مقالات سياسية

دلالات حرق شعار الحزب الشيوعي

عاطف فارس

تباينت ردود الأفعال على حرق شعار الحزب الشيوعي في احدي مواكب ١٩ ديسمبر من قبل مجموعة من الشباب… ولكن استنكرت الغالبية هذا الفعل وادانته، وانا هنا بدوري ادين هذا السلوك واعتبره مجافيا ومخالفا لقيم الشعب السوداني ومخالفا لروح ثورة ديسمبر المجيدة وشعاراتها وسلميتها…

واعتقد في الغالب ان من قاموا بهذا الفعل هم بقايا الكيزان ومن يسعون الى جر البلاد الى دوامة العنف و الحرق..
ولكن يبقى هناك سؤال مؤرق وهو: هل هذه الواقعة المعزولة و المستنكرة لها اي دلالات اخرى أبعد واعمق؟ وسؤال اخر : هل ترى الأصوب ان ندعها تمر كانها حرق اطار لستك او إطار سيارة في اي موكب؟

وسؤال اخر: لماذا شعار الحزب الشيوعي وليس اي حزب اخر؟

قبل ان أحاول الإجابة على هذه الأسئلة اعود بالذاكرة الى العام ١٩٦٥ وتحديدا في نوفمبر في معهد المعلمين العالي بام درمان… هناك حدثت واقعة بسيطة اذ تحدث طالب نكرة حديثا اجوفا لا معنى له تم على اثر حديثه تغيير دستور البلاد  وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه  من البرلمان… وبالتالي تغيير كل تاريخ البلاد…

كيف يمكن لحديث طالب نكرة في ندوة صغيرة ان يغير دستور امة وتاريخها؟؟؟
لا اريد ان اسهب في الحديث عن تلك الواقعة فهي متاحة في كثير من المواقع لمن اراد مزيدا من التفاصيل حولها…
ما يهمني من الرجوع اليها هو  ان حديث الطالب المعني لم يكن غير شرارة يبحث عنها اناس بعينهم يريدون ان يوقدوا نارا…وقد كان لهم ما ارادوا…

نعم كانت جبهة الميثاق هي القائد ولكن كانت المعركة في جوهرها بين قوى اليمين وعلى رأسها الاخوان المسلمين وقوى اليسار وعلى راسها الحزب الشيوعي… انتهت تلك المعركة بهزيمة أكتوبر وانقلاب مايو …

الان دعونا نعود الى الأسئلة اعلاه نحاول الإجابة عليها في ضوء تاريخ الصراع الذي يبدو ازليا بين قوى اليسار وقوى اليمين…
ان حرق شعار الحزب الشيوعي لم يكن فعلا حدث صدفة او في سياق أحداث تبرره.. بل كان عملا مدبرا وتم تصويره وبثه باحترافية…والغريب في الامر عدم صدور إدانة من اي حزب لهذا العمل الذي يصيب الديمقراطية في مقتل ويقضي على اهم سمة في الثورة وهي سلميتها … فقط الحزب الشيوعي واعضائه من ادان هذا العمل… فيما صمتت بقية الأحزاب وكان الامر لا يعنيها…

لذلك يجب ان لا يمر هذا الحدث وكأنه حرق لستك في مظاهرة… هو ليس كذلك بل هو طعنة نجلاء في خاصرة الديمقراطية وليس الحزب الشيوعى…

الحزب الشيوعي جزء من القوى التي صنعت هذه الثورة المجيدة ولكنه لا يمثلها ولا هو المتحدث باسمها ولا الحكومة الانتقالية هي صنيعته او تأتمر بامره… وكذلك كل الأحزاب الاخرى هي جزء لا يتجزأ من قوى الثورة ولكن لا يمكن لاي منها ان تدعي انها تمثل الثورة او الثوار…

على هذه الأحزاب والتي توافقت في لحظة المد الثوري وضغط الشارع الثوري في تحالف قوى الحرية و التغيير ان تدرك جميعها يمينها و يسارها ووسطها ان المعركة لم تنته بعد وان القتال حول المغانم لم يحن وقته بعد…مازال الطريق طويلا و شائكا حتى نصل الى بر الامان… ان المصلحة الوطنية تقتضي منكم العودة مرة اخرى الى الاتفاق حول الحد الأدنى…

اما لماذا حرق شعار الحزب الشيوعى وليس شعار اي حزب اخر؟ أقول هو محاولة  تصوير ان حكومة الثورة هي حكومة الحزب الشيوعي وبالتالي فهو المسؤول عن كل اخفاقات الحكومة الانتقالية …وكما قلت هذا ليس صحيحا في واقع الامر..
الصراع الايدلوجي الحاد لن يقود الى بناء السودان الذي نحلم به ومكايدات قوى اليمين وقوى اليسار الخاسر الوحيد منها الوطن….

أحلم ان يأتي يوم ما ولا يوجد في السودان اي حزب ايدولوجي او عقائدي او طائفي او ديني… ولكن حتى يأتي ذلك اليوم أتمنى ان تحتمل هذه القوى اختلاف افكارها ورؤاها وان تضع مصلحة الوطن هي العليا.
عاطف فارس
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. صدقت في تحليلك ، يجب ان يكون للمراقبين عينا زرقاء اليمامة وان يروا من خلال أشجار استهداف الشيوعى ان وراء الاكمة ما وراءها ، خاصة اذا اضفنا لذلك الخبر الذى بثته سونا دونا عن جميع الاخبار انتقت خبر عن الحزب الشيوعى ، فواضح ان هناك جهات ما زالت جيوب للنظام البائد تستهدف الحزب الشيوعى هذه الجيوب تحاول ان تزرع الفتنة وان تستهدف الحزب الشيوعى ، خاصة اذا عرفنا ان النظام البائد ورموزه ظلوا على الدوام يشنون هجوما قاسيا على الحزب الشيوعى ويحاولون تشويه سمعته ، نتذكر جيدا وصفهم للشوعيين بأنهم طابور خامس للحركة الشعبية واستهدفتهم قوات الإنقاذ القمعية لهذا السبب ، ونتذكر جيدا وصفهم الدائم لتجمع المهنيين قبل الثورة بأنه صنيعة للشيوعيين ، ونتذكر خطاب قوش البائس الذى قال فيه ان من قتلت الدكتور الشهيد انها بنت شيوعية أخرجت السلاح من شنطتها واطلقت عليه الرصاص . كل هذا في سبيل تشويه الشيوعيين والآن يبدو ان هناك ما زال أبناء قوش يعملون في الوظائف العامة الحساسة والآن شعروا بزوال الخطر عنهم فرجعوا لنفس ممارساتهم السابقة .. يجب الانتباه جيدا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..