مقالات وآراء سياسية

دعوة الحزب الشيوعى لإسقاط الوثيقة الدستورية المعدلة

إشراقة أحمد خميس

من المعلوم للجميع أن مباحثات السلام التى إنطلقت من جوبا عاصمة دولة جنوب السودان قد بدأ التحضير لها منذ أكثر من عام  لتكون من أولى إهتمامات حكومة الثورة فى إنهاء الحروب و المعاناة الإقتصادية و لتحقيق شعار الثوار فى  السلام و العدالة بعد أن سقطت حكومة المؤتمر الوطنى,  ففى إكتوبر 2019 و بدعوة من المجتمع الدولى و المهتمين بسلام السودان وجهت دعوة لكل حركات الكفاح المسلح و المجموعات المطلبية و حكومة الفترة الإنتقالية لورشة بأديس أبابا للتشاور و التباحث للبدء و الإنخراط فى عملية السلام و لحل مشكلة الحرب فى السودان و للتشاور حول الية و منهجية التفاوض و للإجماع على إختيار منبر تفاوضى يقبل به كل الأطراف , و قد إستجابت كل الحركات لتلكم الدعوة ماعدا حركة جيش تحرير السودان بقيادة  الأستاذعبدالواحد نور , و قد إنخرط الجميع على مدى عشرة أيام  فى حوارات جادة و بناءة و تم التأمين على أن تكون جوبا منبرأ للتفاوض, و بمباركة الإتحاد الأفريقى و المجتمع الدولى تم منح جوبا تفويضا لرعاية سلام السودان , لتنطلق العملية التفاوضية لإنهاء الحرب فى السودان و لمخاطبة جذور المشكلة السودانية التى اقعدت السودان من اللحاق و التعلق بأسباب البناء و التطور و الإستقرار.

ما أود الإشارة اليه من هذه المقدمة البسيطة هو أن الحزب الشيوعى كان يعى تماما بهذه العملية و ما قد ينتج عنها من إستحقاقات  و قضايا عادلة و ملحة ,الا و هو جزء من مكونات الحكومة الإنتقالية السودانية بوزرائه و كوادره و محسوبيه و أجسامه المختلفة.

فعملية السلام الجزئى التى يدعيها و يتعلل بنقصانها و يدعو لإسقاط الوثيقة من أجلها فهى تعنى الكثير بالنسبة لنا نحن معشر النازحين  و اللاجئين فى الهامش السودانى الذى لم تتحقق له العدالة و التنمية و الإستقرار منذ نشأة الدولة السودانية و لم نكن من ضمن إهتمامات الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان , بل كان كل الإهتمام و التركيز من قبل تلكم النخب الحاكمة هوعلى كيفية نهب ثروات الهامش و الإبقاء على سياسة المستعمر و إحكام سيطرة مجموعات محددة على الإقتصاد و المال و الإعلام و السلطة, مما أدى لنشوب الثورات و الحركات المطلبية  كحركة نهضة دارفور و اللهيب الأحمر و إتحاد عام الفونج و الكمالو و غير ذلك من احتجاجات فى أوقات مختلفة لرفض سياسات المركز التمييزية تجاه الهامش, و ما تجربة إنفصال جنوب السودان ببعيدة عن الأذهان.

دعوة الحزب الشيوعى لإلغاء إتفاق جوبا تعنى لنا الدعوة للرجوع بالأوضاع فى مناطق الحرب لما كانت عليه قبل ثورة ديسمبر المجيدة , فلا يعلم الحزب الشيوعى أن الاتفاق الإنسانى الذى وقع فى منبر جوبا منذ ديسمبر 2019 قد سمح للمنظمات الإنسانية للدخول لمناطق النزاع لتقديم العون الإنسانى و لأول مرة منذ إندلاع الحرب من تسع سنوات و بموجبه تم إيقاف العدائيات و القصف الجوى و سياسة الأرض المحروقة و العنف الممنهج و قد بدأ النازحون و اللاجئون يحلمون بالعودة الطوعية و الأمن و العدالة الإنتقالية و المواطنة المتساوية التى تتضمن الإعتراف بالحقوق الدينية و بالتنوع الثقافى و الإثنى و اللغوى و الجغرافى.

