدم ، الإقتصادي والعلمي والتعليمي و الصناعي والتكنولوجي والبيئ ، والتقدم في مجال الإنسان نفسه ، في حقوقه العامة والخاصة وتنمية مقدراته وغيرها كي نستطيع أن نوجِد مُجتمعات ودول متقدمة ومتطورة ومُفيدة لشعوبها و لغيرها ومن حولها ..

تجارب الحُكم العسكري هي بلا شك جاءت كنتيجة لعقلية الحرب والإستعمار وكاسباب مُباشرة لهما ، وظل الإرتباط ما بين قيادة الدول وجيوشها هو إرتباط وثيق ، لذلك سيطرت التفكير العسكري علي معظم دول العالم في حقبة الحرب العالمية الأولى والثانية وإستمر وجوده المُرتبط بالإستعمار مروراً بفترة الحرب الباردة وتمدُد النشاط الإستخباراتي وهيمنته علي دول كثيرة كانت تقع ضمن النفوذ السياسي والعسكري للدول العُظمي كامريكا والإتحاد السوفيتي وإنجلترا و فرنسا ، وإنتشر بالتالي نموذج أنظمة الحُكم العسكرية المصنوعة داخل أجهزة الإستخبارات الدولية ، أو التي هي ذات علاقة وثيقة بها لتمرير سياساتها ودولها ، خاصة بعد نيل الإستقلال وعدم وجود الإستعمار بشكله القديم ، وتركز هذا النموذج للحُكم العسكري والإنقلابات العسكرية خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ودول العالم الثالث بشكل عام ..

والسودان كان كغيره من دول العالم الثالث قد أُبتلي بمثل هذا النموذج ، لم تكن الديمُقراطية ونظام الحُكم بها مُرحباً بها حتي في تلك المناطق من العالم لأنها لاتخدم سياسة الدول الكُبري ! ..
العالم ومنذ إنتهاء الحرب الباردة قد تغير وبشكل كبير ، وأصبح هنالك إنتشار واسع للديُمقراطية ونظام الحُكم بها وتركيز عليها .. ولم يعد الإعتراف بالإنقلابات العسكرية أمراً إعتيادياً كما كان يحدث في السابق ، كل ذلك للحد منها ، فأصبح العسكريون بالمقابل يلتفون علي ذلك بعمل ديمُقراطيات شكلية ظاهرها الديمُقراطية وباطنها الإستبداد كي يجدوا إعترافاً وشرعية لحُكم شعوبهم ..

في السودان وبعد تجارب لسنوات طويلة جداً من الحُكم العسكري ثبُت بما لا يدع أي مجال للشك أن كل هذا الخراب الذي حدث كان نتيجة مُباشرة للعقليات العسكرية والأمنية التي حطمّت هذه البلاد في فترات حُكمها البغيضة .. فالعقلية العسكرية هي التي أنتجت الفساد ورعته وخرّبت الإقتصاد وقتّلت الشعب ونشرت الحرب وشردت أبناء وبنات الوطن .. وهي التي صادرت الحريات وزرعت الإستبداد وفتحت السجون والمعتقلات للشرفاء والأحرار والوطنيون ، وإغتصبت النساء وعذبت مواطني بلدهم وعمّقت في سبيل الحُكم العنصرية وهتّكت النسيج الإجتماعي ومددت الجهويات ومزّقت وفصلت حتي الوطن ..

كل تلك حقائق مؤلمة نتجت من وراء العقلية العسكرية في السودان ، عقلية لا تعترف بغير نفسها ولا تري غيرها ، مارست أنانية غريبة وتعالِي علي الشعب وكانت علي إستعداد لقتل نصف الشعب كي تظل في كراسي الحُكم ، الآن وبعد الثورة لم يعُد خافياً علي كل العالم رغبة الشعب الكبيرة في أن لا يحكُمه العسكر ولا العقليات العسكرية مرة أخري ، فمتي يقتنع العسكر بهذا ! .. حتي متي يظلوا يلتفون حول الثورة كي يظلوا في الحُكم بل ويُسيطروا علي الدولة ، لماذا لا يقتنعوا أن الحُكم والسياسة ليست مهنتهم ، فكما لا ينبغي لمهندس مثلاً أن يُجري عملية جراحية أو لطبيب أن يبني عمارة من عدة طوابق أو لمُدرس إبتدائي أن يكتب روشتة دواء لمريض ، فكل تلك مهن وتخصصات لها ناسها ، لا يتدخل أحدهم في عمل الآخر ، وبالتالي فللعسكري والضابط مهمتهم أيضاً في تأمين الحدود والتخطيط العسكري في الحروب والقتال فيها ومهمات الأمن المعروفة والعمل الإستخباري ، كل تلك مهام ومهن كغيرها .. لماذا يُصر العسكريون في السودان إذن علي الإشتغال بمهن ليست لهم ولن تكون ! ..

