مقالات سياسية

الأستاذ الصحفي الكبير عبده بشارة في ذمة الله

خالد عبدالله ابواحمد

فقدنا في السودان والبحرين أمس شخصية صحفية ودبلوماسية واقتصادية يعتبر من رواد الصحافة السودانية والبحرينية، أول جسر إنساني ربط السودان بشقيقته البحرين في ستينيات القرن الماضي هو المربي الجليل الأستاذ عبده بشارة الذي توفي أمس الأول الثلاثاء عن عمر ناهز الخامسة والثمانون عاما، وكان نعم المعلم والمربي والوطني الغيور الذي خدم بلاده في أحلك الأوقات،شخصيا فقدت عنصرا مهما في حياتي كان بالنسبة لي الكثير، فهو الأخ والصديق والأب، كنت دائما أجد في كلماته التشجيع والتحفيز.

الفقيد من مواليد الثلاثينيات بمدينة (ودمدني) من والد كان يعمل ساهرا على خدمة بلاده في مجال الأمن حتى تقاعده من العمل، وأسرة الفقيد معروفة في السودان (آل بشارة) وجده الأكبر لوالده محمد أحمد بشارة تحتفظ مجلدات تاريخ السودان بسيرته ودوره الوطني الذي قام به في تاريخ السودان المعاصر، والأسرة أصلها من الشمالية من قرية (دويم ودحاج) مركز مروي، أكمل عبده بشارة تعليمه العالي بين السودان وجمهورية المانيا الأتحادية متخصصا في (الصحافة) عمل فترة من الزمن بوكالة رويتز للأنباء في الخرطوم، ثم مجلة الإذاعة السودانية، كما عمل في عدد من الصحف السودانية، وكان مديراً لتحرير جريدة (التلغراف) السودانية التي انشأت في منتصف الخمسينيات، والتي كانت تبشر بالمنهج القومي العربي، وفي أثناء دراسته في مدينة (ميونخ) الألمانية كان رئيساً لاتحاد الطلاب الأفارقة، حتى نهاية الدراسة العليا في الصحافة والأخراج الصحفي.

وفي بداية العام 1968 جاء إلى وطنه الثانى البحرين التي أقام فيها حتى وفاته، عاش فيها وأصبح جزء من شعبها الطيب، وفي أغسطس من نفس العام تزوج من بنت عمه الاستاذ المرحوم كمال بشارة رجل الأعمال الذي سبقه في العمل والاستقرار في البحرين، بدأ الفقيد الراحل أستاذنا عبده بشارة عمله المهني في مجال الصحافة بإصدار أول مجلة اقتصادية تجارية هي ( الأسواق العربية) بالتعاون مع أحد اصدقائه البحرينين، وبعدها أصدر مجلة (السياحة العربية) المجلتان عملتا على أبراز امكانيات البحرين الاقتصادية والتجارية وطموح قادتها وشعبها، وكانت البحرين في طريقها نحن الاستقلال وفي بداية مسيرة الخير، فحققت المجلة نجاحات كبيرة في أهدافها الاعلامية.

وبعد ذلك قرر الاتجاه نحو العمل التجاري، وكانت البداية في خلق الجسر بين البلدين الشقيقين البحرين والسودان فأسس أول شركة خاصة باسم (شركة الخليج العربي لتجارة المواشي) وحاول بالاضافة إلى ذلك العمل في جلب العديد من السلع التجارية السودانية إلى البحرين، فتنوعت أعماله التجارية وحققت نجاحا كبيرا غير مسبوق في ارتياده للعديد من المجالات للمرة الأولى في البحرين، وفي تلك الفترة كان الفقيد عبده بشارة بمثابة سفير سوداني بلا سفارة، وحتى يخدم أبناء وطنه افتتح مكتب الكناري للخدمات والعلاقات العامة، في الواقع يعمل كسفارة لجمهورية السودان فقط ينقصه رفرفة العلم السوداني في اعلى ناصية المبنى، وكانت كل الأعمال التي تنجز في هذا المكتب لخدمة أبناء السودان بالبحرين.

