
من المعلوم للجميع أن مباحثات السلام التى إنطلقت من جوبا عاصمة دولة جنوب السودان قد بدأ التحضير لها منذ أكثر من عام لتكون من أولى إهتمامات حكومة الثورة فى إنهاء الحروب و المعاناة الإقتصادية و لتحقيق شعار الثوار فى السلام و العدالة بعد أن سقطت حكومة المؤتمر الوطنى, ففى إكتوبر 2019 و بدعوة من المجتمع الدولى و المهتمين بسلام السودان وجهت دعوة لكل حركات الكفاح المسلح و المجموعات المطلبية و حكومة الفترة الإنتقالية لورشة بأديس أبابا للتشاور و التباحث للبدء و الإنخراط فى عملية السلام و لحل مشكلة الحرب فى السودان و للتشاور حول الية و منهجية التفاوض و للإجماع على إختيار منبر تفاوضى يقبل به كل الأطراف , و قد إستجابت كل الحركات لتلكم الدعوة ماعدا حركة جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذعبدالواحد نور , و قد إنخرط الجميع على مدى عشرة أيام فى حوارات جادة و بناءة و تم التأمين على أن تكون جوبا منبرأ للتفاوض, و بمباركة الإتحاد الأفريقى و المجتمع الدولى تم منح جوبا تفويضا لرعاية سلام السودان , لتنطلق العملية التفاوضية لإنهاء الحرب فى السودان و لمخاطبة جذور المشكلة السودانية التى اقعدت السودان من اللحاق و التعلق بأسباب البناء و التطور و الإستقرار.
ما أود الإشارة اليه من هذه المقدمة البسيطة هو أن الحزب الشيوعى كان يعى تماما بهذه العملية و ما قد ينتج عنها من إستحقاقات و قضايا عادلة و ملحة ,الا و هو جزء من مكونات الحكومة الإنتقالية السودانية بوزرائه و كوادره و محسوبيه و أجسامه المختلفة.
فعملية السلام الجزئى التى يدعيها و يتعلل بنقصانها و يدعو لإسقاط الوثيقة من أجلها فهى تعنى الكثير بالنسبة لنا نحن معشر النازحين و اللاجئين فى الهامش السودانى الذى لم تتحقق له العدالة و التنمية و الإستقرار منذ نشأة الدولة السودانية و لم نكن من ضمن إهتمامات الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان , بل كان كل الإهتمام و التركيز من قبل تلكم النخب الحاكمة هوعلى كيفية نهب ثروات الهامش و الإبقاء على سياسة المستعمر و إحكام سيطرة مجموعات محددة على الإقتصاد و المال و الإعلام و السلطة, مما أدى لنشوب الثورات و الحركات المطلبية كحركة نهضة دارفور و اللهيب الأحمر و إتحاد عام الفونج و الكمالو و غير ذلك من احتجاجات فى أوقات مختلفة لرفض سياسات المركز التمييزية تجاه الهامش, و ما تجربة إنفصال جنوب السودان ببعيدة عن الأذهان.
دعوة الحزب الشيوعى لإلغاء إتفاق جوبا تعنى لنا الدعوة للرجوع بالأوضاع فى مناطق الحرب لما كانت عليه قبل ثورة ديسمبر المجيدة , فلا يعلم الحزب الشيوعى أن الاتفاق الإنسانى الذى وقع فى منبر جوبا منذ ديسمبر 2019 قد سمح للمنظمات الإنسانية للدخول لمناطق النزاع لتقديم العون الإنسانى و لأول مرة منذ إندلاع الحرب من تسع سنوات و بموجبه تم إيقاف العدائيات و القصف الجوى و سياسة الأرض المحروقة و العنف الممنهج و قد بدأ النازحون و اللاجئون يحلمون بالعودة الطوعية و الأمن و العدالة الإنتقالية و المواطنة المتساوية التى تتضمن الإعتراف بالحقوق الدينية و بالتنوع الثقافى و الإثنى و اللغوى و الجغرافى.
إتفاقية السلام التى تم التوقيع عليها فى إكتوبر بجوبا يمكنها أن تعالج قضايا الحرب و مسبباته للأبد فقد تناولت مواضيع شتى كموضوع الأرض و الحكم و إعادة النازحين و اللاجئين و العدالة الإنتقالية و التعويضات و التنمية المتوازنة و إعادة توزيع الثروة و السلطة و هيكلة و تطوير القطاع الأمنى و بناء جيش مهنى قومى يعكس التنوع السودانى و بعقيدة عسكرية واحدة , و قد تم الإعتراف بالحرية الدينية و خصوصية أهالى مناطق النزاع فى إدارة شئونهم الداخلية فى ظل سودان واحد موحد و غير ذلك من جواهر القضايا المهمة.
أليس من الأولى أن تتم الدعوة من قبل الحزب الشيوعى لإكمال العملية السلمية التى بدأت منذ أكثر من عام و بذلت فيها جهود و طاقات و موارد و عمليات فنية و تضحيات جسام من قبل الحادبين على مصلحة الوطن و الشركاء و الميسرين و الوسطاء و الضامنين , أليس من الأجدى ضرورة المحافظة على مكتسبات السلام و محاولة إقناع الرفاق عبدالواحد و الحلو للإسراع بتكملة ما انتقص فى العملية السلمية بدلا من الدعوة لنسف كل الإتفاق و المجهودات الضخمة التى بذلت خلال العام و نيف و حث الأطراف للإلتزام بتطبيق الإتفاق بتجرد و جدية حتى تتحقق تطلعات و أشواق جماهير الهامش التى خرجت فى يوم 15 فبراير فى قلب ساحة الحرية لإستقبال أطراف عملية السلام موقنين بأحلامهم المشروعة فى العيش الكريم و الأمان و العودة لمناطقهم الأصلية.
ختاما نرى أن مسئولية إستقرار و أمن و بناء السودان الجديد تقع على عاتق كل الشعب السودانى قاطبة, نساء و رجالا و شيبا و شبابا للعبور بالفترة الإنتقالية بنجاح لتحقيق الرفاة و التحول الديمقراطى و الإصلاح السياسي بدلا من سياسة المماحكات الحزبية و الجهوية الطائفية و التى شهدتها من قبل الفترات الإنتقالية التى أعقبت ثورتى 1964 و1985و التى لم تؤديا للإستقرار السياسى و لا لإيقاف الحرب فى السودان حتى نجنب بلادنا الإنهيار و التشظى.
إشراقة أحمد خميس
[email protected]
مقال في غاية الرصانة و العقلانية من الاستاذة إشراقة أحمد خميس . هذا المقال من احدي اصحاب الوجعة و المكتوين بنيران الحرب التي اوقفتها اتفاقية جوبا يختلف تماما عن مقالات العويل و الشتائم التي يدبجها كثير من الكتاب عن اتفاقية جوبا .
أتمني من بعض كتاب الاعمدة و المقالات السياسية الذين أعشوا أعيننا بكتابات فيها كثير من الاستخفاف , والاحتقار , وعدم الاحترام لقادة الفصائل المسلحة الذين وقعوا اتفاقية جوبا, أن يقرأوا هذا المقال بتمعن و أتمني من الاستاذة اشراقة أن تواصل توعيتهم و تعليمهم بمواصلة الكتابة و نشر مقالات مماثلة .
مودتي و احترامي للاستاذة إشراقة أحمد خميس .