سؤالنا الكبير لعسكر السودان متي تتغير عقليتهم هذه ؟ ..
متي يقتنعون أن يعودوا كمثلهم من بقية الشعب في أداء مهنهم الشريفة جداً .. وأن يأدوا دورهم في حماية البلاد وأمنها والعمل في وظيفتهم هذه والتي يتقاضون عليها الأجر الحلال من الدولة ، متي يلتزمون بأداء واجباتهم دونما مّن ولا أذي كغيرهم ممن يخدمون هذا الوطن .. فمن المؤكد أنهم عندما تقدموا للإلتحاق بالكلية والحربية أو التجنيد يُدركون جيداً طبيعة تلك المهنة ، وحتي في الحروب مثلاً يخدم حتي المدنيون في الجيش لأن الدفاع عن الوطن حينها يكون فرضاً علي كل مواطن شريف ..

إذاً وحتي تجنبوا البلاد الصراعات ومزيد من الدماء التي يمكن أن تسيل فيه كُفوا عن أداء دور الحاكِم فهو لا يليق بكم وليس في هذا ما يُعيب ..

فلنلتزم جميعاً بالدولة ذات نظام الحُكم الديمقراطي المدني .. وليعمل كل مواطن في تخصصه ومهنته لتتطور هذه البلاد وتتقدم ..

نضال عبدالوهاب ..
[email protected]

‫5 تعليقات

  1. الاجابة على سؤالك يا نضال هي ” بعد ان يخسف الله الارض بالشعب السوداني و يأتي باناس آخرين لينجبوا ابناء صالحين “

  2. الي ان نصل ال درجة الوعي تلكم يجب ان يكون اول اصدار للمجلس التشريعي هو الغاء المؤسسة العسكرية او العكس تمام اعتبار كل السودانيين عسكر بما فيهم امهاتنا و الذين لم يولدوا بعد … و البيرفع عقيرتو هو كل عساكر ….و ننتهي من الفارغة.

  3. الاخ نضال بالذات فى السودان الإجابه على سؤالك ده معقده كتير الاخ العزيز الشئ الغاب عنك هو إنو مافى عسكرى فى السودان صحى من النوم و إستولى على السلطه بالقوه لوحده . كل الأحزاب السياسيه المدنيه هى التى قامت بالتخطيط و تدبير الإنقلابات الشيوعى الأمه الإتحادى البعثى و… و…. ومنهم من لم يشارك فى التخطيط لاكنه قام بالمشاركه و منهم من أتى للبلاد من الخارج بقوه عسكريه أسالت الدماء ثلاثه أيام فى الخرطوم يبقى تشخيص المرض فى السياسه السودانيه واضح وضوح الشمس وهو غياب الإيمان الكامل بالديمقراطيه كمنهج للوصول الى الحكم و الأمر أكثر مأساه عندما تنظر لمستوى الوعى بالديمقراطيه فى اوساط المدنيين فمن الغريب بعد عطش من إنعدام العدل و الأمن و إنتشار الحروب الطاحنه 30 سنه إحتج المدنيين على حريه الأديان و تعيين واليه على ولايه النيل أو منع تنصيب منحوته لأحد شهداء التغيير بحى العباسيه بأمدرمان و الأكثر غرابه المقاومه العنيفه للفصل الكامل بين الدين و الدوله .
    للأخ كاتب المقال أقول كل الدول الرائده و السباقه فى النهج الديمقراطى الناجح إحتاجت لوقت كتير و مرت بصعوبات مطابقه لما نعيشه الآن فى السودان مثل الدين ، محاربه العلمانيه ، الفاشيه ، و الآن ما يهدد ديمقراطيات الغرب هو الرأسماليه الجشعه ولاكن رغم إلقاء هذه النظره لمن سبقونا إلا أنه من الواضع إننا متأخرين كثير و عجله التغيير متوقفه فى نفس المكان منذ عده عقود من الزمان فكل دوله او من باب الدقه شعوب لا تستغل المؤهلات الممتازه المتوفره الآن مثل الكمبيوتر و تقدم العلوم التطبيقيه و الإنسانيه لإحداث قفزه كبيره من أخل القطيعه الصحيحه مع إرث الماضى ستكون شعوب مصيرها التلاشى الناعم بفقدان الهويه و الثقافه و التوهان بين الموروث و الواقع أى إنفصام الشخصيه .
    السودان يجب و بسرعه أن يجد معادله لإشراك الجيش فى السلطه بدستور يضمن الرياده و السياده للمدنيين هذه أول خطوه فى الطريق الصحيح.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..