الفقيد عبده بشارة كان بالفعل الجسر الذي ربط البلدين ببعضهما، من خلال جهوده في دعوة المسؤولين السودانيين ورجال المال والأعمال إلى البحرين في زيارات تعريفية، وقيادة الاعلاميين البحرينيين في زيارات للسودان، وكل تكاليف هذه الزيارات المتبادلة كانت تدفع من حسابه الخاص، ما كان ينتظر جزاءا ولا شكورا من أحد، لانه يخدمه بلد السودان والبحرين، وبعد أن تراكمت جهوده وأثمرت في خدمة العلاقات بين البلدين في مجالات عديدة، أصبح يعمل في خدمة بلاده بالاعتراف الفخرى الرسمي من حكومة السودان كمسؤولا عن مصالحها في البحرين وكذلك مسؤولية رعاية الجالية السودانية وكل ما يتعلق بأفرادها في هذه البلاد، هناك العديد من الرسائل الرسمية التي كانت تصله من وزارة الخارجية بالخرطوم والسفارة السودانية بدولة الكويت التي تؤكد على أن الفقيد خدمة بلاده بنكران ذات وإخلاص لا مثيل له دون أن يكلف حكومة السودان آنذاك إي مبالغ مالية.

وظل على أحسن حال حتى عام 1980م، وبعد ذلك تبدلت ظروفه، كما قال عن نفسه ” أنني أعيش في وطني الثاني البحرين أتمتع بكافة حقوقي كمواطن بحريني الإنتماء والمواطنة بدون وثيقة وثيقة سفر، وإنما أعيشها بين شعب عزيز وأهل كرام أبوابهم مفتوحة لي من اب كريم من حضرة صاحب السمو أمير البلاد المعظم الشيخ عيسي بن سلمان آل خليفة وسمو رئيس الوزارء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، وكافة رجال الدولة”.

وبعد العمل التجاري رجع مرة للعمل الصحفي بصحيفة (الأضواء) البحرينية، بالاضافة لعمله كمنسق استشاري للمؤسسة العربية للطباعة والنشر لورثة المرحوم صديقه العزيز الأستاذ محمود المردي الصحفي البحريني المعروف وبسبب علاقة المحبة التي ربطت بينهما زار المردي السودان عدد من المرات مع رفيقه عبده بشارة، وهناك العديد من الصحفيين البحرينيين الذين زاروا السودان من ضمنهم الاستاذ الصحفي الكبير علي سيار، والاستاذ والشاعر خليفة قاسم وغيرهم.

أسهم الفقيد الراحل بقدر كبير في تأسيس الوجود السوداني في البحرين من خلال جلب الكفاءات السودانية للعمل ليس في مجال واحد بل في كافة المجالات، وقد أصبح سببا في ازدهار العشرات من الأسر السودانية الذين شكّلوا مجتمعا جديدا بتزاوجهم مع الأسر البحرينية وجميعهم يكنون كل الحب والتقدير والاحترام لهذه الشخصية السودانية البحرينية الفذة، إن الفقيد الراحل اشتهر بطيبة قلبه وبحنيته وأبويته، وقد فجعوا جميعا برحيل أبوهم الروحي، لكن عزاءهم أن الاستاذ عبده بشارة ترك من خلفه أسرة جميلة في حبها ودودة في تعاملها، راقية في تصرفاتها.

بفضل الله تعالى أن الفقيد أنجب عددا من الأبناء والبنات والأحفاد الذين تسر بهم النفوس، ويُعتمد عليهم في بناء الأوطان استمدوا قوتهم من والدهم الراحل، ومن ووالدتهم المربية الفاضلة حفظها الله ورعاها وأصبغ عليها نعمة الصحة والعافية، تخلقوا بأدب والديهم، لذلك يتقلدون وظائف مهمة في البحرين، الأمر الذي يعكس مقدار مثابرة والديهم في إعدادهم للمستقبل، الفقيد عبده بشارة عشق البحرين وأهلها وبادلها حبا بحب، وكانت علاقته بأمير البحرين الأسبق وطيدة، وكان كثيرا ما يعبر عن سعادته بحب أهل البحرين له وتأكيدهم الدائم بأن السودان والبحرين شعب واحد، ونسطيع أن نقول أن الفقيد الراحل هو من فتح الآفاق الواسعة للعلاقات السودانية البحرينية أن تتطور، حتى وصلت إلى مرحلة فتح السفارات بين البلدين.

رحم الله الاستاذ عبده بشارة رحمة واسعة وأسكنه فسح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا.

خالد عبدالله- أبواحمد
صحيفة (الديمقراطي) 17 ديسمبر 2020م

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..