إتفاقية السلام التى تم التوقيع عليها فى إكتوبر بجوبا يمكنها أن تعالج قضايا الحرب و مسبباته للأبد فقد تناولت مواضيع شتى كموضوع الأرض و الحكم و إعادة النازحين و اللاجئين و العدالة الإنتقالية و التعويضات و التنمية المتوازنة و إعادة توزيع الثروة و السلطة و هيكلة و تطوير القطاع الأمنى و بناء جيش مهنى قومى يعكس التنوع السودانى و بعقيدة  عسكرية واحدة , و قد تم الإعتراف بالحرية الدينية و خصوصية أهالى مناطق النزاع فى إدارة شئونهم الداخلية فى ظل سودان واحد موحد و غير ذلك من جواهر القضايا المهمة.

أليس من الأولى أن تتم الدعوة من قبل الحزب الشيوعى لإكمال العملية السلمية التى بدأت منذ أكثر من عام و بذلت فيها جهود و طاقات و موارد و عمليات فنية و تضحيات جسام من قبل الحادبين على مصلحة الوطن و الشركاء و الميسرين و الوسطاء و الضامنين , أليس من الأجدى ضرورة المحافظة على مكتسبات السلام و محاولة  إقناع الرفاق عبدالواحد و الحلو للإسراع بتكملة ما انتقص فى العملية السلمية بدلا من الدعوة  لنسف كل الإتفاق و المجهودات الضخمة التى بذلت خلال العام و نيف و حث الأطراف للإلتزام بتطبيق الإتفاق بتجرد و جدية حتى تتحقق  تطلعات  و أشواق جماهير الهامش التى خرجت فى يوم 15 فبراير فى قلب ساحة الحرية  لإستقبال  أطراف عملية السلام  موقنين  بأحلامهم المشروعة فى العيش الكريم و الأمان  و العودة  لمناطقهم الأصلية.

ختاما نرى أن مسئولية إستقرار و أمن و  بناء السودان الجديد تقع  على عاتق كل الشعب السودانى قاطبة, نساء و رجالا و شيبا و شبابا للعبور بالفترة الإنتقالية بنجاح  لتحقيق الرفاة و التحول الديمقراطى و الإصلاح السياسي بدلا من سياسة المماحكات  الحزبية  و الجهوية الطائفية و التى شهدتها من قبل الفترات الإنتقالية التى أعقبت ثورتى 1964 و1985و التى لم تؤديا للإستقرار السياسى  و لا  لإيقاف الحرب فى السودان حتى نجنب بلادنا الإنهيار و التشظى.

إشراقة أحمد خميس
[email protected]

تعليق واحد

  1. مقال في غاية الرصانة و العقلانية من الاستاذة إشراقة أحمد خميس . هذا المقال من احدي اصحاب الوجعة و المكتوين بنيران الحرب التي اوقفتها اتفاقية جوبا يختلف تماما عن مقالات العويل و الشتائم التي يدبجها كثير من الكتاب عن اتفاقية جوبا .

    أتمني من بعض كتاب الاعمدة و المقالات السياسية الذين أعشوا أعيننا بكتابات فيها كثير من الاستخفاف , والاحتقار , وعدم الاحترام لقادة الفصائل المسلحة الذين وقعوا اتفاقية جوبا, أن يقرأوا هذا المقال بتمعن و أتمني من الاستاذة اشراقة أن تواصل توعيتهم و تعليمهم بمواصلة الكتابة و نشر مقالات مماثلة .

    مودتي و احترامي للاستاذة إشراقة أحمد خميس .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..