من حوار اجرته مجلة النهج في عددها الخامس والعشرين مع السيد محمد ابراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني رحمه الله وهى مجلة تصدر من مركز الابحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ، تحدث فيها الرجل عن واقع السودان بمنتهى الوعى و الشفافية ،وفى جوانب عدة تؤكد ادراكه الشامل للواقع السوداني ، وما يمثله الاخوان المسلمون من خطر على السودان، وقد اخترت هذه المقتطفات من حديث الرجل الذى حذر وتنبأ قبل الجميع من خطر الجماعات الاسلاموية والرجعية والانتهازية ، وقد دفع الوطن كله ثمن تجاهل كلام الرجل حينها، وقد طبع هذا الحوار في كتيب تحت عنوان قضايا الديمقراطية في السودان هي طبعة ثانية منقحة صدرت في سنة 1992 وأرجو ان تنال القبول .
يقول السيد نقد .. (هل كلما جاء نظام عسكري تتوحد قوى المعارضة و سيكون بالضرورة بينها الاحزاب اليمينية، وتطيح بالنظام العسكري لتعيد النظام البرلماني كي تحكم من جديد القوى التقليدية ؟
نعتقد ” والكلام للسيد نقد ” ان هذا ليس شرطا لازما ، بل يتوقف على توازن القوى في اللحظة المعنية وقدرات الحركة الثورية نفسها ، والوضع الإقليمي والوضع الدولي المحيط بالسودان , لكن لا يجوز تثبيت الهمم بالقول: لماذا نناضل من اجل الدمقراطية لنعيد الحكم للقوى التقليدية ؟ ويقول السيد نقد بان هذا التثبيط ليس عفويا ، انما وراءه تلك القوى التي تريد ان تحكم بالانقلابات العسكرية .
ونحن نفضح هذا النمط من التفكير ونقوم بتوعية الجماهير لتدافع عن مكتسباتها الديمقراطية لان الجماهير ستلجأ للانتفاضة حتى في ظل حكومة برلمانية اذا اقتنعت في لحظة معينة انها لن تستطيع العيش في ظل تلك الحكومة وستبحث عن التغيير .
وفى الجانب الاقتصادي يقول السيد نقد عقدنا مؤتمر اقتصادي في النصف الاول من عام 1989 شمل كل الاقتصاديين السودانيين بمختلف توجهاتهم وخرجنا بتوصيات كان من اهم معالمها:
1- سيطرة واشراف البنك المركزي على السياسة والتسهيلات المصرفية
2- الحد من استدانة الحكومة من النظام المصرفي لتقليل التضخم
3- اعادة تأهيل مشاريع الانتاج الزراعي والصناعي و اعطاؤهما الاسبقية
4- الضغط على صندوق النقد الدولي لتسهيل شروطه
5- تثبيت اسعار السلع الاساسية للمواطن لحل الضائقة المعيشية
ويقول السيد نقد ان هذا كان لتخفيف الازمة وليس لحلها والهدف منه توجيه النشاط المصرفي للإنتاج الزراع و الصناعي ، وضرب النشاط الطفيلي ، والوصول مع صندوق النقد لحل مشكلة الديون .
وعن اجور العمال قال السيد نقد هناك في داخل العمال انفسهم الذى يعمل والذى لا يعمل والأكثر كفاءة والاقل كفاءة ،والعامل المهني والعامل الغير مهني، هذه قضايا مطروحة ويحب ان تناقش وهى من المسائل التي يجب ان نتعامل معها بواقعية.
وتحدث السيد نقد عن تسرب اصحاب الخبرة والعمال المهرة نتيجة القهر و القمع في زمن نميري الذى تزامن مع ازدهار سوق العمل في دول البترول ، الامر الذى تسبب في هجرات جماعية خسر السودان بسببها نخبة من العمالة الماهرة والنقابيين والمتمرسين الذين شردوا لا سباب سياسية وكانت هجرتهم كارثية على الوطن .
وانتقل السيد نقد الى دور الاخوان المسلمون وكيف استفادوا من سياسات نميري الخاطئة قائلا عندما اعلن نميري عن نيته تطبيق الشريعة الاسلامية وجدت مصارف اسلامية امتيازات لم تتوفر للبنوك الاخرى دون رقابة من البنك المركزي بعدها فرض نميري اسلمة كل الجهاز المصرفي فتوفرت امكانات مالية هائلة للنشاط الطفيلي، من تسهيلات البنوك قصيرة الاجل ،وهى في الواقع كانت بيوت تجارية للتسليف وليست مصارف بالمعنى الكامل ، فنشطت حركة المضاربة بالسلع التموينية والمحاصيل عن طرق التخزين فضلا عن تسهيلات المصارف الاسلامية التي كانت تتم وفق اسس سياسية الانتماء للاتجاه الإسلامي او بالتوصية منه وليس وفق الضمانات المصرفية المتعارف عليها ،وقد ترك هذا النشاط اثره السلبى على بنوك الدولة خاصة .
وهكذا جرت رسملة اتباع الاتجاه الإسلامي في حزب الجبهة الاسلامية ،ونتيجة لهذه الممارسات المصرفية اتسع النشاط الطفيلي، وتدهورت الصناعة التي باتت تعمل بمتوسط 20% ال30% من طاقتها لفقدان التمويل.
ويضيف السيد نقد ان البنوك الاسلامية اعطت الاخوان مصادر تمويل وحولت جزء كبير منهم الى اصحاب ملايين وان حزبهم نفسه اصبح من الاحزاب الغنية ، وتملك كمية ادوات التنقل و الدور وادوات الطباعة والصحف ، وله متفرغين حزبيين، وقد تميز بالإنفاق في الانتخابات، وانفق اكثر من حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي.
وفى زمن نميري نال الاخوان حرية الحركة ، في الوقت الذى كانت فيه بقية القوى السياسية الاخرى كلها مقهورة ، وحتى عندما اختلفوا مع نميري وقام باعتقالهم ولم يدم ذلك اكثر من 16 يوما ثم انفجرت الانتفاضة .
وكان الاخوان قد اصبحوا قوة ذات نفوذ في الاتحاد الاشتراكي تنافس القوة الاخرى التي تعتبر نفسها صاحبة سبق، وكان نميري يشعر انه بعد تطبيق الشريعة الاسلامية قد افرغهم من برنامجهم فوجه ضربته لهم تماما كما فعل مع الشيوعيين في بداية حكمه.
ويقول السيد نقد ان تخوف كبار الجنرالات والقوى الخارجية في الفترة الانتقالية من المد الثوري وقوى التجمع الحزبي التي قادت الانتفاضة ، جعلتهم يسارعون في اطلاق سراح الاخوان ليعملوا كقوة مناوئة للثوار وبقية الاحزاب السياسية.
وبما انهم كانوا الحزب الذى مارس نشاطا منظما من 1978 الى 1985 استطاعوا تنظيم نشاطهم بسرعة، عكس الاحزاب الاخرى التي كانت تستند على كيانات صغيرة سرية واحتاجت لزمن طويل لتنظيم صفوفها.
وعن معارضته لقوانين سبتمبر 1983 قال السيد نقد نعارضها كما عارضها كل الناس في السودان وان القوانين البديلة اسوأ من قوانين سبتمبر وقد اصدرنا وجهة نظرنا في كتيب ونظمنا عشرات الندوات ولدينا الاستعداد لمواصلتها ،ونعتقد انها قوانين تسلب الحريات وحقوق المواطن و تستخدم الدين لمصلحة طبقات وفئات سياسية بعينها.
وأوضح السيد نقد موقف الحزب الشيوعي السوداني من الدين ، ويقول ان موقفنا ليس ضد الدين وليس ضد الاسلام وليس رفضا للإسلام ،وليس محاولة لفرض دين اخر على المسلمين او دفعهم لان يتخلوا عن معتقداتهم، فالسودانيون بينهم مسلمون وفيهم غير المسلمين وهناك مبدأ حرية المعتقد واحترام العقيدة في نفس الوقت لذلك نوافق في الدستور ان تكون الشريعة الاسلامية مصدر من مصادر التشريع ونختلف مع الاخرين الذين يقولون ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع ، نحن نرى ان هناك مصادر اخرى كالعرف والفكر الإنساني العام ، فالقوانين التي نعمل بها لا تتعارض مع الشريعة في الجوهر، و مستمدة من تراث الانسانية (السكسون-اللاتين) والعرف السائد في السودان قبل قيام الدولة الحديثة-الخ- صحيح ان التكوين النفسي والوجداني للمواطن السوداني اقرب لتراثه من التراث اللاتيني والسكوني، او قوانين روما القديمة ، ولكن كيف نستلهم تراث وقيم الاسلام وتعاليمه وباي وجهة؟ هل بوجهة المستقبل ومتغيراته ام بوجهة حدود الصلب والقطع والبتر؟ وهل الاسلام كله عقوبات.
اذا وافق المؤتمر الدستوري على القوانين البديلة وهذا مستبعد بحكم طبيعته فلن تخسف بنا الارض ،ولن نعدم وسيلة العمل السياسي –سنتعرض لعقوبات ومطاردة وقهر، لكن سنظل نقنع شعبنا بان هذه القوانين تؤدى الى دولة دينية، وستصبح لقرارات الحاكم قدسية، اذا عراضته كأنما تعارض ارادة الله ،وهذه مسألة خطيرة جدا.(
انتهي كلام السيد نقد الذي شرح فيه الماضي وكأنه يتنبأ بالمستقبل فهل سيعيد التاريخ نفسه ونعود للمربع الذي حذرنا منه هذا المفكر السوداني الكبير؟ ام ان فطنة ثوارانا سوف تتصدى لكل تلك المحاذير والمحن؟..
..المدرسة والمدرس أولا..
[email protected]